المتساقطون على طريق الجنوب

في الوقت الذي كانت الجماهير الجنوبية تقاوم سلميا و معنويا جريمة الإقصاء والتضييق في المعيشة التي مارسها حكام صنعاء و أدواتهم الجنوبية للأسف على معظم ابناء الجنوب كان هناك من أعتقد أن الجنوب لم يعد قادر على النهوض حتى هبت تلك الجماهير في لحظة تاريخية لم يعد بالإمكان بعدها السكون والعودة إلى ما قبل تلك اللحظة كما أراد وحاول نظام المخلوع .

 

دون شك ان غياب قيادة موحدة متفق عليها جماهيريا من اليوم الاول كان سيف ذو حدين فهو من ناحية تسبب في ظهور كيانات متعددة سمحت باختراقها من قبل مخابرات النظام ولكن من ناحية أخرى منع أي قيادة لا تملك تفويضا من الشعب الجنوبي من المساومة على القضية التي كان يعرضها نظام صنعاء بأشكال مختلفة ولم يستطع أي مكون سياسي الدخول في أي شكل من الحوارات مع نظام المخلوع.

 

ندرك تماما ان مصير الثورة الجنوبية كأي ثورة لا يتحدد في سنوات محدودة ولكنها مسيرة ومسار طويل يحتاج لأشخاص لديهم الصبر والقدرة على تحمل أعباء العمل الثوري من أجل تحقيق هدف الثورة الجنوبية في استعادة هوية الشعب الجنوبي وبناء دولته بعيدا عن اليمننة السياسية التي اوصلته الى قاع الفقر والتخلف في هذا الزمن.

 

كما نعلم ان قسوة الخصم و إمكانياته قد رآها البعض عامل معيق يمنع الاستمرار في هذه المسيرة مما يجعلهم يختارون طريق المهادنة أو التنحي أو حتى السقوط في أي مرحلة من مراحل مسيرة الثورة وهذا أمراً لا يجب أن يصيب أحدا بالصدمة أو الانبهار فتلك من خصائص البشر التي تتفاوت في قدراتها على تحمل المشاق.

 

يمكن القول أننا أمام أصطفاف بين من يريد الحفاظ على قيم الثورة الجنوبية و أهدافها والوصول بها إلى منتهاها وبين من يرى أنه بتحقيق بعض المكاسب الثانوية أو بعض الإجراءات الشكلية يكفي لوقف هذه الثورة وهناك من يرى أن تحقيق أهدافه الشخصية تنتهي بها مرحلة نضاله و هؤلاء موجودون في كل الثورات.

هذا الفرز التاريخي بين من يصر على المضي قدما نحو الهدف المنشود للثورة الجنوبية وبين من اكتفى بما يراه معروض اليوم سياسيا كافيا للجنوبيين يكشف للجميع تمايز تلك القوى وتصنيفها.
علينا أن نؤمن أننا لا زلنا في قلب الصراع وفي أوج المعركة معركة إرادة الجنوبيين ضد قوى النفوذ اليمنية وأدواتها الجنوبية بكل أشكالها سواء في الشرعية أو في أحزاب صنعاء اليمنية ولكن المؤكد أن الذي جرى منذ مارس 2015م قد أحدث تغييرا هائلا خدم القضية والثورة الجنوبية وساعد على طرد الوجود العسكري اليمني من أرض الجنوب وخلق توازن معقول في القوة العسكرية لن يسمح للقوات اليمنية بالعودة بسهولة لاحتلال الجنوب كما في 1994م وبغض النظر عن ما يجري اليوم في مناطق الجنوب المحررة من ممارسات لا تقل عن جرائم حرب تقودها حكومة الشرعية و أدواتها من خلال إفتعال الأزمات المستمرة في الخدمات العامة أو فشلها لا يمكن أن تعطي لقوى النفوذ و أحزابها اليمنية أي فرصة للنجاح في العودة للجنوب وهي بكل تأكيد لا زالت تحاول أن تعوض هزيمتها في صنعاء أمام تحالف المخلوع والحوثي بالسيطرة على الجنوب .

أما الغارقين في مستنقع فساد الشرعية و المتساقطون على فتات الوظائف إن لم يكونوا قادرين على تقديم شيئا إيجابيا للناس من خلال وجودهم في هيكلية الشرعية فهم فقط يختمون حياتهم حيث أرادوا أن يكونوا ولن يضروا الجنوب ولا قضيته و ثورته بل ساعدوا في تنقية صفوف نشطاء الثورة وقياداتها.