fbpx
مُعلم وعلم

كتب/ جمال حيدره

الأستاذ محمد شائف حسين.. اسم ما أن يُذكر حتى تُقرع أجراس الطفولة من جديد، فتنتظم المشاعر في طوابير الذكريات، وتقف صفا واحدا تحية وإجلالا واحتراما لأبٍ ومعلمٍ ومرشد.. أتذكر تلك الصباحات الدراسية الجميلة حيث كنا نصطف في طابور الصباح بملابس بيضاء تنحاز لها الغيوم الملتفة بتموجات تشرين الباردة حول مدرستنا الشامخة على تلة صغيرة..

ينبثق من وسط الغيوم كقوس قزح بهندامه الريفي الأنيق، يسبقه إلى قلوبنا عطره المميز، فنترتّب بشكل أكثر انتظاما.. يلقي علينا التحية.. نرد التحية بتحية، وبعدها يقف أمامنا بمهابة قديس لكي يلقي علينا نصائح المعلم وإرشادات الأب..يفتتح كلمته كالعادة بصوت حازم نصوح ويقول بإن الطالب كالجندي سلاحه القلم وذخيرته المعلومات، ولكي يصمد الطالب في معركة العلم لابد أن تكون لديه ذخيرة وافرة من المعلومات.. هذه الكلمات المفتاحية لعقولنا لازمتني طوال ١٨ عاما دراسيا من الإبتدائية وحتى الماجستير وستظل باقي العمر.

ننصرف إلى فصولنا ممتلئين بالحماس الذي بثه فينا، لم يكن له مكتب كمدير للمدرسة بل يأخذ موقعه كمدرس أمام لوح الدرس، وبطريقته المحببة والشيقة، يرسم لنا خارطة وطننا العربي الكبير، ويدلف بنا من باب المندب إلى تاريخه وحضاراته وأمجاده، ومن واقع خبرته الطويلة بسيكولوجية طفل يبحث عن قدوة، صنع لنا من أبطال ذلك الزمن مُثلا عليا، وفي الحقيقة أنه كان لنا أعلى مثل وقدوة.

كنتُ أحب مادته وأحب مباغتاته للمعلمين الآخرين أثناء الدرس، حيث كان يأخذ مقعدا بيننا ويتابع أدائهم، ولربما كان يرعبهم أكثر ما كانوا يرعبوننا .. كما لو أنه يقول لنا لا تخافوا فأنا هنا ودائما خلفكم ولأيامكم سند.

كان استثناء لن يتكرر فهو من زرع فينا قيم الخير والصدق والنبل والوفاء والإخلاص،
تعلمنا منه حب العلم والمعرفة والشغف الذي يضيف للمهنة بصمة التميّز والإبداع، و نهلنا من نبع طيبه كل أصيل.

عشرات الأجيال مرّت على يديه من أجيال سبقتنا و أجيال لحقتنا جميعها تحمل له مشاعر الوفاء والحب والجميل كتربوي قدير كرس أكثر من أربعين عاما من عمره للتعليم.

اليوم بقدر ما تتقافز الذكريات الجميلة إلى وجداني وأنا عاجز عن ترجمتها بما يليق به أشعر بالأسف لسنوات مضت غرقنا فيها بمشاغل الحياة بين الدراسة والعمل والعائلة والسفر والوضع العام للبلاد ، دون أن أقتنص منها لحظات للتواصل والاطمئنان عليه وسماع أخباره، لكني أتمنى أن يكون بخير وعافية وبأن أكون قد فلحت في إيصال إعتذاري هذا إليه، وأكدت له أنني لم ولن أنساه فهو القاطن في حنايا القلب والذاكرة ومهما بلغ بنا العلم من مقام سيبقى الفضل له حاضرا دوما فيما وصلنا إليه ونتطلع له.

في الختام أرسل أعذب تحية وأصدق سلام لمدير مدرستنا الأستاذ محمد شائف حسين مُعلم الأجيال وعلم من الأعلام التربوية في محافظة الضالع، مع الأمنية بأن يجد التكريم اللائق بسجله الحافل بالعطاء والإبهار، ولكل معلمينا في مدرسة الشهيد علي محمد عبد الله وافر الحب والتقدير.