لماذا لا ينتهي الإرهاب في سيناء؟
شارك الخبر

يافع نيوز ـ متابعات

تصاعدت وتيرة الأعمال الإرهابية في شبه جزيرة سيناء خلال شهر مايو المنقضي، في وقت يستمر فيه الجيش المصري بتنفيذ عمليته العسكرية الواسعة التي أطلقها قبل عامين باسم “العملية الشاملة سيناء 2018”.

لقد نجحت “العملية الشاملة سيناء 2018” في تقليص معدلات الهجمات الإرهابية، لكنها لم تقتلع جذور التنظيمات الإرهابية، ما دفع بالكثيرين للتساؤل حول أسباب عدم توقف خطر الإرهاب في سيناء، بالرغم من الجهود العسكرية والضربات الأمنية المكثفة.

الإرهاب مجددا

أعلن الجيش المصري عن حصيلة جديدة مساء السبت، تفيد بالقضاء على 19 إرهابيا في عمليات عسكرية جرت في شمال سيناء، بينها قصف جوي، إلى جانب مقتل وإصابة 5 عناصر من الجيش وإصابة ضابطين وضابط صف وجنديين من قواته أثناء تنفيذ العمليات.

وأشار المتحدث العسكري المصري، العقيد تامر الرفاعي، إلى أنه “بناء على معلومات استخباراتية تفيد بوجود عناصر تكفيرية بعدة أوكار في محيط مدن بئر العبد والشيخ زويد ورفح في شمال سيناء، جرى تنفيذ عمليتين نوعيتين، أسفرت الأولى عن مقتل 3 أفراد تكفيريين شديدي الخطورة، عثر بحوزتهم على أسلحة آلية وذخائر، وقنابل يدوية وآر.بي.جي، كما نفذت القوات الجوية عددا من الضربات لتمركزات نتج عنها مقتل 16 إرهابيا.

وانخفضت وتيرة العمليات الإرهابية في سيناء خلال النصف الأخير من العام الماضي، غير أنها شهدت تصاعدا في المنحنى من بداية العام الجاري ووصلت إلى ذروتها في مايو المنقضي، مصحوبة بحملة ترويج إعلامية لتنظيم “ولاية سيناء” الذي وثق بعض العمليات التي نفذها.

وأعلن تنظيم داعش قبل نحو شهر، مسؤوليته عن عِدة هجمات استهدفت مواقع محددة، وتركزت في منطقة قصرويت وتفاحة، وأماكن مختلفة جنوبي مدينة بئر العبد وسط سيناء، ونشرت جريدة “النبأ” التابعة للتنظيم تلك العمليات تحت عنوان “بئر العبد تبتلع الآليات”.

وبين الحين والآخر يجري الإعلان عن تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الجيش المصري أغلبها يتم عبر تفجير مدرعات عسكرية بعبوات ناسفة أو من خلال الارتكان على قناصة تصيب الجنود من أهداف بعيدة، ويأتي الرد سريعا بتنفيذ عمليات نوعية تستهدف العناصر الإرهابية.

مواجهة غير مكشوفة

الأجهزة الأمنية الرسمية لديها تقدير مسبق بأن العناصر الإرهابية لم تفقد جميع قوتها في سيناء
الأجهزة الأمنية الرسمية لديها تقدير مسبق بأن العناصر الإرهابية لم تفقد جميع قوتها في سيناء

بالرغم من الضعف الواضح الذي ظهر في استهداف عناصر الجيش المصري عن بعد وعدم القدرة على المواجهة المباشرة، غير أن الخطر لم ينته في ظل توجيه العناصر الإرهابية بنادقها لمدنيين متعاونين مع قوات الجيش، ما يعني أن هناك محاولات مستمرة لعدم مبارحة سيناء خندق المنطقة غير المستقرة، والإيحاء بقدرة العناصر التكفيرية على إصابة أهدافها.

تركزت غالبية العمليات الإرهابية الأخيرة في منطقة بئر العبد ومحيطها (وهي المدينة الواقعة غرب العريش بنحو 80 كيلومترا بالقرب من وسط سيناء)، وشهدت تكثيفا للعمليات الإرهابية منذ منتصف العام الماضي، ودخلت في إطار المواجهة بين القوات الأمنية وتنظيم داعش، بعد أن كانت خلال السنوات الأخيرة بعيدة عن مثلث العمليات في رفح والشيخ زويد والعريش.

تعتبر منطقة بئر العبد والقرى المحيطة بها هدفا لعناصر تنظيم داعش، بعد أن اتخذت الأجهزة الأمنية إجراءات حازمة، تمثلت في إنشاء جدار العريش الجنوبي، وتأمين منطقة حرم المطار جيدا، وتدشين ارتكازات كبيرة وقوية بشكل عرضي جنوبي المدينة، وتمكنها من إنهاء خطر استخدام الأنفاق مع قطاع غزة لتهريب الأسلحة والعناصر الإرهابية.

وقال مؤسس فرقة الصاعقة المصرية (999)، اللواء نبيل أبوالنجا، إن القوات المسلحة استطاعت أن تقوض حركة التنظيمات الإرهابية بشكل كبير، وأرغمتها على المواجهة غير المباشرة من خلال استهداف المدنيين أو الاعتماد على العبوات الناسفة، لكن ما زالت بحاجة إلى تطوير أساليب التعامل مع هذه العمليات، ومد القوات المتواجدة بسيناء بكاشفات المتفجرات المتطورة التي تمتلكها دول عظمى شريكة لمصر في حربها ضد الإرهاب.

وأضاف لـ”العرب”، أن المشكلة الثانية ترتبط بتحسب القوات الجوية تسيير الطائرات الهيلكوبتر فوق سيناء وأن إسقاط إحدى الطائرات قبل عامين غيّر من استراتيجية المواجهة الجوية، والأمر قد تكون له علاقة بقلة المعلومات المتوافرة عن تواجد الإرهابيين، والفترة المقبلة لابد أن تشهد تكثيفا جويا لرصد عمليات زرع الألغام، ويجب أن يكون الاعتماد على الطائرات المسيرة التي توفر خارطة معلومات مهمة عن تحرك الإرهابيين.

وأشار إلى أن قسم شؤون القبائل لدى المخابرات الحربية المصرية، سيكون أمام مهمات مكثفة في ظل قضاء الجيش على العناصر التي كانت تختبئ في خرائط المعلومات القديمة، وأن العناصر الحالية تتخذ من أماكن مختلفة مأوى وبحاجة إلى جهود استخباراتية عبر زرع المزيد من العناصر وسط المجماميع المدنية التي تتعاون مع التنظيمات الإرهابية.

ويواجه الجيش المصري في سيناء مشكلة دقيقة تكمن في أنه ينجح في القضاء على العناصر الإرهابية من دون أن تتوفر البيئة الصالحة لعدم تكاثر أعداد جديدة من هؤلاء، بما يعني أنه يجري القضاء على المنفذين، بينما المستنقع يتجدد، ومحاولات التنمية التي بدأت تحاول اللحاق بالإنجازات العسكرية التي تتحقق على أرض الواقع، من دون أثر واضح حتى الآن.

وبرأي أبوالنجا، الذي يترأس جمعية مؤسسة مصر للتنمية والإبداع بالعريش، من المستحيل الاعتماد بشكل كلي على أهالي سيناء بشأن المساهمة في الجهود المعلوماتية من غير تحسين الظروف التي يعيشون فيها، والبعض منهم يتعرضون لعمليات غسيل أدمغة تؤثر على توجهاتهم، فيما يستمر تهديد الإرهابيين حال معرفتهم بتعاونهم مع قوات الجيش.

ويتفق العديد من الخبراء العسكريين على أن مواجهة الإرهاب في سيناء بحاجة إلى تغيير عسكري تكتيكي من خلال استهداف العناصر الإرهابية بنفس طريقة هجومها على القوات الأمنية، وعدم انتظارها في الكمائن الثابتة، مع استغلال التطورات التكنولوجية.

يجمع هؤلاء على أن العناصر الأمنية تمتلك من القدرات البشرية والعسكرية ما يمكنها من تمشيط سيناء بشكل كامل، غير أنها تكون أمام معضلة ظهور عناصر جديدة عبر الحدود المترامية شرقا وغربا، وتكمن المشكلة في استمرار توافد الدعم والمال والسلاح إلى عناصر لديها رغبة في الانتقام من قوات الجيش، أو تهريب المرتزقة بطرق عديدة وإعادة تجميعها مرة أخرى في بؤرة لم تكن موجودة فيها من قبل.

حالة كمون

لدى الأجهزة الأمنية الرسمية تقدير مسبق بأن العناصر الإرهابية لم تفقد جميع قوتها في سيناء، وفي حالة كمون بعد أن تلقت ضربات قوية العام الماضي، شلت قدرتها على الحركة، وتلجأ لهذه التكتيكات إلى حين تسمح الفرصة المناسبة للملمة قواها وتستطيع تدوير أهدافها.

أجهض الجيش المصري في الكثير من المرات ما يمكن تسميته بعمليات “استعادة التوازن”، وضبط المئات من الأطنان من الأسلحة والمتفجرات عبر الحدود الشرقية والغربية، وكذلك من خلال نفق الشهيد أحمد حمدي الرابط بين القاهرة وسيناء، وبالتالي فإن تصاعد وتيرة العمليات في الوقت الحالي يدور في سياق محاولة استعادة حضور التنظيمات الإرهابية على الأرض.

وأكد رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق بالجيش المصري اللواء نصر سالم، أن التصعيد الحالي تغلب عليه الأهداف السياسية، وأن الأوضاع في سيناء طالما تأثرت بهذه الأبعاد في محيط الإقليم المصري، فهناك قوى لا تسعى لتمرير مخطط التنمية في ظل الانتهاء من أنفاق الربط بين سيناء ومحيطها الداخلي، بعد أن بدأت القاهرة في عمليات التوطين التي قد تستغرق عدة سنوات للانتهاء منها.

وأوضح لـ”العرب”، أن التطورات العسكرية الحاصلة في ليبيا تؤثر مباشرة على ما يجري في سيناء، وأن هناك وعودا للعناصر الموجودة على الحدود الشرقية بأنها سوف تتلقى دعما ماليا ولوجستيا كبيرا في ظل تقدم الميليشيات المسلحة والعناصر الإرهابية التي ترعاها تركيا في ليبيا، وجرى رصد العديد من الاتصالات في أوقات سابقة بين العناصر الإرهابية التي تتواجد في سوريا وليبيا وبين عناصر داعش في سيناء، وقد تجددت في الوقت الحالي.

ويري البعض من الخبراء أن مخطط نقل الإرهابيين من الرقة في سوريا إلى سيناء، يجري الإعداد له حاليا من خلال نقل الميليشيات السورية إلى ليبيا، وقد تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن ذلك صراحة في العام 2017، وأن الأجهزة الأمنية المصرية رصدت تسلل عناصر إرهابية خلال الأشهر الماضية إلى سيناء.

لفت سالم إلى أن ضبط أجهزة متطورة وصواريخ وأموال طائلة في طريقها إلى سيناء يبرهن على أن هناك محاولات لإجهاض الجهود الأمنية التي بذلت على مدار السنوات الماضية، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد مواجهة أشد ضراوة مع العناصر التي تحاول التمركز على مناطق أمنية مختلفة، وسوف ينتج عن ذلك زيادة التأمين على الطرق والمنافذ المؤدية إلى سيناء.

لا يعتقد المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية اللواء جمال مظلوم، أن القاهرة ألقت بجميع أوراقها في مواجهة الإرهاب في سيناء، واستخدمت قدراتها العسكرية بشكل كبير من دون أن تتعامل مع الأطراف الممولة والداعمة لهذه العناصر، وأمامها الكثير من مساحات الحركة التي لم تفصح عنها بعد، وما زالت تعتمد على أساليب مرنة في ظل إدراكها أنها تسيطر على مجمل الأوضاع في سيناء.

وشدد في تصريحات لـ”العرب”، على أن العناصر الإرهابية تنقل رسائل مموليها بأنها ما زالت قادرة على التواجد وإرباك القوات في سيناء، واللعب على الوتر النفسي للمواطنين والقوات بعد أن تقلصت العمليات بشكل كبير خلال العام المنقضي، ومحاولة الإيحاء بالفشل، وأن هذه التحركات تحمل أهدافا سياسية تستهدف الضغط على الجيش لعدم توجيه جهوده غربا في ظل التمدد التركي الحالي في ليبيا.

في المقابل، فإن الخبير العسكري المصري، يشير إلى أن عملية سيناء الشاملة طهرت 90 في المئة من أراضي سيناء، بعد أن كانت تتحرك فيها العناصر الإرهابية بحرية، وما زالت مستمرة وقد تكون هناك تعديلات على خططها وفقا لتطورات الأوضاع على الأرض.

واعتبر أن أصعب ما يواجه العناصر الأمنية المصرية يرتبط بمنع تهديدات العناصر الإرهابية لأهالي سيناء، فكثرة هذه التهديدات وتصفية عدد من الأهالي المتعاونين مع قوات الجيش أثر على المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الاستخباراتية، وما يساعد على ذلك المناطق الصحراوية الشاسعة التي يتمكن خلالها تنظيم داعش من الوصول إلى أهدافه المدنية.

وبحسب مصادر أمنية، فإن العناصر الإرهابية قامت بهجمات عدة لاستهداف المدنيين خلال الفترة الماضية، آخرها في 17 مايو الماضي، حيث نفذ مسلحون هجوما استهدف مدنيين في منطقة ملف أبوعاصي جنوب الشيخ زويد، ما أدى إلى مصرع وإصابة 10 أشخاص.

وسوم