يافع نيوز – العرب
خلّف احتفال جماعة الحوثي بـ”يوم الولاية” أو ما يعرف في أدبيات المسلمين الشيعة بـ”يوم الغدير”، هذا العام، وقعا خاصّا في أنفس سكان المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، كون الذكرى التي يُحتفل بها في الثامن عشر من كل عام هجري جاءت هذا العام في خضمّ أوضاع يمنية بالغة السوء زادها انتشار وباء كورونا تعقيدا، وأضفت عليها السيول التي ضربت مدينة صنعاء ومناطق يمنية أخرى طابعا مأساويا.
ولا يعترض اليمنيون بمختلف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية على ممارسة أي طائفة لشعائرها أو احتفالها بمناسباتها، حيث احتفظ المجتمع اليمني دائما بقدر من التسامح أتاح لمكوناته التعايش على مدى حقب طويلة، لكنّ ما أصبح مثار قلق شرائح واسعة من اليمنيين خلال السنوات الأخيرة، هو محاولة جماعة الحوثي استغلال السلطة التي استولت عليها بقوّة السلاح لفرض شعائرها ومعتقداتها على المجتمع الذي لا يقاسمها جزءٌ كبير منه انتماءَها الطائفي والمذهبي.
وتجدّدت حالة القلق تلك مؤخّرا عندما وسّع الحوثيون من نطاق احتفالاتهم بيوم الولاية الذي يقول الشيعة إنّه يخلّد ذكرى اليوم الذي أعلن فيه النبي محمّد عَليًا بن أبي طالب مولى للمسلمين، وذلك استنادا إلى تفسيرهم لنص حديث الرسول في المكان المعروف بـ”غدير خم” أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى يثرب في السنة العاشرة للهجرة.
لا تخلو احتفالات الحوثيين بالمناسبات الدينية مثل يوم الولاية وعاشوراء والمولد النبوي، وكذلك السياسية مثل يوم الشهيد، من أعباء مالية لا يتردّدون في تحميلها لسكان المناطق التي يسيطرون عليها على الرغم من المصاعب الحياتية التي يواجهها هؤلاء السكان والتي تصل في أحيان كثيرة حدّ العجز عن توفير ضرورات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وغيرها.
وتكلّف احتفالات الحوثيين بمناسباتهم المتعدّدة كلّ عام مصاريف باهظة، ومع شحّ الموارد وتزايد أعباء الحرب التي يخوضونها منذ سنوات، اتّجهوا أكثر فأكثر نحو السكاّن وخصوصا منهم التجار وأصحاب الأعمال والمشاريع لتغطية مصاريف احتفالاتهم، وشكا تجّار في صنعاء من حملات تواصلت لأسابيع لجمع الأموال اللاّزمة لاحتفالات هذا العام بيوم الولاية.
كما يُلزم الحوثيون السلطات المحلّية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بإقامة الفعاليات احتفالا بالمناسبات الدينية وحتى السياسية الخاصّة بهم على مدى أيام متواصلة قبل تلك المناسبات وبعدها.
وكانت الأمطار والسيول التي ضربت اليمن في الأسابيع الأخيرة قد تسبّبت بوفاة ما لا يقل عن 174 شخصا على الأقل في أنحاء البلاد بينهم أطفال ونساء وإصابة المئات.
كما أدت السيول أيضا إلى تدمير العديد من المباني والمنشآت وألحقت أضرارا بالغة بمواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي لليونسكو، وخاصة في صنعاء القديمة وشبام وزبيد.
لا يمثّل يوم الولاية بالنسبة للحوثيين مجرّد مناسبة دينية، بل ينطوي الاحتفال به وفرضه على السكان على هدف سياسي يتمثّل في فرض سلطة زعيم الجماعة التي تعتبر الحكم حقّا مشروعا لها وصل إليها بالوراثة من نسل علي بن أبي طالب.
واستنادا إلى هذا المنظور انتقلت الجماعة من مجرّد بسط سيطرتها على الأرض في عدد من مناطق البلاد، إلى فرض تعاليمها على السكان في ما بدا أنّه عملية تهيئة لإرساء دولة متشدّدة دينيا ومتعصبّة طائفيا مستوحاة من نموذج “الجمهورية الإسلامية” في إيران الداعمة للجماعة بالمال والسلاح.
وفي مظهر على التشدّد ظل عناصر الميليشيا خلال السنوات الماضية التي أعقبت سيطرتهم على عدد من مناطق اليمن على رأسها العاصمة صنعاء يشنّون الحملات الأمنية ويداهمون المقاهي التي تستقبل النساء في العاصمة صنعاء ويأمرون بإغلاقها دون سابق إنذار وذلك في إطار حملة لفرض قواعد اجتماعية صارمة مستوحاة من قراءة متشدّدة للشريعة الإسلامية.
وقام الحوثيون أيضا على مدى سنوات حكمهم في صنعاء بإغلاق مطاعم يختلط فيها الرجال والنساء وأوقفوا الشبان في الطرقات للتدقيق بقصّات شعرهم وداهمت دورياتهم المدارس والجامعات للتأكّد من التزام الطلاب بملابس “محتشمة”.
كما تلقّت بعض المؤسسات في أوقات سابقة مكاتيب رسمية من الحكومة الموازية التي يديرها الحوثيون في مناطق سيطرتهم تتضمن أوامر بـ”استبعاد جميع الأنشطة التي تهدف إلى إثارة الضحك والمرح والترفيه وإذابة الفواصل وتلاشي موانع الحياء بين النساء والرجال”، معتبرة أنّ تلك الأنشطة “تتنافى تماما مع تعاليم الدين الإسلامي وأخلاقيات المجتمع اليمني”.
وتدور الحرب في اليمن منذ 2014 بين المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، والقوات الموالية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المدعومة من تحالف عسكري تقوده السعودية.
وتقول ندوى الدوسري الخبيرة والباحثة في شؤون القبائل اليمنية إنّ الوضع في مناطق سيطرة المتمردين “يزداد تشدداّ”، متحدّثة عن مضايقات ضد النساء.
ورأت أنّ هذه الحوادث “مثيرة للصدمة في المجتمع اليمني، حيث أن انتقاد ملابس الأشخاص وتصرفاتهم شيء، والقيام بمضايقتهم على خلفية ذلك شيء آخر”، معتبرة أنّ “هذا يتنافى مع قيمنا القبلية”.
ولطالما تمتّع اليمنيون بمساحة من الحرية على الرغم من كون مجتمعهم محافظا، حيث كانت تقام مناسبات موسيقية مختلطة وفعاليات ترفيهية.
وبحسب الباحث اليمني عادل الأحمدي، فإنّ جماعة الحوثي “حركة قائمة على منظومة من المفاهيم والعقائد الدينية.. انتقلت من مربع المظلوم إلى موقع المسيطر على مقاليد الحكم”.
ويتّبع الحوثيون المذهب الزيدي الشيعي القريب فقهيا من السنّة. ويطلق عليهم هذا الاسم تيمّنا بزعيمهم الروحي الراحل بدرالدين الحوثي ونجله حسين الحوثي الذي قتلته القوات اليمنية في 2004 خلال معارك بين الجانبين.
لكن اسمهم الرسمي حاليا هو “أنصارالله” والذي يتضمن إحالة واضحة على “القدسية” على غرار الاسم الذي اختارته إيران قبل عقود من الزمن لأقوى ميليشيا تابعة لها في المنطقة “حزب الله” اللبناني وله أيضا معادله الذي يحمل نفس الاسم في العراق. وكان الكيان السياسي الأول الذي أسّسه الحوثيون هو “حركة الشباب المؤمن” في 1992 وكان قد انطلق كتجمع سياسي يندّد بتهميش الزيديين.
يستخدم الحوثيون قوّة السلاح لفرض عقائدهم في مناطق لا ينتمي سكانها لحركتهم ولا يتبنون مذهبها، كما يستخدمون في ذلك المؤسسات التي استولوا عليها، وعلى رأسها مؤسسة القضاء التي أصدرت منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء قبل نحو ستّ سنوات عددا كبيرا من أحكام الإعدام أو السجن لمدد طويلة بتهم تتصل مباشرة بالعقائد على غرار تلك الأحكام التي أصدروها ضدّ عدد من أفراد ورموز الطائفة البهائية.
وتتواتر منذ سنوات التقارير الحقوقية، عن أوضاع العدالة في مناطق سيطرة الحوثيين، متضمنة معلومات كثيرة عن محاكمات سريعة دون أي ضمانات تستهدف بشكل خاص المعارضين للجماعة، وحتى المشكوك في ولائهم لها.
وتتحدّث ذات التقارير عن أحكام بالغة القسوة تتراوح بين الإعدام والسجن مددا طويلة. كما تُظهر أوضاعا مزرية داخل السجون التي يديرها الحوثيون حيث تنعدم أدنى الحقوق وتُنتهك الحرمة الجسدية والنفسية للسجناء.
وترى الدوسري أنّ اليمن أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية بدأ يميل اجتماعيا نحو اعتماد النظام الإيراني المنغلق. وقالت “الحوثيون يؤسسون دولة بوليسية على غرار إيران”.