والوساطة المغربية التي تكللت خلال الأشهر الماضية بنجاح لقي استحسانا من الفرقاء الليبيين، تأتي في ظل استمرار الأزمة بين الرباط ومدريد، منذ استقبال الأخيرة للزعيم الانفصالي إبراهيم غالي، بجواز سفر مزور، فيما ماتزال العلاقات المغربية الألمانية بدورها تشهد التوتر، ما يشير بحسب مراقبين إلى مخاوف من أن تمتد الخلافات المغربية الأوروبية إلى الوساطة في الموضوع الليبي.

ومن جانبها وجهت وزارة الخارجية الألمانية دعوة إلى المغرب من أجل المشاركة في مؤتمر “برلين 2” الذي ينعقد في 23 من يونيو الجاري، حول ليبيا، ما اعتبرته مصادر إعلامية سعيا من برلين إلى تخفيف حدة التوتر بين البلدين، خصوصا وأن ألمانيا كانت قد امتنعت عن دعوة المغرب إلى مؤتمر برلين الذي انعقد حول الأزمة الليبية بداية العام الماضي، ما تسبب في تصاعد أسباب الخلاف، وصولا إلى القطيعة الدبلوماسية التي أعلنتها الرباط قبل أشهر.

 

وفيما يستمر المغرب في مساعي الوساطة بين الأطراف الليبية، دون إقحام ملفات الخلافات المغربية مع دول أوروبية في الأزمة الليبية، أعرب أيضا رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، الجمعة، عن ارتياحه وتفاؤله بالدور المغربي، وذلك بالتوازي مع تصريحات عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، عقب لقائه بوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، الجمعة، مثمنا “الجهود المبذولة”، والتي أسفرت بحسبه عن “تكوين سلطة تنفيذية واحدة من مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية وباشرت أعمالها، ونحن نستعد للانتخابات القادمة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021”.

 

ومن المرتقب أن تشهد ليبيا، خلال الأسبوع المقبل، انعقادا لجلسة عامة في البرلمان، تتولى تسمية شخصيات جديدة على رأس المؤسسات الاستراتيجية السبعة، وهي محافظ البنك المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس هيئة مكافحة الفساد والنائب العام، ورئيس المحكمة العليا، والتي تم التوافق على توزيعها محاصصة بين أقاليم ليبيا الثلاثة.

 المسار الليبي المعزول عن الخلافات

واعتبر الباحث والكاتب الليبي، حسين مفتاح، أن “زيارة عقيلة صالح وخالد المشري إلى المغرب قد جاءت لاستكمال المسار الدستوري، ومشاورات بوزنيقة، بخصوص تكليفات المناصب السيادية السبعة”، مستبعدا أن “يكون هناك أي علاقة بين ما يقوم به المغرب من وساطة بين الطراف والليبية، وبين آخر التطورات المرتبطة بالعلاقات المغربية الإسبانية والألمانية”.

وأكد المتحدث في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “زيارة رئيس وزراء إسبانيا لطرابلس في نفس التوقيت يأتي في سياق علاقات التعاون التي تربط إسبانيا بليبيا”، مشيرا إلى “الاتفاقيات التي تم توقيعها بين العقيد القذافي وإسبانيا خلال العام 2002”.

 

وأضاف أن “زيارة سانشيز في ظل وجود حكومة وحدة وطنية في ليبيا، ليست محل جدل مثل سابقتها حكومة الوفاق، فهي تأتي في محاولة الاستفادة من آخر المستجدات الاقتصادية في ليبيا، خصوصا في ظل وجود منافسين كبار لإسبانيا مثل فرنسا وإيطاليا وروسيا”.

ولفت إلى أن “هناك طموح إسباني إلى المشاركة في إعادة إعمار ليبيا، وإحياء عقود النفط، باعتبار أن هناك شركات إسبانية لديها عقود متوقفة بسبب الظروف الأمنية”، مستعبدا أن “يكون هناك أي ترابط بين الخلاف المغربي الإسباني وبين التسوية الليبية، دون إغفال أن عالم السياسة فيه كل شيء ممكن”.

 في الرباط .. الحل الليبي أولا

ومن جهته أكد الباحث الاستراتيجي، لحسن بوشمامة، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “المغرب حريص أشد الحرص على أن يُبقي هذا الملف بعيدا عن أي خلافات ونزاعات دولية وإقليمية”، معتبرا أن “ألمانيا كانت قد جربت في السابق أن تجعل الملف رهينا لاصطفافها ضد المغرب، وهنا أبان المغرب عن موقف حازم وواضح، فهو في حين احتج على ألمانيا بهذا الخصوص، لم يذهب في اتجاه رهن وساطته في الملف الليبي بخلافه مع ألمانيا”.

وأردف موضحا أن “منهجية المغرب التي تعطي الأولوية القصوى للحل الليبي، هي التي جعلته محط ثقة من طرف الفرقاء الليبيين على اختلاف خلفياتهم، في حين أن تدخلات دول مثل تركيا وألمانيا لم تعط نتيجة بسبب استعمالها للملف الليبي من أجل دوافع سياسية وخلافات إقليمية”.

ونبه المتحدث من أن “أي محاولة لحكومة سانشيز للذهاب في اتجاه نفس المنحى الذي كانت قد قطعته برلين، بخصوص استخدام مسار التسوية الليبية، لتصفية خلافاتها مع المغرب، فإنه لن يزيد الطين إلا بلة، ولن يُخرج في الوقت نفسه المغرب عن منهجيته التي اختارها لمساعدة الليبيين على الخروج من عنق الزجاجة”.

ولفت بوشمامة إلى أنه “قد يكون دخول الإسبان على خط المسألة الليبية أيضا طوق نجاة لكي ينزلوا عن شجرة الخلاف مع المغرب”، متوقعا أن “دعوة الرباط إلى مدريد إذا ما قررت هذه الأخيرة تنظيم مؤتمر حول ليبيا، من شأنه أن يخفف من حدة التوتر الذي اشتعل بسبب استضافة الانفصالي غالي بأوراق ثبوتية مزورة”.