يافع نيوز ـ العرب
تزيح عودة سيطرة الحوثيين على مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف (شمال) بعد أشهر من القتال ضد القوات الحكومية التي سيطرت على المدينة في منتصف ديسمبر 2015، الستار عن مكامن الضعف في أداء الشرعية اليمنية والانقسامات الحاصلة في صفوفها بما عطل حسم ملفات عديدة ووصل الأمر حدّ خسارة أراض نجحت القوات اليمنية، مدعومة من التحالف العربي، في استعادتها من سيطرة الحوثيين.
ويطرح السقوط المفاجئ لمحافظة الجوف الإستراتيجية في أيدي الميليشيات الحوثية بعد أسابيع قليلة من خسارة الحكومة اليمنية لمنطقة نهم، على الحدود بين محافظتي مأرب والجوف، أسئلة حول أسباب التراجع الكبير في أداء الشرعية اليمنية على الصعيدين السياسي العسكري وانعكاسات التحولات في خارطة موازين القوى في المشهد اليمني.
ويجيب باحثون سياسيون يمنيون على هذا التساؤل مشيرين إلى أن الانهيار الذي لحق بجبهات الحكومة اليمنية في مأرب والجوف، لم يكن وليد المصادفة بل هو نتاج سلسلة طويلة من الأخطاء والممارسات الكارثية التي تسببت في إضعاف “الشرعية” وتشتيت جهودها وتبديل طاقاتها في صراعات جانبية وأخرى مصطنعة تقف خلفها أجندات سياسية ممولة من قطر وتنظيم الإخوان.
أسفرت المعركة التي امتدت لحوالي أربعة أسابيع وانتهت بسيطرة الميليشيات الحوثية على مساحات كبيرة من محافظة الجوف، ثاني أكبر المحافظات اليمنية مساحة بعد حضرموت، عن خلق واقع جديد في خارطة القوة والانتشار العسكري الذي ينبئ بتحولات قادمة على صعيد المواجهات.
وبينما تمكن الحوثيون من بسط سيطرتهم على عدد من مديريات الجوف ومن بينها مدينة الحزم مركز المحافظة وأكبر مدنها وأهمها، يعتقد مراقبون يمنيون أن التحول الأكبر والأهم هو عودة الحوثيين لتهديد محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز بعد خمس سنوات من تحريرها وتأمينها من قبل التحالف العربي ورجال القبائل.
وعن خارطة الانتشار والسيطرة الجديدة التي كشف عنها غبار معركة الجوف، يقول الصحافي والباحث اليمني مشير المشرعي إن قوات من ألوية حرس الحدود (حكومية) ما زالت تتمركز في مناطق بمديرية خب والشعف المتاخمة للسعودية.
ويلفت المشرعي، في تصريحاته لـ“العرب”، إلى أن هذه القوات جرى تدريبها بعد أن تم تحرير المنطقة في العام 2017 بدعم وإسناد من قوات التحالف العربي وتمتد هذه المديرية الصحراوية على مساحة أكثر من 80 في المئة من محافظة الجوف.
ويرى الباحث أن انتشار قوات عسكرية مدربة في هذه المديرية ربما يمنع سقوطها ويحول دون تقدم الحوثيين باتجاه محور كتاف من الغرب، لافتا إلى أن معسكر “اللبنات”، أكبر وآخر قاعدة عسكرية في الجوف، ما زال مع القوات الحكومية.
ويقع المعسكر، الذي تعرض لهجمات حوثية بالصواريخ، على بعد 15 كم من عاصمة المحافظة مدينة الحزم باتجاه مأرب. وتتواجد في المعسكر، وفقا للمشرعي، قوات تابعة للشرعية بعضها تراجع إلى المعسكر بعد الانسحاب من مدينة الحزم.
ويضم المعسكر الاستراتيجي، الذي يشرف على الطريق الرابط بين المحافظات الشرقية ومحافظة مأرب، قوات من الجيش الوطني وقوات قبلية يقودها محافظ الجوف أمين العكيمي، وهو ما دفع الحوثيين لاستهدافه أكثر من مرة منذ تحرير المعسكر في أواخر العام 2015.
ويؤكد المشرعي أن أكبر خسارة للشرعية اليمنية تمثّلت في فقدان مدينة الحزم، عاصمة المحافظة، والتي سيطرت عليها ميليشيات الحوثي بشكل مفاجئ، لافتا إلى أن الحوثيين يستعدون للهجوم على معسكر اللبنات آخر القواعد العسكرية للقوات الحكومية.
أعاد سقوط مدينة الحزم في قبضة الحوثيين تسليط الضوء على الإرهاصات والأسباب الكامنة التي قادت إلى سلسلة من الخسائر العسكرية في نهم والجوف، التي تشترك الجوف.
وعن مكامن الضعف في أداء الشرعية اليمنية، وطريقة تعاطيها مع الملفات وإدارتها للأزمات المتتالية التي تسببت في سقوط الجوف، يشير ناصر ثوابة، وهو شيخ قبلي من محافظة الجوف، وعضو سابق في مؤتمر الحوار الوطني، إلى أن الخلل يكمن في القيادة السياسية وغياب الرؤية الاستراتيجية وليس في أبناء الجوف الذين صمدوا لأسابيع في وجه الزحف الحوثي الشرس.
ويقول ثوابة لـ“العرب”، “إن القيادة عاجزة عن القيام بأدنى واجباتها ومهامها إضافة إلى قيامها بتوظيف الصراعات”، مضيفا أن الجوف على سبيل المثال كانت بحاجة ماسة إلى قيادة تكون معبرة عن المجتمع وتعرف كيفية التعامل مع احتياجات أبناء المحافظة ومراعاة التوازنات القبلية وقيادة عسكرية تتميز بالكفاءة والمهنية، إضافة إلى ضرورة معالجة الأخطاء التي لحقت بالمدنيين.
وحذّر خبراء عسكريون من الآثار المترتبة على سقوط الجوف وتصاعد المؤشرات على اتجاه الحوثيين إلى مأرب، بعد توسيع انتشارهم في الجوف والاقتراب من “مفرق الجوف” والطريق الواصل بين مأرب والجوف ومنطقة “صافر” النفطية.
وأرجع مراقبون يمنيون أسباب الانهيار في جبهات الشرعية إلى عدة عوامل من بينها ترهّل القرار السياسي وتغوّل الفساد في مؤسسات الجيش وازدواج الولاءات، إضافة إلى الدور الذي يلعبه التيار الإخواني الموالي لقطر والذي عمل خلال السنوات الماضية منذ إنهاء مشاركة الدوحة في التحالف العربي على إرباك الأولويات وتبديد طاقات الحكومة اليمنية في الصراعات الداخلية مع مكونات المؤتمر الشعبي والمجلس الانتقالي، واستهداف التحالف العربي إعلاميا وسياسيا.
ويرى الصحافي والباحث اليمني رماح الجبري أن سقوط مدينة الحزم بيد الحوثيين جاء لأسباب كثيرة؛ أولها توقف الجبهات في كل المحافظات التي يقاتل فيها الحوثيون، ما ترك المجال أمامهم لتعزيز الهجوم وتحقيق مكاسب ميدانية.
ويشير الجبري، في تصريح لـ“العرب”، إلى أن سقوط مدينة الحزم جاء بعد أقل من شهر من خسائر الجيش في جبهة نهم والانسحاب “المحيّر” الذي ترك وراءه العشرات من المعدات العسكرية.
ويؤكد أن التساهل في معالجة الكوارث العسكرية يعطي القيادات هامشا للإهمال وربما الخيانة، بالإضافة إلى تفاقم الخلافات بين القيادات العسكرية في الجيش الوطني وانعكاس ذلك على سير المعركة “لاسيما بعد تعيين الفريق صغير بن عزيز رئيسا لهيئة الأركان باعتباره من قيادات المؤتمر الشعبي العام وله علاقات خاصة مع قائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي طارق صالح كون غالبية القيادات العسكرية تدين بالولاء للفريق علي محسن الأحمر المقرب من حزب الإصلاح”.
ويلفت الجبري إلى وجود مشكلة إضافية ساهمت ربما في خسارة الجوف وتتمثل في العقيدة القتالية لدى المنتمين إلى الجيش الوطني التي يقول إنها ارتبطت بإسناد ودعم التحالف الجوي وباتت تتراجع معنوياتهم عند غيابه.
ويستدرك الجبري لافتا إلى ضرورة الإشارة إلى أن الجوف محافظة صحراوية مفتوحة ما يسهّل التقدم فيها وتحقيق الاختراق كما حدث في مدينة الحزم حيث تم اختراق واحدة من عشر جبهات في المحافظة، وهي جبهة الغيل، وتقدم الحوثيون ووصلوا مدينة الحزم وهي مركز المحافظة بينما مقاتلو الجيش يستمرون في المواجهة في الجبهات الأخرى التي هي جبهات المتون والعقبة واليتمة والصفراء والمصلوب، وهو أمر يؤكده ما حدث في العام 2015 حين كانت مدينة الجوف تحت سيطرة الحوثيين وتم تحقيق اختراق من قبل الجيش من جبهة اللبنات وتمت السيطرة على مركز المحافظة.