fbpx
العصيان المدني وأخلاقياته

العصيان المدني هو نشاط شعبي متحضر يقوم به المجتمع بكافة قطاعاته المدنية والعسكرية بهدف الحفاظ على القيم الأخلاقية  في مجتمع معين ، أو للتعبير عن الإحساس الجماهيري بأي انتهاك لحقوق الإنسان أو المطالبة بترسيخ الحرية والعدالة ، أو رغبة الشعب في تغيير واقع سياسي يتحكم به نظام دكتاتوري يقيد الشعب من مواكبة أي تطورات على الصعيد العالمي .

 

والعصيان المدني هو أحد أساليب المقاومة السلمية التي عادةً ما يكون الهدف منها الحفاظ على المجتمع حراً مستقلاً  وآمناً ومتحضرا .. وبه تضغط  الشعوب على أنظمتها التي تفرض سلطاتها على المجتمع من خلال القوانين النافذة .. وقد لا تستطيع الشعوب الضغط بواسطة العصيان المدني على سلطات الأنظمة الهمجية التي لا تحترم آدمية الشعوب . ً

 

وبالنظر إلى العلاقة بين أي مجتمع والنظام القائم فيه ، نجد  بأن الثابت هو أن لكل مجتمع قِـيَم وأخلاقيات تنبع من ثقافته وتاريخه وديانته التي لا بد من الدفاع عنها  لتستمر كأساس لتطوره وتقدمه الاجتماعي ، بينما المتغير هو الأنظمة التي تتعاقب على حكم المجتمعات ؛ بيد أن المجتمع يبقى على تفاعل مستمر مع أنظمته سلباً أو إيجاباً . وقد تنتج عن تلك الأنظمة قوانين وقرارات تتعارض مع أي من تلك القيم المجتمعية .

 

ويقوم المجتمع بنشاط العصيان المدني عندما يلاحظ  أن هناك جانباً سلبياً في النظام متمثلاً بفساد في السلطة أو بتشريع لا يخدم المجتمع ، بحيث يكون رد فعل “إيجابي” لإجبار النظام على إنهاء أي وضع جائر ، أو حتى لرفض النظام برمته ؛ وبذلك يقاس نجاح العصيان المدني باستجابة النظام للضغط الشعبي بعد حوار منصف بين الطرفين ، ولا يقاس  باستجابة الشعب من خلال المشاركة الشاملة في المقاومة دون نتائج مباشرة .

 

إذا كنا قد عرفنا بأن العصيان المدني هو حركة المقاومة التي تنشأ نتيجة تفاعل المجتمع مع حكومته حول ظاهرة سلبية معينة أو نظام معين ، لتكون النتيجة هي التزام الحكومات لضغط المجتمع باعتباره هو المسئول عن تكوين حكوماته ، فإن الأمر يختلف تماماً في وطننا الجنوبي ، حيث أنه مجتمع خاضع لنظام آخر بثقافة أخرى  وقيم مختلفة .. ولأن النظام  فـرض سلطة الاحتلال على الشعب الجنوبي بالقوة ، فلا نتوقع منه إلا الاستجابة بالمزيد من القوة كنتيجة مباشرة لغياب التفاعل بين المجتمع والنظام .

 

وأخيراً ، لا يوجد شك أن من حق الشعب الجنوبي العظيم التعبير عن رفضه واستنكاره للمجازر التي تمارسها سلطة النظام المحتل بأي طرق سلمية  يراها مناسبة .. ويفضل أن يكون  في ظل قيادة الثورة السلمية القائمة وليس بتوجيهات من عناصر أو جهات لا تفرق بين المهام الثورية والمهام الحزبية ؛ أو حتى لا  تستطيع أن توجه الخطاب المناسب للجماهير حول نشاط العصيان المدني وأخلاقياته بحيث يكون فعالاً ومؤثراً في المساحات التي تجبر السلطة على التفاوض مع الشعب على قضية وطنه ، لا أن يكون في المساحات التي تسيء إلى المواطن  أو تنفره من الثوار أنفسهم .

 

د. عبيد البري