كتب – د. محمد علي السقاف
في 25 فبراير (شباط) 2018، وافق مجلس الأمن الدولي على تعيين مارتن غريفيث مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن. وفي 12 مايو (أيار) 2021، قدم غريفيث إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، منهياً مهامه بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها في محاولة التوصل إلى اتفاق سلم بين أطراف الأزمة اليمنية، وكان واضحاً في إحاطته الأخيرة فشله في تحقيق ذلك، حيث اعترف صراحة، خلال المفاوضات وفي عدة مناسبات، بـ«رفض (أنصار الله) اللقاء بي»، مشيراً إلى نقاط أخرى عرقلت مساعيه سنتناولها لاحقاً بتفاصيل أكثر.
حقيقة، لم تفاجأني هذه التطورات الأخيرة لمسار مهام غريفيث، وقد تنبأت بحدوث ذلك مبكراً في مقال كتبته في هذه الصحيفة بتاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تحت عنوان «غريفيث وتعثره في إيجاد مخرج للأزمة اليمنية»، واختتمته بالقول: «إن غريفيث لم يفشل، ولم ينجح أيضاً، في مساعيه لحل الأزمة اليمنية، في حين نجح أول مبعوث أممي في أزمة الحرب الأهلية في الستينات، حيث كان الوسيط الأممي حينها أميركي الجنسية!». وقد تساءلت في بداية مقالي المذكور إذا كانت هناك ثمة علاقة محتملة بين نجاح الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن و«مصير» المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، لكون الرئيس الجديد يولي اهتماماً كبيراً للأمم المتحدة والعلاقات متعددة الأطراف، على العكس من سلفه الرئيس دونالد ترمب الذي ينحو نحو العلاقات الثنائية أكثر من العلاقات متعددة الأطراف، فالأمم المتحدة في الأساس تعود فكرتها إلى الرئيس فرانكلين روزفلت، من الحزب الديمقراطي مثل بايدن.
وقد رأى الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، أن «الولايات المتحدة تتجه إلى اعتبار الأمم المتحدة امتداداً لسياستها الخارجية». ولذلك، كان من المثير أن تكون دورية أميركية (مجلة فورين بوليسي) هي التي لها السبق في الإشارة إلى أن الأمم المتحدة ستعين الأربعاء (12 مايو) غريفيث وكيلاً مساعداً للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.
والأمر الآخر اللافت للنظر أن الولايات المتحدة، باستثناء فترة الحرب الأهلية اليمنية في فترة الستينات، قامت بتعيين ممثل خاص للرئيس الأميركي في الأزمة اليمنية، تمثل في شخص تيم ليندر كينغ الذي عمل بشكل وثيق مع المبعوث الأممي لأكثر من نحو شهرين. ومما تجدر الإشارة إليه أن المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ أحمد قضى مهام وظيفته في نحو ثلاث سنوات، بانتهائها في 16 فبراير 2018، وعين غريفيث بديلاً عنه في 25 فبراير 2018، فهل إنهاء مدة ولاية غريفيث بعد عدة أشهر كان الهدف منه منح المبعوث الأميركي وقتاً كافياً للاطلاع على ما قام به غريفيث، أم أن ذلك لأسباب أخرى ومجرد تكهنات لا علاقة لها بواقع الأحداث؟
الشيء الأكيد أن تعقيدات الأزمة اليمنية، وارتباطها بعدة ملفات إقليمية أخرى، صعبت أكثر من مهام المبعوث الأممي، وربما عوامل أخرى ساهمت في تعثر مهام غريفيث، ليس لكونه ذا أصول بريطانية، وإنما لعدم معرفته بالتقاليد والتاريخ السياسي اليمني، ناهيك من عدم تحدثه باللغة العربية، وهذا لم يسهل تخاطبه مع جماعة «أنصار الله» إلا عبر مترجمين لأقواله.
وفي فترات معينة بدا أنه لا يضغط على جماعة «أنصار الله» بالقدر الكافي، وفي مراحل أخرى اصطدم مع شخصيات رسمية من قيادات الحكومة الشرعية الذين وصل بهم الأمر إلى حد إبلاغ شكاواهم من مبادرات غريفيث إلى الأمين العام للأمم المتحدة. وهنا المفارقة الكبيرة التي جاءت في إحاطته الأخيرة التي تحدث فيها بصراحة غير معتادة، حيث حمل عن حق مسؤولية إخفاق مهمته في إحراز تقدم إلى جماعة «أنصار الله»، بقوله إنه «على الرغم من الجهود المضاعفة في الأشهر الأخيرة للتوصل إلى حل سلمي للصراع اليمني، فإنني للأسف لست هنا اليوم للإبلاغ عن أن الأطراف تقترب من التوصل إلى اتفاق»، مشيراً إلى «تصعيد عسكري لا هوادة فيه من قبل الحوثيين في مأرب»، بالإضافة إلى «استمرار القيود على الواردات عبر مرافئ الحديدة… وغياب العملية السياسية»، ووصف الوضع في مأرب بأنه «على المحك»، قائلاً إن هجمات الحوثيين «أدت إلى خسائر مذهلة في الأرواح»، بما في ذلك الأطفال الذين جري إلقاؤهم بلا رحمة في المعركة، مطالباً هذه الجماعة بـ«وقف هجومها على مأرب فوراً»، لأن «استمرار هذا الاعتداء غير مبرر».
وأثنى من جانب آخر على الحكومة اليمنية، بالقول إنها تعاونت معه في هذه المفاوضات، معقباً: «أود أن يكون هذا واضحاً».
وكرر غريفيث في الجلسة أن هناك خيارات مطروحة من شأنها أن تسمح بحل سلمي دائم للقضايا الرئيسية التي استعرضها في إحاطته، مؤكداً أنه «يمكن التوصل إلى اتفاق إذا لبَّي القادة السياسيون الرئيسيون نداءات الشعب اليمني والمجتمع الدولي، واتخذوا القرار الصحيح، وهو إنهاء النزاع وفتح باب السلام»، مشدداً على أن الاتفاق لا يزال ممكناً، معبراً عن امتنانه لعُمان والمملكة لعربية السعودية والولايات المتحدة لدعم جهوده.
السؤال الآن: هل خريطة الطريق التي طرحها غريفيث ستفتح مجالاً للحل أمام المبعوث الجديد الذي سيتم التوافق عليه في مجلس الأمن، أم أن الأمر يتطلب جهوداً أخرى يقوم بها المبعوث الجديد؟ وهل يمكن أن يكون المبعوث الجديد شخصية أميركية، كما حدث في عام 1963 حيث كان المبعوث الأممي ومبعوث الرئيس كيندي أميركيين، أم أن هذا الاحتمال غير وارد (وإن كان غير مستبعد)، أم سيكون الخيار لشخصية عربية مقبولة من قبل جميع الأطراف؟ جميع هذه الاحتمالات واردة، والأسابيع المقبلة ستوضح أكثر أياً منها سيقع عليه الخيار.
مقالة الدكتور محمد علي السقاف
صحيفة الشرق الاوسط بتاريخ ١٨ مايو ٢٠٢١