fbpx
تحرش!
لا شيء يبعث على التقزز أكثر من مشهد معاكسة يكون بطلاه شخص تحتفظ له بصورة جميلة في ذهنك وفتاة لا تستحق أن تندرج ضمن فئة “النساء”.

أنا في مقعد على وشك السقوط أمام باب الحافلة واثنان – أحدهما من أبناء حارتي لا تربطني به علاقة قوية – مرميان في مقعدين في الخلف يعاكسان فتاة ركبت الحافلة لتوها.

الفتاة متوسطة الطول والجمال ولا يبدو أنها تملك شيئاً من الذوق في اختيار ملبسها وزينتها أو حتى تناسق الألوان التي بدت وكأنها في خصام مع بعضها.

ابن حارتي الذي لم أكن أتخيله يعاكس في يوم من الأيام يفتتح المشهد بالحديث عن سوء الصناعة الوطنية وجودة الصناعة الخارجية مستشهداً بالسوريات اللواتي بدأن مهنة التسول في أسواق عدن, قبل أن يسهب في الحديث عن صناعة الماكياج واكسسوارات الزينة وأثرها في صناعة جمال وهمي للمنتج المحلي, ويبادله الحديث رفيقه مؤكداً أن “البلدي” أصبح مغشوشاً وأسعاره أغلى مما يستحق, وأن السوريات “الفاتنات” في السوق من طائفة “الغجر” فكيف لو كنّ سوريات عربيات, متنبئاً بركود اقتصادي للمنتج المحلي ناصحاً بتخفيض أسعاره.

سائق الباص تحول إلى مستمع جيد للحوار “الاقتصادي-الاجتماعي” الدائر خلف مقعده وكاد أن يصطدم مرتين بحافلتين منافستين له على الطريق, أما محصل الأجرة فتوقف تماماً عن المناداة على الركاب.

كنت أستطيع أن أتخيل أذن الفتاة الجالسة على مقربة مني وقد تحولت إلى أذن “فيل” لالتقاط الحديث المبطن الدائر عنها رغم أن رمشاً واحداً منها لم يتحرك في محاولة منها لاصطناع لامبالاة مكشوفة.

عندما وصلت الفتاة إلى محطتها كان حديث الرفيقين في الخلف قد تحول – بقدرة عجيبة – إلى جدال حول شرعية النظام السوري.. نزلت الفتاة وهي تتمايل واختفت في أحد الأزقة وأعين الركاب تتابعها داخل الحافلة الكبيرة الفارغة والمتوقفة بدون سبب.

هدوء عجيب يخيم على المكان قطعه صوت رسالة على جوالي “ندعوكم لحضور وقفة احتجاجية أمام القنصلية المصرية تحت شعار معاً ضد التحرش الجنسي الذي يمارس على المتظاهرات المصريات”