مقالات للكاتب
موضوعان عالقان في الأزمة اليمنية من دون التوصل إلى حل شامل لها، وهما موضوع أزمة السفينة «صافر»، والأمر الآخر يتعلق بمباحثات جنيف حول تبادل الأسرى بين طرفي النزاع في الأزمة اليمنية، والذي يبدو أنه انفرج.
منذ نشر مقالنا الأخير هنا في هذه الصحيفة حول أزمة السفينة صافر الراسية في مدينة الحديدة بتاريخ 16 سبتمبر (أيلول) الحالي ازدادت مجدداً الأصوات المنادية لحل أزمة هذه الناقلة، والمخاوف أن يؤدي تسرب النفط منها إلى أزمة بيئية خطيرة ليس على شواطئ اليمن فحسب، بل أيضا على مستوى الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.
للتذكير السفينة «صافر» راسية قبالة ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة اليمنية على ساحل البحر الأحمر، وهي بمثابة خزان للنفط خزن على الناقلة المتهالكة المسماة صافر أكثر من مليون برميل من النفط الخام، التي لم تخضع للصيانة منذ 5 سنوات بسبب رفض الحوثيين ذلك، ويخشى أن يؤدي تسرب النفط منها إلى كارثة بيئية واسعة سينتج عنها نفوق كل الأسماك في المنطقة ويؤثر بطريقة مباشرة في 1.6 مليون من سكان البلاد ومورد عيشهم ومن 50 إلى 70 في المائة من الأراضي الزراعية اليمنية سوف تغطى بالسحابة السوداء، وستستمر آثار تسرب النفط على البيئة لمدة 30 عاماً، وفق إحدى الدراسات الأمر الذي استدعى إلى طلب الأمم المتحدة من الحوثيين السماح لخبرائها بتفقد الناقلة لبحث الطريقة المناسبة للتعامل مع النفط المخزن عليها وكيفية تفادي هذا التهديد.
ولمواجهة مخاطر ما قد يحدث من تسرب النفط من صافر توالت نداءات عدة من هيئات ومنظمات عربية بالمطالبة بجهد عاجل لتفادي كارثة صافر، حيث طالب مجلس وزراء البيئة العرب يوم الثلاثاء الماضي بإجراءات عاجلة لتفادي الكارثة، وأقر الاجتماع الطارئ الافتراضي الذي دعت إليه المملكة العربية السعودية أن تقوم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالمتابعة مع الهيئات الإقليمية والدولية، وشدد الاجتماع على المجتمع الدولي وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن للضغط على ميليشيا الحوثي المتمردة، التي تقع السفينة تحت سيطرتها للسماح للجهات ذات العلاقة في الأمم المتحدة بتقييم حالة السفينة، ومن ثم صيانتها وتفريغها وقدم رئيس سلطة جودة البيئة رئيس الدورة ورقة التكلفة التقديرية بنحو 8 إلى 10 ملايين دولار، مشيرا إلى أن تكلفة أي تدهور بيئي نتيجة أي تسرب نفطي في المنطقة ستكون أضعاف هذه التقديرات وخارج حدود وإمكانيات الحكومة اليمنية والتي قد تصل إلى مليارات الدولارات.
ومن جانب آخر حمل الدكتور مشعل بن فهم السلمي، رئيس البرلمان العربي في بيان صدر عنه يوم الجمعة الماضي «ميليشيا الحوثي الانقلابية» المسؤولية الكاملة عن منع الفريق الأممي، من إجراء عمليات الصيانة للخزان، مع توفر الموارد المالية اللازمة لصيانته وبعث حول هذا الموضوع برسائل مكتوبة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس البرلمان الأوروبي ورؤساء البرلمانات، ووزراء الخارجية في الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي طالبهم فيها بـ«اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لإلزام (ميليشيا الحوثي الانقلابية) بالسماح فوراً بوصول الفريق الفني الأممي لإجراء عملية التقييم والصيانة للخزان قبل وقوع الكارثة، وقد ازدادت هذه الضغوط المكثفة بعد مشاهدة خلال الأيام القليلة الماضية بقعة نفطية على مسافة خمسين كيلومتراً إلى الغرب من الخزان، الأمر الذي ينذر بكارثة بيئية واقتصادية وإنسانية تتخطى آثارها الجمهورية اليمنية، ويشكل تهديداً للأمن والسلامة البيئية في الدول المطلة على البحر الأحمر».
وهذا يفسر قيام المملكة العربية السعودية عبر مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة بتوجيه رسالة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي، أشار فيها «إلى أن مراقبين خبراء» لاحظوا أن أنبوباً متصلاً بالناقلة ربما انفصل عن الدعامات التي تثبته في القاع ويطفو الآن فوق سطح البحر، مضيفاً أن الناقلة صافر وصلت إلى حالة حرجة، مما يشكل تهديداً خطيراً لكل الدول المطلة على البحر الأحمر خاصة اليمن والمملكة.
من جانبه حذر اليمن أيضا في وقت سابق من تداعيات تسرب النفط، وطالب الأمم المتحدة بالتدخل لدفع الحوثيين إلى السماح بصيانة الخزان النفطي، لكن المتمردين أصروا على منع كل الجهود المبذولة لإنقاذ الوضع البيئي في المنطقة.
من الواضح هنا عناد الحوثيين في هذه القضية هو رغبتهم في استخدام ناقلة النفط صافر (كأداة ضغط) إن لم نقل كسلاح حرب في مواجهة الشرعية اليمنية والمملكة العربية السعودية تحديداً، قائدة التحالف العربي الداعم للشرعية.
وقد حدثت نقاشات مستفيضة وعقدت ندوات عديدة في لندن، خاصة بعد ما حدث من حرائق هائلة أحدثها الجيش العراقي عند غزوه للكويت حول أهمية «حماية البيئة في فترة الصراعات المسلحة»، لأن القانون الدولي لم ينظم ويضع أطرا لمثل هذه الحالات بشكل مباشر ودقيق.
وفي سبيل ذلك عقدت عدة ورش عمل للتدارس حول هذه القضية الحيوية والمهمة وطرح البعض فكرة إعداد اتفاقية جنيف خامسة، تضاف إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وهي مجموعة قوانين دولية تتعلق بالنزاعات المسلحة الهادفة إلى توفير الحماية الممكنة، والضمانات الدولية للمدنيين وطريقة معاملة المدنيين وأسرى الحرب والجنود… الخ.
واقترح بموازاة ذلك تأسيس «الصليب الأخضر» (الذي يقابله الهلال الأخضر) ليقوم بمهام حماية البيئة في فترة النزاعات المسلحة، مثلما يتولى مهامه الصليب الأحمر في فترة النزاعات المسلحة.
وبخصوص ملف تبادل الأسرى بين أطراف النزاع حدثت انفراجة جزئية وفق البيان الصحافي المشترك لمكتب المبعوث الأممي مارتن غريفيث، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والصادر في يوم الأحد الماضي 27 سبتمبر 2020.
الذي أعلن فيه اتفاق ممثلين عن الحكومة اليمنية وحركة أنصار الله على الإفراج الفوري عن مجموعة أولى قوامها 1081 معتقلاً وسجيناً طبقاً لقوائم الأسماء المتفق عليها.
وجدَّد الطرفان التزامهما بموجب اتفاقهما في استوكهولم عام 2018، بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسراً… كما اتفقا وفق موقع مكتب غريفيث على عقد اجتماع جديد للجنة الإشرافية، بهدف تنفيذ ما تبقى من مخرجات اجتماع عمان الذي عقد في فبراير (شباط) الماضي مع الالتزام… بالالتزام بالإفراج عن كافة الأسرى والمعتقلين بمن فيهم الأربعة المشمولون بقرارات مجلس الأمن الدولي.
وبالطبع عبر غريفيث عن سعادته بما تم الاتفاق عليه في جنيف، وصرح فابريزيو كاربوني المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط والأدنى ما لم يدل به غريفيث بالقول إن «هذه هي بداية العملية فقط… وعلينا الآن الانتقال من مرحلة التوقيع على الورق إلى حقيقة على أرض الواقع»!!
وهنا المحك الحقيقي للطرفين في الانتقال من التوقيع على الورق إلى مرحلة التنفيذ على أرض الواقع، لأن اتفاق استوكهولم وقع عليه الطرفان في 2018، واستغرقت مرحلة التنفيذ لهذه الجزئية قرابة عامين ونحو خمسة أعوام منذ مطالبة قرار مجلس الأمن الدولي برقم 2216 لسنة 2015 الإفراج بأمان عن جميع السجناء السياسيين وجميع الأشخاص الموضوعين رهن الإقامة الجبرية أو المحتجزين تعسفياً.
الجدير بالإشارة إليه هنا أنه بينما تجري مفاوضات الأسرى في جنيف، تناولت وسائل إعلام الميديا ونشرته هذه الصحيفة في 23 سبتمبر الحالي أن جماعة الحوثيين أفرجت عن نجل نائبي الرئيس اليمني الفريق علي محسن الأحمر وأخيه، مقابل إفراج الشرعية عن قيادي في الجماعة كان محتجزاً في مأرب مع أحد مرافقيه أكثر من عامين، وأشارت الصحيفة إلى أن المصادر الرسمية للحكومة الشرعية تعلق على الفور على طبيعة الصفقة التي تمت بجهود وسطاء قبليين بعيداً عن المشاورات الجارية حينذاك في سويسرا من المؤمل في نهاية الأمر أن تسفر أزمة «صافر» إلى التوصل إلى اتفاقية جنيف خامسة، وأن يتم الإفراج عن بقية الأسرى، تنفيذاً لاتفاق استوكهولم، أم أن موضوع الأسرى سيكون أسيراً وفق رغبة الحوثيين من دون مراعاة لالتزاماتهم القانونية والسياسية؟
*مقال الدكتور محمد علي السقاف
صحيفة الشرق الاوسط