fbpx
السياسة الكويتية : الحراك الجنوبي صنعته معاناة الناس
شارك الخبر
السياسة الكويتية : الحراك الجنوبي صنعته معاناة الناس
 يافع ينوز – متابعات – طه فضل
 
لم يكن الحراك اليمني الجنوبي تشفياً بين متنازعين, ولا هو منازلة بين خصمين, ولا حتى رد الصاع صاعين بين الجنوب المنهزم والشمال المنتصر في عام 1994 . ليس هكذا التوصيف المنطقي لما يعتمل داخل “جنوب اليمن” أو لنقل الجنوب العربي كما يُحب أن يُطلق عليه أهله بعد فك الارتباط عن الجمهورية اليمنية, المعاناة هي من ولدت هذا الحراك. كما يقول الرئيس السابق علي سالم البيض: “الحراك الجنوبي صنعته معاناة الناس” في حواره الإعلامي الأخير.                   
من الإنصاف, القول: ان ثورات الربيع العربي, بدأت فعلياً في جنوب اليمن, من قبل الحراك السلمي الذي انطلقت شرارة احتجاجاته منذ أواخر عام 2006, حيث بدأت بمطالبات للمتقاعدين العسكريين الجنوبيين الذين تم إزاحتهم من مناصبهم وإحلال آخرين بدلاً عنهم, أكثر ولاءً لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم, بل تعدى الأمر, إلى أن فُرِض عليهم البقاء في بيوتهم من دون عمل, فقط كما فعلها آنذاك الحاكم الأميركي في العراق »بول بريمر», يذهب العسكري منهم نهاية الشهر إلى مكتب البريد, أو مكان عمله لتسلم راتبه, ثم يرجع إلى بيته أو الشارع معطلاً عن عمله الفعلي, وصاروا بهذا عرضة للتقاعد القسري أو الاستغناء من الخدمة والعمل, مقابل مكافآت مقطوعة, وهي حالة تسبب الضيق النفسي من الفراغ الذي يكتنف حياة العسكريين الذين كانوا يدبون نشاطاً وهمة وحركة في المواقع العسكرية في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها. العجيب والمضحك, أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح, كان يُنكر على القائم بأعمال المحتل الأميركي, تصرفه تجاه العسكريين في العراق وتسريحه للآلاف منهم, فإذا به يفعل الأمر نفسه!!
صمتت السلطة المركزية في صنعاء, وتجاهلت هذه المطالب, مما أدى بالمتقاعدين العسكريين في 26/11/2006, إلى تشكيل جمعيات في المحافظات الجنوبية الستة, هدفها المطالبة بتسوية أوضاعهم المالية وحل لمشكلاتهم, فبدأوا بالاعتصام في مقرات الجمعيات أو مقرات الأحزاب, وظلت خلال أربعة أشهر تتصاعد وتيرتها إعلامياً واجتماعياً وسياسياً, مما أدى إلى بوادر استجابة السلطة للمطالب بتشكيل لجان لحلها وفقا للقانون.
لم تكن استجابة السلطة مانعاً أو موقفاً لتنامي الاحتقان في نفوس المتقاعدين العسكريين, الذين شككوا وبقوة في جدية تحرك السلطة لحلول جذرية لمشاكلهم, فنفذوا اعتصاماً كبيراً في 21/5/2007 واتجه الأمر إلى الحديث عن المظالم التي اقترفها “الشماليون” تجاه الجنوب, وبدأت الدعوات بإحياء ذكرى انتهاء الحرب التي نشبت بين طرفي وشريكي الوحدة في  7/7/1994, واستمرت الاحتقانات وتفجرت إلى مسيرات غاضبة مستمرة في عدن والضالع ولحج وأبين وحضرموت, فما كان من السلطة إلا وصمها بأنها مخالفة للقانون, وتديرها عناصر انفصالية, تحاول تفكيك المجتمع اليمني, والرجوع به إلى ماقبل عام 1990, وهو ما يُعد في نظرهم, مخالفة صريحة للثوابت التي قامت عليها ثورتا سبتمبر وأكتوبر, وما تحقق بعدها من الانجاز العظيم بالوحدة اليمنية, فكان مسوغاً كافياً, وتبريراً محفزاً, دفع بالسلطة الحاكمة في صنعاء الى الإقدام على الاستخدام المفرط للحل الأمني, حيث واجهت مسيرات الحراك الجنوبي بالرصاص الحي, والضرب والاعتقال, ومن ثم المحاكمات للرموز والعناصر القيادية وتغييبها في السجون.
وبذلك انتقل الحراك الجنوبي السلمي, من حركة مطالب بتحسين حالة الأوضاع المعيشية للموظفين الجنوبيين في الدولة, وما سبقها من مطالب ما يسمى “إصلاح مسار الوحدة”, إلى حركة تدعو صراحة إلى فك الارتباط بين الجنوب والشمال, أو بين الجمهورية العربية اليمنية, وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.هم يرفضون “مصطلح الانفصال” كما يقول “البيض”: “لم نكن في أي يوم محافظة أو اقليماً تابعا للجمهورية العربية اليمنية, حتى نحن كنا دولة ذات سيادة معترفاً بها من كل المنظمات الدولية, ومن كل دول العالم, وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”.
هكذا كانت البذرة الأولى للحراك الجنوبي بشيء من الاختصار, وقد وجدت مراكز القوى في صنعاء لها التربة الخصبة, والعناية من معطيات الواقع لتسقيها, ظلماً, ونهبا, و»فيدا«, واحتكاراً, واستكباراً, وتهميشاً, وإقصائية, ومحواً وطمساً للهوية والتاريخ, وإلحاقاً وضماً وإلغاءً لكل ما هو جميل ورائع ومنظم, ثم فساداً مستشرياً أفسد الحرث والنسل, فظهرت قيم سيئة جديدة وغريبة عن المجتمع الذي لا يعرف الرشوة ولا السرقة ولا الفوضى ولا ضياع المال والاقتصاد في مجالس القات اليومية!
ما الذي ينتظره المراقب والمتابع لحال البذرة النضالية لشعب وقعت عليه كل هذه المظاهر التي لا تبعد عن كونها مظاهر استعمار بلبوس الوحدة واللحمة اليمنية, الحلم الذي طالما ردده الجنوبيون أكثر من العدل والنظام وإحقاق الحقوق, وإعانة المظلوم, وقهر الظالم, فلم تنتصر هذه الدولة المتحدة, بل خسرت لأنها خالفت سنن الكون والقدر التي تنطق صراحة: بأن الظالم لايفلح, والفاسد لا يصلح, والظلم مرتعه وخيم ووباله عظيم.
 
* كاتب يمني
 
com.Bafdel70@hotmail
 
أخبار ذات صله