fbpx
القضية الجنوبية والحوار المرتقب..

القضية الجنوبية والحوار المرتقب..

صلاح السقلدي

لا غنى  لنا كبشر عن مبدأ الحوار كمقلّل للجفوة ورادم للهُوَّة يستوعب كل أنواع وأساليب التخاطب كقيمة إنسانية وحضارية يظل الوسيلة الأنجع والتكيف مع الآراء المخالفة ،والأقل كلفة في حل أية خلافات أو تباينات بين شركاء العمل السياسي -وغير السياسي- في أي قطر كان وفي أية قضية كانت، شريطة ان يتسلح المتحاورون بصدق النوايا وصفاء السرائر بعيدا عن أسلوب المخاتلة أو استهلاك الوقت والتحاور لمجرد التحاور أو تحويل (الحوار) بقصد إلى (جدال) يتوه تحت نقعه الحق والحقيقة فما كان الأول في شيء إلا زانه وما كان الأخير في شيء إلا شانه.

   -في الشأن الوطني هذه الأيام ثمة جهودا تبذل ولقاءات تتواصل بالداخل والخارج وأحاديث تتوالى من قبل مسئولين يمنيين ودوليين ، عما يسمى بالحوار الوطني المفترض إجراءه بقادم الأيام لكل القضايا الأساسية وفي المقام الأول القضية الجنوبية عطفا على ما جاء في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية في صنعاء.

ومن منطلق حديث (رئيس اليمن) الأخ عبدربه منصور هادي عن القضية الجنوبية قبيل انتخابه رئيسا، والذي سنركز في مقالنا هذه عليها، حين قال بما معناه : (..ان أي حوارا بخصوص القضية الجنوبية ينبغي ان يكون بعيدا عن أي خطوط حمراء…).وللتذكير فأن مصطلح الخطوط الحمراء ومعه مصطلح الثوابت الوطنية كما درج على استخدامهما نظام الرئيس السابق صالح منذ عقدين من الزمن تقريبا يعنيان عدم الخوض في مسالة الوحدة أو شيء عن شمال وجنوب أو حتى ذكر موضوع اسمه السياسي القضية الجنوبية بتاتا، اتساقا مع المصطلح المروع والصادم:) الوحدة أو الموت)،وعليه نقول ان ما أورده الرئيس منصور هو المرجعية التي يجب ان تكون في أي حوار مستقبلي يبحث الحل العادل للقضية الجنوبية بما يرتضيه الشعب بالجنوب.

 

   – لا يوجد ما هو أسوأ من طريقة اللف والدوران والمماطلة  في أي حوار كان غير الرفض المطلق له. فرفض الحوار بشأن القضية الجنوبية من قبل الطرف الجنوبي مع السلطات في صنعاء رفضا مطلقا سيكون خطأَ جسيما وغباء سياسي يصيب  هذه القضية في مقتل سياسي ليس فقط على مستوى الداخل بل الخارج ايضا، حيث لا يفرق هذا الخارج -ونقصد هنا العالم الحر- بين تفجير قنبلة وبين رفض مطلق لأي دعوة حوار أي حوار كان.

 ولهذا لابد من التمييز بين الضرر والضرورة بمسالة الحوار، فمن الحكمة ان يكون التعاطي الجنوبي مع دعوة  من هذا القبيل هو ان يعلن الجنوبيون حراكا كان أو أحزاب أو اي قوى  اجتماعية أخرى  بأنها سوف تشارك بهذا الحوار وان لا اعتراض على الحوار من ناحية المبدأ فربما أفلح الحوار فيما لا تفلح فيه الحروب  والصراعات وهي فرصة لإظهار حجَّةٍ  وإثبات حقٍ، طارحة هذه القوى الجنوبية شروطها السياسية التي ترى انها معقولة وتضمن لها ان يكون الحوار -المفترض-  بنية خالصة ونقية بعيدا عن التمييع والتشويش على عدالة القضية وسياسية الباب الدوار.

 

 ومن هذه الشروط: ان يكون سقف الحوار السماء –حوار خالي من كولسترول الخطوط الحمر و ملوثات الثوابت الوطنية-كما وعد الرئيس هادي بما فيها طرح المقترحات التي يراها الجنوبيون ممكنات للحل مثل (فك الارتباط والفيدرالية الثنائية بين الشمال والجنوب كنوع من إعادة صياغة الوحدة بشكل جديد وغيرها من الحلول ،على ان يتم الحوار وفق الثنائية- شمال- جنوب-،فضلا عن وجود الضامن الإقليمي والدولي لأي أتفاق قد يتوجه هذا الحوار- وسواها من الشروط التي يمكن طرحها على الطاولة، وهذه الشروط ان جاز تسميتها بالشروط هي مبررة بعدما فقد الجنوب الثقة بالطرف الآخر الذي لا يتردد بالنكث بأي تعهدات أو مواثيق ، وذلك من واقع التجارب المريرة بهذا الشأن. أما ان يكون الرد عن أي دعوة للحوار بالرفض القاطع فهذا كما أسلفنا يعد هروبا صريح من المواجهة وضعفا سياسيا مرود على من يقوم به يجعل صاحبه يتقوقع في محارة غارقة بالعمق.

 

  – تبقى أهم معضلة من المعضلات لدى الجنوبيين تتمثل بغياب الجهة الممثلة لهم في هذا الحوار المفترض وذلك بسبب ما تتنازع الشارع الجنوبي من تيارات مختلفة ,ان كان الحراك الجنوبي له الهيمنة الأكثر بالساحة واليد الطولى بالساحة مع وجود مهم للأحزاب، ولكن وان كانت هذه المعضلة صعبة وتضعف المحاور الجنوبي إلا انها ليست عصية على الحل  ان تكاتف الجميع، ومن واجب الطرف الآخر في صنعاء ان يعمل على المساعدة في تخطي الجنوبيين لهذه العقبة أو على الأقل يأمر إعلامه بالكف عن دأبها بتمزيق الصف الجنوبي زنا منها انها ترسخ دعائم الوحدة كما تزعم ،كون شركاء العمل السياسي بصنعاء اليوم هم من صنع الوضع البائس بحربهم تلك التي شنت عام 94م، بل ان القضية الجنوبية هي الوليدة الشرعية للتحالف الآثم بين شركاء الحرب والنهب والتكفير والإقصاء، وان أي تحجج يقوم به هؤلاء بموضوع تشتت الأطراف الجنوبية وغياب ممثلا وحيد لهم في الحوار واهتبال هذه فرصة للتملص من أي استحقاق بشأن الجنوب يعد أمرا غير مقبول ولن يزيد دائرة القضية الجنوبية إلا اتساعا وتعقيدا سيفضي دون شك إلى أمور خطيرة على الجميع وأنهم أول الخاسرين بهذه الحسبة إن هم فكروا بهكذا تفكير فاسد، نعتقد  ونتمنى أنهم يدركون نتيجته المدمرة جيدا.! 

 

* عدن الغد