fbpx
اليمن.. من يتحمل مسؤولية الانفلات الامني؟ بقلم / دولة الحصباني
شارك الخبر
اليمن.. من يتحمل مسؤولية الانفلات الامني؟  بقلم / دولة الحصباني

لا جديد في مُجمل الجرائم والأحداث التي هزت وتهز الكيان اليمني سوى أن الموت – في هذا الوطن – أصبح حدثاً روتينيا منزوع الرهبة، باهت الحزن، فاتر الألم، نُشّيع إليه خفقات القلوب الدامية شأنه كشأن مشاعر الدونية، والعدمية التي تقمصت ملامح اليمني – على الرغم منه – لعقود طويلة، وباتت جزءاً من ثقافة عامة تؤطر وجوده في عالم تجاوزه منذ قرون في الحقوق والحريات والبناء والتنمية والتقدم. 
بعض من هذه الجرائم التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، محاولة استهداف وزير الدفاع محمد ناصر أحمد أمام مقر الحكومة، ثم اقتحام السفارة الأمريكية بصنعاء – بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع مثل هكذا تصرف – و…إلخ جميعها أحداث تنصدم بالكلام المستهلك إياه، الذي يطل برأسه على شعب أرهقته الفجائع، وأبلدته المُلمات، وطحنته الصدمات. 
ما تزال فكرة الاعتذار، أو الاعتراف بالتقصير وحتى تقديم الاستقالة، بمثابة امر كمالي، عبثي، ثقيل لا تستوعبه الذهنيات القادمة من مكب الماضي وإن ارتدت ثوب التغيير، كونه – الاعتذار- قد يضعها أمام مُسألة أخلاقية وقانونية تُعري كفاءتها، وتقوض نقاط الهنجمة، والفشر المطلوبة لديها كلازمة من لوازم الظهور القائم على قاعدة أن المسؤول ‘لا يعتذر’ وإن تعلق الأمر بحياة الناس، وبسفك المزيد من الدماء التي تبدو أقل أهمية في مقابل البقاء الديكوري التمثيلي في موقع المسئولية .
الانفلات الأمني، وتردي الأوضاع التي يعيشها الوطن في الوقت الراهن، لا تتحمل مسؤوليته العصابة التي تسعى إلى قتل الأمل في نفوس اليمنيين، لتقول لهم بأن الثورة أكبر حماقة قاموا بها ضدها، وأن ليس بالإمكان أكثر مما كان، ولا تتحملها الجماعات الضالة والخلايا المتطرفة فحسب بل يتشارك معهم المسؤولية كل مسؤول وكل معني لا يعي ماهية واجباته ومسؤولياته ولا يعرف متى وكيف يرد، وبأي أسلوب وما هو مستوى الصرامة المفترضة للرد، فأيما شخص أرتضى أن يكون مسؤولاً في المنعطف الأكثر استثنائية في تاريخ الوطن كان لزاماً عليه أن يكون عند مستوى المسؤولية، وأن يكون جاهزاً لمواجهة كل الاحتمالات ومختلف التحديات أياً كان مصدرها ومهما تعددت أساليبها وتنوعت وسائلها قبل وقوعها، وإلا لملم حقائبه وغادر كرسي المسؤولية لآخر قد يكون أجدر بالمسؤولية، أما أن يقذف بلوى فشله على الإمكانيات والظروف وتعــقيدات المرحلة فهذا بحد ذاته فشلٌ على فشل. 
أن تطال التفجيرات والاقتحامات الأماكن والمواقع التي يفترض أنها أنموذج في التحصين والاحترازات والتدابير الأمنية المشددة فهذه هي الكارثة التي تحاول التسويات والتوافقات تخطيها والقفز عليها، وعليه فالأسوأ متوقع على اعتبار أن جميع شروطه ومعطياته متوفرة إلا من معجزة ما. 
المسؤولون الذين فشلوا في عُقر ديارهم كيف يُعول عليهم حماية شعب وصون وطن؟! والغالبية العظمى منهم ما تزال تشتغل سياسات الغرف المظلمة، وتمارس فن المراوغة والتراشقات الإعلامية السمجة، مستندة عند كل اخفاقة إلى ظهر التسوية المسخ التي أتت بهم تارةً، وتارةً أخرى إلى عُهدة الأحزاب الغارقة في مستنقعات المـصـــالح الضيقة، ومنزلقات المكايدات والمهاترات التي تفتقر لأبسط مقومات الوطنية والمواطنة .
هذا النقد، العتاب، اللوم، أياً كانت التسمية ليس المقصود منه استهداف أشخاص بعينهم، أو جهات محددة، الأمر يتصل بالأداء، بمستوى الإنجاز، وإن كانت ضراوة هذا النقد تزداد كلما تعلقت بأشخاص أو جهات قادمة باسم الثورة، الثورة التي لا تقبل أن تكون مطية لإعادة إنتاج الفشل الذي ثارت عليه، ولن تسمح بتمرير الفساد تحت دعوى ‘المرحلة تقتضي ذلك’، أما نقد أولئك الذين لا يؤمنون بالثورة أصلاً فهذا موضوع آخر.
ما هو كائنٌ الآن – في غمرة الحراك الثوري وفي قمة الحماس الشعبي – هو بالضرورة جزء مما سيكون مستقبلاً إن لم يكن هو المستقبل، كان يجدر بمن أخذ على عاتقه تحمل المسؤولية، وتصّدر المشهد أن يلتقط الفرصة، وأن لا يخسر هذا الحماس، وهذا التأييد والتوق في المشاركة إذا كانت الغاية حقاً التسريع في عملية الانتقال إلى الوطن الذي نريد، بدلاً من اهدار الوقت في المعالجات الآنية، وتبديد الجهود في الاسترضاءات الساعية لتلافي السخط العام دون الالتفات للتخطيط الجاد، والتهيئة الحقيقية لمشروع الدولة المنشودة. 
بالطبع الأخطاء واردة، والنجاح الكامل، الشامل، نوع من الخيال المفرط الذي يتناقض مع الطبيعة البشرية، لكن تكرار الأخطاء على ذات الوتيرة وبنفس الآلية يعني الفشل بل الفشل الذريع، وهنا لا قيمة لمحاولة الترقيع وجبر الكسر طالما ظل الخلل الأساس قائماً. 
وبالتالي فإنه من غير اللائق إطلاقاً- الحديث عن التغيير كحلم دفع لأجله اليمنيون خيرة شبابهم، وقدموا من أجل تحقيقه الغالي والنفيس وكل الطاقات والقوى في ظل هذا التراخي واللا مسؤولية التي تكاد أن تحول التغيير إلى تغير ورقي، صوري، صوتي على غرار الديمقراطية ‘الوهم’ والتنمية ‘الخرافة’ التي تشدق بها النظام السابق على مدى ثلاثة عقود ونيف .

أخبار ذات صله