مقالات للكاتب
د. قاسم المحبشي
( ياملائكة الرحمة كونوا رحماء بمن يمحونكم ثقتهم ويرتجون علاجكم)
سنحت لي الفرصة ظهر اليوم بزيارة الوالد العزيز المهندس عبادي بن عبادي ابو كامل بعد أن علمت من أولاده الاعزاء بأن الدكتور شيخ عبدالحافظ الشطيري عميد كلية المختبرات الطبية قد كتب بضرورة نقله يوم السبت الماضي للتمديد في مستشفى الجمهورية بخورمكسر إذ حالات الاوضاع الأمنية في اليومين الماضيين دون ذلك.الحمد لله زرته ووجدت أن حالته تحسنت عما كانت عليه في جعار حينما زرناه وهو في غيبوبة. إذ كان اليوم صاحيا ويتكلم بصوت خفيض من شدة الإعياء والمرض،
غير أن ما يؤسف له أنني علمت من أولاده بان أحد الأطباء الذين يفترض بهم أن يكونوا ( ملائكة رحمة ) -هذا الطبيب الذي احتفظ باسمه- عاينه قبل عام تقريبا وشخّص حالته المرضية تقنيا وقال له بالحرف الواحد (( يا حاج عبادي حالتك صعبة وعظامك نخرة ومنتهية وصدرك اشبه بالبيت الخراب المهجور!) تلك كانت صيغة مواساة الطبيب لمريضه التسعيني الذي جاءه باحثا عن علاج لمرضه وعن كلمة رحمة تطمئنه عن حالته والحاج عبادي هو بالنسبة يثق بكلام الأطباء ثقة عالية جدا. تلك الكلمة التي جاد بها ذلك الطبيب (الطبيب) المشهور في مستشفى الجمهورية ولديه عيادة خاصة كمان كانت السبب المعنوي في تدهور حالته إذ منذ تلك الزيارة المشؤومة لطبيب الشؤم هذا وسماعه كلمته المفزعة هذه سيطرت على العم عبادي الرجل الطيب مشاعر سلبية تجاه حياته وصحته وانتابته حالة من القلق والإحباط، واختفت من ملامحه تلك النظرة المتفائلة والبشاشة والروح الاجتماعية الإيجابية المعهودة في الحاج عبادي بحسه الايجابي المفعم بالطيبة والبشر والرضاء حتى في أحلك الظروف. فما الذي كان سيخسره ذالك الطبيب الغريب الأطوار لو أنه ابتسم في وجه مريضه وقال له مثلا: (لا تقلق يا حاج مرضك بسيط ويمكن علاجه وخلي معنوياتك عاليه وكل شيء بيد الرحمن الرحيم .. بس عليك أن تلتزم بالعلاج والتغذية الجيدة ونشوفك بخير وسلام). واتذكر بانني ذات يوم في زمن الشباب رافقت صديقي لزيارة مريض في مستشفى الجمهورية وكان الطبيب موجودا وحالة المريض كانت حرجة جدا؛ فجاء أحد الزوار ونحن نتحدث الى الطبيب بجانب سرير المريض، الزائر الجديد أول ما شاف المريض الذي تربطه به صلة قرابة، تجهم وجهه وقال بعفوية : (والله شكلك تعبان خالص يا عم حسن ! ) فالتفت اليه الطبيب بسرعة ونهره بغضب قائلا له : أتق الله يا رجل العم حسن صحته عال العال وفِي تحسن مستمر وانشاءلله يطلع من هنا وقد استرد عافيته ويتزوج الثانية .. قالها وهو يربت على ظهر المريض بلطف ومودة جعلته يستعيد ابتسامته، وأنتحى بالزائر الجديد جانبا واعطاه درسا في أداب عيادة المرضى وطرق الكلام معهم، وقد تعلمت من تلك الواقعة الكثير وحينما كلفت بتدريس مادة الادارة في الخدمة الاجتماعية عرفت أهمية وحساسية كلام الأطباء بل والممارسيين الاجتماعيين مع عملائهم. وتروي الدراسات العلمية والتجارب الكثيرة في تاريخ المرض بان نصف العلاج والشفاء مرهون بالحالة المعنوية للمريض ونمط علاقات الرعاية والاهتمام التي تحيط به. ورب كلمة طيبة ساعدة في شفاء مريض والكلمة الطيبة صدقة، ورب كلمة طبيب أحمق تسببت بتدهور حالة مريض!
والعم العزيز عبادي هو أحد ضحايا حماقة طبيبه الله يسامحه ! والإعمار بيد الله، نسأل الله تعالي أن يمّن عليه بالشفاء والعافية ويحسن خاتمته.