fbpx
الأمن من الإيمان

 

د. خالد مثنى حبيب

للأمن أولوية قصوى في مهام وأنشطة الدولة بكل أجهزتها العسكرية والمدنية وأحزابها السياسية ومنظمات مجتمعها المدني وكافة قطاعاتها الشعبية بشكل عام , لاسيما وان الأمن هو الأداة التي تستطع ضبط  الايقاع  بين أجهزة الدولة  المختلفة للتكامل في إنجاز مهامها, ويمثل ايضا القاسم المشترك  الذي يتفق حوله الجميع  بما تقتضيه مصالحهم , فلا يمكن للدولة القيام بوظائفها دون أمن ناهيك عن المواطن البسيط, وعلى هذا الأساس أطلقت المقولة الشهيرة &الأمن من الإيمان&.

 

 

 

إن  هذه المقولة لم تجد آذان صاغية عند الكثير من السياسيين اليمنيين الذين لا يفهمون معنى السياسة ولا يلتزمون بقواعد العمل السياسي مع الآخر, عندما يجعلون من  شبح الإرهاب وتعكير الأمن وحرب الخدمات على المواطن العنوان الرئيسي لنشاطهم بهدف افشال خصمهم السياسي على حساب معاناة شعبهم. فالجميع يدرك كيف سخّر عفاش المساعدات الدولية لمكافحة الارهاب لإعادة إنتاج الإرهاب ذاته وضرب الخصوم السياسيين, وكيف تصاعدت حرب الخدمات في عدن بعد التحرير من ذات القوى نفسها, ناهيك عن محاولات تقويض الأمن المستمرة في عدن واستهداف قياداته.

 

 

لقد أُثير جدل مؤخراً حول اداء الأجهزة الأمنية في عدن وما حققته من نجاحات  على ضوء العديد من الأحداث الأمنية التي أختلفت ردود افعال الناس حولها. ومن هنا نقول ان النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية في عدن ليست بغريبة على  شعب الجنوب, إذ شكّلت امتداداً للإرث الأمني الجنوبي المكتسب خلال فترة حكم دولة الجنوب السابقة, التي كانت بيئة طاردة للإرهاب, وشكلت نموذجا للأمن والاستقرار في المنطقة بشهادة الاقليم والعالم, رغم محاولات التآمر المستمرة لتعكير صفوة الامن فيها من القوى المعادية للجنوب.

 

 

 

فالكثير من المتابعين الذين عايشوا فترة السبعينات وبداية الثمانينات يتذكرون العديد من هذه المحاولات الإرهابية والتي ابرزها ما سمي بعصابة دهمس التي تدربت بإتقان  وسرية تامة في أعلى المستويات, وصرفت لها وسائل وتقنيات بإمكانيات كبيرة. حيث بُنيت على شكل خلايا مفصولة لا تعرف بعضها البعض, وأسندت لها مهمة تفجير المرافق الحيوية المهمة في الجنوب, وحددت لها ساعة الصفر لتنفيذ التفجيرات باستقبال اغنية للفنان ابوبكر سالم … يا لله مع الليل با نسري…  على أجهزة الاتصالات الخاصة بأفراد العصابة, ومع ذلك تم كشف هذه العملية الكبرى بحنكة الاستخبارات الجنوبية آنذاك, ولو سمح الله لهذه المؤامرة التخريبية بالنجاح لأحدثت كارثة في تدمير المنشئات الحيوية وحصد ارواح الابرياء على نطاق واسع في العاصمة عدن.

 

 

أما حالياً فالخطبة هي الخطبة والجمعة هي الجمعة, فلا زالت القوى المعادية للجنوب مستمرة في التربص بالجنوب, من خلال ضخ الأموال وتهريب الأسلحة والمتفجرات لقتل رموز الجنوب وتخريب مؤسساته الخدمية, ولازالت تستخدم أبناء جلدتنا كضحايا  لتنفيذ مخططاتها الإجرامية, تحت يافطات مختلفة كالقاعدة وداعش  وانصار الشريعة… الخ,  مستغلة جهلهم وحاجتهم, ومع ذلك يتم التصدي لمثل هذه الأعمال وإفشال مخططاتها, فقد لمس الخارج قبل الداخل بان الجنوب أضحى شريك في محاربة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي من خلال النجاحات الأمنية المتنوعة التي لا يستطع انكارها الا جاحد رغم التعقيدات التي تمر بها البلد والازدواج الحاصل  في تنفيذ المهام  بين أجهزة السلطة المختلفة ورغم الإرث الثقيل الذي خلفه الاحتلال اليمني للجنوب عامة وعدن خاصة, الذي عاث في الأرض فساداً ودمر إخلاق الناس وأحدث خللاً كبيراً في القواعد والاعراف الامنية المتبعة.

 

 

 

ويسجل التاريخ للقائدين عيدروس الزبيدي و شلال علي شائع دور كبير في تثبيت الامن والاستقرار بدعم من قوى التحالف العربي وعلى رأسها دولة الامارات والمملكة السعودية. لقد تعاملا  القائدان عيدروس وشلال  بوعي ومسئولية ومهنية في تامين النسيج الاجتماعي العدني دون تمييز او استثناء, انطلاقاً من إيمانهما بقضية الجنوب,  ولقناعاتهما الراسخة بان الأمن حق خدمي مكفول للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او العرق ية او الجهوية.

 

 

ولكن بالمقابل تجد صعوبات وإخطاء أمنية وحالات عارضة تتمثل في قتل بعض المطلوبين أمنياً اثناء الحملات الأمنية  مثلما حدث مع الشهيد حسين قماطه وقاسم حسين ثابت  الردفاني الله يرحمهما ويسكنهما الجنة. فمثل هذه الاخطاء يتطلب بحثها وكشف ملابساتها  حتى يقول القضاء حقه فيها, اما مواجهة الأمن  بالاعتداء على مراكز الشرطة  أو إقامة الاعتصامات المسلحة فهذا يقوض العمل الأمني اكثر مما يخدمه. فمشاركة القيادات العسكرية في مثل هذه الاعتصامات دون علمها بحقائق الأمور, وقبل ان ينتهي التحقيق أو حتى يبدأ- كما حدث في ساحة العروض- أمر بالغ الخطورة ولن يجد له تفسير الا في محاولات تجيير القضايا الجنائية لتأخذ ابعاد سياسية ومناطقية بهدف اثارة الفتنة  للحيلولة دون بناء مؤسسات الدولة في الجنوب وفي مقدمتها المؤسسات العسكرية والامنية والقضائية, وفي ضل وجود محافظات أو مديريات خارج السيطرة الأمنية.

 

على سبيل المثال محافظة أبين التي تعاني من نفوذ الجماعات الإرهابية ومحافظة الضالع التي تعاني من انفلات أمني ملموس, حيث تم اغتيال احد قيادات الثورة الجنوبية التحررية الشهيد المهندس عبد الله  احمد الضالعي رحمة الله عليه. الى جانب عدد من جرائم القتل الأخرى, فضلاً عن تنفيذ حكم إعدام خارج سلطة الدولة.

 

 

إن كل هذه الملابسات السابقة  تتطلب من الجميع قادة عسكريين ووحدات عسكرية و شيوخ ومواطنين مساعدة الأجهزة الأمنية الحالية على أستباب الأمن لا إعاقتها بالاعتصامات ذات الطابع المسلح أو رمي القنابل على النقاط الامنية او التهديد والوعيد للقيادات الأمنية. كما نقترح بعض الاجراءات الأمنية الإضافية التي نرى فيها عوامل مساعدة على  ضبط الامن, وهي:

تأهيل منتسبي الأمن على أسس خدمية مهنية وطنية محررة من  التأثيرات السياسية والقبلية والطائفية والمذهبية.

الالتزام وفقا للاختصاصات الأمنية في الفصل بين مهام مكافحة الإرهاب ومهام الشرطة المدنية و تنظيم علاقتهما بالسلطة القضائية وعدم التدخل في شئون الأمن من أي جهات خارج المنظومة الامنية -القضائية.

إحترام الإجراءات الأمنية من قبل الجميع في الاستدعاء والحجز, وعدم رفع السلاح في وجه الأمن, فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته, والمتابعة عن أي مظالم يرتكبها الأمن مسموحة عبر الطرق القانونية المتاحة, كما أن المسئول عن محاسبة السلطات الأمنية عن أي تجاوزات هي الدولة والدولة فقط. فالوقوف الى جانب قيادة الامن الناجحة واجب وطني تمليه المصلحة الوطنية العليا بغض النظر عن من هي القيادة وانتمائها السياسي أو الجهوي.

تفعيل الأجهزة القضائية والنيابية, للبث في القضايا المتراكمة لدى الأجهزة الأمنية وتخفيف الضغط عنها ومساعدتها وارشادها أمنياً وقانونياً.

تفعيل الأجهزة الأمنية واستكمال بنائها وفرض سيطرتها في جميع محافظات الجنوب مترافقاً مع إدارة سياسية وعسكرية توحد جميع أفراد المقاومة الجنوبية المتبقية في جيش وطني جنوبي يحمي البلد, ويمكّن أجهزة الأمن من اداء واجبها بدلاً عن إرباكها والتدخل في شئونها. وهناك مسئولية كبيرة وواجب اخلاقي على عاتق قوى التحالف العربي والشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في تنفيذ ذلك.

إن المقترحات أعلاه سوف تسهّل عمل الأجهزة الأمنية نوعا ما في الوقت الحالي ولكنها لن تستطيع القضاء على الإرهاب والاغتيالات في الجنوب بصورة نهائية, لطالما بقيت الحدود بين الشمال والجنوب مفتوحة, وهو ما يستوجب إغلاق هذه الحدود وقطع الحبل السري بين صنعاء وعدن لضمان تثبيت الأمن واستئصال الإرهاب في جنوبنا الحبيب.