مقالات للكاتب
كتب/ السفير علي عبد الله البجيري.
قالو عنها صفقة القرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهي في حقيقة الأمر ليس كذلك، وانما هي تركيعة القرن للعرب والفلسطينيين. فالصفقات لها احكامها وشروطها واطرافها، ولا تبرم الا برضائهما. فلا يمكن ان يوصف اي اتفاق بالصفقة إلا اذا وجدت مصلحة لطرفيه. بمعنى اخر ليس هناك طرف منتصر ولا منهزم. ولهذا تسمى صفقة. فلا يمكن ان يوصف اي اتفاق بالصفقة طالما هو صادر من طرف ومصحوب بالتهديد والوعيد والفرض القسري لاحكامه.
ما اعلنه الرئيس ترام ليست صفقة لإحلال السلام في المنطقة، بل خطة لكبح جماح اصحاب الحق الفلسطيني والعربي، ” خطة الغت جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وانتهكت احكام القوانين الدولية، بما فيها قرارات مجلس الامن الدولي. كما انها استهدفت تركيع الشعب العربي والمساس بكرامته..
هذه هي حقيقة مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. إذ بدت الصفقة وكأنها هدية قدمها ترامب لحليفه نتنياهو الذي تقبل الهدية بالامتنان والإبتهاج، هدية تجاوزت مفهوم الصفقات التي تعلن بين طرفين على اساس المصالح المشتركة وتفتح الطريق للتعاون المثمر، والامن والاستقرار و السلام .. انها نطحة وحيد القرن التي تتعارض مع كل ما عرفته البشرية من اعراف وقوانين. فالهدية من ما تملك، وليس من املاك الغائب عن الصفقة بتفاصيلها وشروطها !!
لقد رأى ترامب أن خطته مختلفة ونادرة وتختلف تماما عن الخطط التي أعلن عنها رؤساء سابقون للولايات المتحدة الأمريكية، وهي الاكثر كرماً .. كان يمكن ان تكون الصفقة رائعة وتتصف بالكرم الحاتمي، لو انه اهدى إحدى الولايات الامريكية لاسرائيل … لقد ضاعت القيم والعدالة في عهد ترام ، فبعد اكثر من ٧٠ عاماً على الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطنية ، وأكثر من ١٠٠ عام على وعد بلفور المشؤوم ، تُكرم دولة الإحتلال وتمنح لها الأراضي العربية، لا بموجب خطة سلام دولية على قاعدة حل الدولتين بل بموجب هبة امريكية دون اي اعتبار لإهل الأرض واصحابها الحقيقين، انه اقتلاعاُ لشعب من وطنه وأرضه وتكريما لمن تصفه القوانين والقرارات الدولية بالمحتل … وبكل سهولة وبساطة وفي حفل وأمام شاشات العالم والنقل المباشر ، وبكل اسف بحضور عربي هزيل تمثله ثلاث دول عربية، البحرين، الامارات وسلطنة عمان، واخرى مؤيده من خلف الستار، يتم الاعلان عن تفاصيل صفعة القرن كالتالي :
١- كل المستوطنات في الضفة الغربية هي جزاء من الأراضي الاسرائيلية.
٢- وادي الأردن يظل تحت السيادة الإسرائيلية.
٣- القدس غير مقسمة عاصمة لإسرائيل.
٤- الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس مسموح لجميع الديانات، والمسجد الأقصى سيبقى تحت الوصاية الأردنية.
٥- عاصمة الفلسطينيين المستقبلية ستكون في منطقة تقع إلى الشرق والشمال من الجدار المحيط بأجزاء من القدس، ويمكن تسميتها بالقدس أو أي اسم آخر تحدده الدولة الفلسطينية المستقبلية.
٦- نزع سلاح حركة حماس وأن تكون غزة والضفة منزوعة السلاح.
٧ – إنشاء رابط مواصلات سريع بين الضفة الغربية وغزة يمر فوق أو تحت الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية.
٨ – اعتراف الطرفين بالدولة الفلسطينية بأنها دولة للشعب الفلسطيني والدولة الإسرائيلية بأنها دولة للشعب اليهودي.
٩- ألا تبني إسرائيل أي مستوطنات جديدة في المناطق التي تخضع لسيادة الفلسطينيين في هذه الخطة لمدة ٤ سنوات.
ما اشرنا اليه اعلاه هو ملخص لما احتوته الخطة الامريكية. وفي الحقيقة فقد تم تحقيق بنود كثيرة من تفاصيلها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، منها:
– العمل على إغلاق ملف القضية الفلسطينية على المستوى الدولي والعربي والاقليمي من خلال اعتبار فلسطين أرضا يهودية ،وعلى هذا الاساس يجري ، تهويد مدينة القدس ومحاصرتها بالمستوطنات والانفاق.
– يجري العمل على إلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، والتنكر لمبداء حق تقرير المصير، وإلغاء صفة الأراضى الفلسطينية كأراضٍ محتلة، وتحويلها إلى مستوطنات اسرائيلية مشروعة.
– تنفيذ الجانب السياسي لصفقة القرن دون الاعلان عنه يهدف إلى تجنيب الأنظمة العربية، فضيحة المشاركة والمباركة للخطة، وقد تم اختيار الوقت المناسب في ضل تهالك تلك الانظمة الضعيفة التي تفتقر إلى دعم شعوبها ولا تستطيع بالتالى القبول العلنى لصفقة القرن، كما أنها غير قادرة على الرفض العلنى بحكم ضعفها واعتمادها على الدعم والحماية الأمريكية.
– لقد كان الهدف من مؤتمر البحرين توفير وتفصيل العباءة السوداء للأنظمة العربية من خلال مشاريع السلام الاقتصادية وقبول الشق السياسي من الخطة وهو الاهم بالنسبة للسياسة الامريكية.
وفيما اذا اخذنا بالاعتبار الموقف الرافض لتلك المؤامرة الخبيثة فان الموقف الفلسطيني يعمل على التصدي لها، مسخرا كل امكانياته البسيطة لتجاوزها وإفشالها. وباعتقادي انه تقع ايضا على الحكومات العربية دور للتصدي لهذه الخطة ، لان مصالحها هي الاخرى مرتبطة بالمصلحة الفلسطينية والعربية المشتركة، وعليها أن تعى وتعلم ان اليوم فلسطين وغدا سيأتي دورها واحدة بعد الاخرى، وهذا ما نراه في كل من العراق سوريا ليبيا واليمن.
لقد رفض الفلسطينيون هذه الخطة الامريكية – الصهيونية، لأنها ببساطة لم تأت بجديد، فما تم الإعلان عنه ليس سوى تجميع لأفكار ومواقف سابقة لرئيس مهووس لخدمة اسرائيل ومطامعها للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، إبتداء من نقل سفارة بلاده إلى القدس، واعتبار الجولان السورية أراضي اسرائيلية، وها هو يسرح بخيالاته لإتمام صفقة القرن الخبيثة.
اختتم مقالي بما قاله الشاعر العربي :
أبكي على جروح أمة….لاتجد من يداويها
أبكي على أمة أسود…. تحكمت النعاج فيها
أمةً استأمنت ذئباً ….وصدقت انه حاميها.