fbpx
حرب المليونيات بين صنعاء وعدن
 

مما لا شك فيه أن اليمن الشمالي سيكون الخاسر الأكبر من انفصال الجنوب وعودة الوضع الى ما كان عليه قبل عام 1990. فالجنوب ليس مجرد مشروع تجاري مربح للشمال فقط، بل مسألة حياة أو موت، كما يردد اليمنيون الشماليون هذا الشعار ويتفقون عليه ويلتفون حوله.

من دون الجنوب ومساحته وثرواته المتعددة لن تكون هناك فرصة كافية لاستقرار الشمال سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وهو البلد الذي ظل يعتمد بشكل أساسي على جارته السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في دعم ميزانيته ودفع مرتبات موظفيه وجيشه حتىعام 1990، عندما أيد الغزو العراقي للكويت ليتم بعده قطع هذه المساعدات كليا، لتأتي الوحدة مع الجنوب كمنقذ بديل له من الانهيارين الاقتصادي والسياسي، وتجنيبه العودة الى الصراعات القبلية والفئوية التي ظلت تعصف به عقودا طويلة فحولته الى ساحة مفتوحة للصراعات وتصفية الحسابات الخارجية. لذلك فلا غرابة من تشبث اليمنيين الشماليين بالوحدة واتفاقهم عليها رغم اختلافهم على كل شيء.

 

صنعاء تستيقظ من سباتها

ثلاث مليونيات متتالية، نظمها الحراك الجنوبي في عدن عاصمة الجنوب قبل الوحدة، وغطتها وسائل الإعلام العربية والعالمية بشكل غير مسبوق، لم يستطع الإعلام الرسمي اليمني تجاهلها أو حتى الانتقاص منها. فهذه المليونيات، التي جرت في ذكرى مناسبات جنوبية عدة أهمها ذكرى صراع 1986 بين أجنحة الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة، والتي سميت بـ «مليونية التصالح والتسامح»، أربكت حكومة صنعاء وأشعرتها بخطورة الوضع وتفاقم الأمور، فهي لم تتعود أو تتوقع أن ترى الجنوبيين في مثل هذه الحشود الشعبية الكبيرة تنادي بالاستقلال وتطالب بإنهاء ما يصفونه بالاحتلال اليمني. وهذا ما يفسر حجم ردود الفعل الشمالية الغاضبة على كل المستويات على هذه المليونيات التي أيقظت صنعاء من سباتها وأفزعتها من حلمها الجميل بالاطمئنان الى ثبات الوحدة وصمت الجنوبيين الطويل، مما جعلها تعيد حساباتها وترسم خططها لكيفية التعامل معها واحتواء تأثيراتها الداخلية والخارجية، التي انعكست فعليا باقتناع الدول الراعية للمبادرة الخليجية وتأكيدها عدالة القضية الجنوبية وإجراء لقاءات مباشرة مع القيادات الجنوبية في عدن والرياض والقاهرة ولندن. وهو ما أثار حفيظة صنعاء أيضا، ودفعها الى محاولة خلط الأوراق واستخدام أساليب النظام السابق نفسها في تعامله مع الجنوبيين، ومنها اتهام الحراك الجنوبي بأنه حراك مسلح يتلقى الدعم من إيران ويتحالف مع تنظيم القاعدة وكذلك التشكيك بانتماءات الجنوبيين ونعتهم بالانفصاليين وببقايا الاستعمار، واستمرار تبرير اقصائهم من المراكز القيادية والوظائف العسكرية والمدنية والبعثات الدبلوماسية والدراسية، وهي الأسباب الرئيسية التي أدت الى تذمر الجنوبيين من الوحدة واقتناعهم تماما باستحالة البقاء في دولة واحدة تجمعهم مع الشماليين.

 

حرب المليونيات

تأكيدا لما أصبح يعرف بـ «حرب المليونيات» في اليمن، كان يوم الحادي والعشرون من فبراير الماضي يوما مزحوما بالمناسبات والمنافسات بين كل الأطراف اليمنية، كونه يوما وجدت فيه كل القوى المتصارعة على الساحة الفرصة التي تتحينها لتأكيد وجودها وإثبات حجم شعبيتها وقوة تأثيرها على الشارع وتوجيه الرأي العام، ففيما أحيا الجنوبيون، الذين لا يزالون يشعرون بنشوة النصر من نجاح مليونياتهم السابقة التي أقاموها في الأشهر الماضية، أحيوا بهذا اليوم الذكرى الأولى لنجاح مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية التي أتت بالرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي (جنوبي) كون هذه الانتخابات شأنا يمنيا لا يعنيهم كما يقولون، احتفلت أحزاب اللقاء المشترك بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح بتنصيب الرئيس الجديد وإزاحة سلفه على عبد الله صالح. فيما احتفل حزب الرئيس السابق (المؤتمر الشعبي العام) بتسليم السلطة طوعيا كما يدعي. ورغم احتفاء كل طرف بهذه المناسبة، كل بحسب طريقته وتفسيره لها، إلا أنها لم تكن في حقيقتها أكثر من مناسبة لفرد العضلات واستعراض القوة على الساحة الجنوبية عامة وعدن خاصة لما لهذه المدينة من رمزية وأهمية. لهذا جرت هذه الاحتفالات فيها دون سواها من المدن والمحافظات اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء كما جرت العادة.

 * القبس الكويتيه

رد الاعتبار للوحدة

من هذه المليونية أرادت صنعاء بطريقتها الخاصة رد الاعتبار للوحدة وإثبات زخمها جنوبيا، وهو الأمر الذي يرفضه الجنوبيون ويؤكدون أن هذه المليونية شمالية تم حشد الجماهير لها من المحافظات الشمالية ومن أبناء الشمال المتواجدين في عدن ومن قوات الجيش والشرطة وقلة من الجنوبيين الذين مازالوا يؤيدونها، وإن الغالبية العظمى منهم خرجت بمسيرة الحراك، وما استخدام العنف ضدهم بإفراط، الذي أدى الى قتل وجرح العشرات منهم، وإدانة منظمة العفو الدولية والمبعوث الأممي جمال بن عمر، إلا دليلا على فشل مليونية الوحدة. ومن هنا تجددت الدعوات الجنوبية بضرورة تبنى الأمم المتحدة والدول الإقليمية مبادرة جديدة لحل القضية الجنوبية حلا عادلا لمنع انزلاق اليمن الى حرب أهلية باتت تقرع طبولها في كل مناسبة. ولعل الزيارة المفاجئة للرئيس هادي لمدينتي عدن وأبين الجنوبيتين إلا مؤشرا قويا على تدهور الأوضاع الأمنية في الجنوب وانعكاساتها السلبية على مجمل الأوضاع في البلاد