كورونا …. والبناء والهدم

علي ناصر اليافعي

في واقعنا العملي نجد ان اكثر الامور تعقيدا هي عملية البناء فهي عملية معقدة جدا وتحتاج الى فترات طوال من الجهد والعمل الشاق والامكانات ولكن على النقيض من ذلك, فعملية الهدم تعتبر سهلة جدا فما احتاج لقرون حتى يتم بناءه من المدن والقصور والحضارات فيمكن هدمها بلمح البصر وهذا ما نلاحظه بأم اعيننا في مجتمعاتنا العربية, فالهدم في كل مكان فهدم وتدمير للمباني والجسور وهدم للمجتمعات وهدم للقيم والأخلاق. .الخ.

وفي حالة الفيروس التاجي(كورونا) Coronavirus المستجد كوفيد 19 COVID فان من اعقد الامور واصعبها هي معالجة المرضى والتي يمكن ان نسميها عملية البناء في موضوعنا هذا وكما نعلم فانه لا يوجد علاج فعال يمكنه القضاء على الفيروس بالإضافة الى عدم وجود اللقاح حتى اللحظة, لذا فان طرق المعالجة تكون مبنية على اساس الحد من اعراض المرض ومنع دخول المريض في مضاعفات والتي شانها ان توثر على وظائف الاعضاء الاخرى وتهدد الحياة وهذا الامر بحد ذاته يستنزف كثير من الجهد والطاقة والوقت والكوادر البشرية بالإضافة الى شغل المريض لحيز في المستشفى واعتماده في احيانا كثير على معدات قد لا يتوفر الا القليل منها وخصوصا اجهزة التنفس الاصطناعي والتي كان يفترض في الوضع العادي ان تستغل لمعالجة اولئك المرضى الذين يعانون من امراض مزمنة وما اكثرهم في بلداننا العربية.

ناهيك عن تأثير ذلك المرض على اولئك الجنود المجهولون من أطباء وممرضين وغيرهم من الكوادر الصحية الذين هم على الخطوط الأمامية لمحاربة ذلك العدو الخفي, فهم يكرسون كل طاقاتهم وإمكاناتهم في معالجة مرضاهم ويعرضون حياتهم للخطر, بالإضافة الى الاعباء الثقيلة الناتجة عن ارتدائهم للملابس والأقنعة والمعدات الخاصة التي تعزلهم عن المريض وتقيهم من انتقال العدوى اليهم والتي قد تستمر لساعات طوال وقد تصل الى ايام في غالب الأحيان وما ستسببه من اعراض وعلامات قد تغير من ملامح وجوههم.

فهذا المرض ليس كباقي الامراض الاخرى التي يمكن معالجتها عن طريق اعطاء المريض مجموعة عقاقير في روشته مع بعض النصائح ويعود الى منزله, فالمريض المصاب بفيروس كورونا المستجد يحتاج الى اقصى درجات العناية والعناية المركزة, بالإضافة الى انه ليس المريض وحده الذي يجعلك تهتم فيه فقط بل تكون مجبرا على اتخاذ جميع التدابير التي من شانها ان تمنع وصول العدوى الى اهله والى المجتمع وهذا يتطلب جهود اخرى للترصد ومتابعة مصادر المرض.
ان عدد الحالات في تزايد مستمر حول العالم واصبح العالم كله مستنفر وهذا الفيروس قد جعل معظم سكان العالم محبوسون في بيوتهم, فمقابل ما نسمع خبر سار من هنا او هناك عن شفاء وتعافي حالات كانت مصابه بالفيروس تأتينا اخبار سيئة عن اصابات جديده وجميع الاصابات هي ناتجة عن المخالطة لأناس مصابون بالمرض والذين يصبحون قنابل موقوته ينشرون المرض اينما ذهبوا حتى بمجرد الحديث معهم.
لذلك فانه لا توجد طريقه في وقتنا الحاضر افضل وانجح في منع تفشي الوباء غير الحجر الصحي وإبقاء الناس في منازلهم قدر المستطاع وتجنب مخالطة المرضى, فهذا المرض فتاك وقاتل متى ما سنحت له الفرصة بذلك فهو لا يميز بين كبير ولا صغير ولا غني ولا فقير ولا رئيس ولا مرؤوس…. لذلك كونوا اذكياء وابقوا في منازلكم… ونسال الله تعالى ان يجنبنا واهلنا واوطاننا كل وباء وبلاء … اللهم امين.
الباحث علي ناصر محمد جبران اليافعي
اختصاصي الاحياء الدقيقة الجزيئية والتشخيصية -معهد البحوث الطبية –جامعة الاسكندرية

وسوم