fbpx
رحيل الصريمة…رحيل جيل

 

♦ ودعنا من ايام الشيخ أحمد فريد الصريمة .. رحل الشيخ كما يصفه محبوه وحتى أعدائه .. رحل بعد حياة عاصفة وصراع قاس مع المرض ..وصراع أكثر قسوة وأكثر رخاء مع الحياة ..لم يكن رحيله رحيل رجل عادي .. لأنه كان رجل غير عادي ، لم يكن كسائر أفراد جيله ممن فرضتهم في الواجهة أنسابهم فقط أو أبرزتهم ولمعتهم الاحزاب… هو من أكرم العائلات العولقية لكن مافرضه إلى جانب ذلك بصمات وميزات شخصية ميزته عن سائر جيله ..

♦إقرأ في رحيله رحيل جيل جنوبي كان طابعه ثأري. . فالثار والإقصاء لم تكن سمة حكام ذلك الجيل الذي أضاع وضيع بل اتسم به ايضا كثيرا ممن عارضوه فلم ينتج المعارضون له معادلة قواسم مشتركة فيما بينهم حتى الآن …فضاعوا واضاعوا وضيعوا !! كأن لسان حاله يردد:
ما انا الا من غزية أن غوت غويت وان ترشد غزية ارشد

♦ رحل رجل كان مشروعا بحد ذاته .. كان حاد الطبع السياسي ، فبالرغم من انه نهل تعليمه من الغرب واخذ شهادته في القانون من أرقى جامعاتها الا انه لم يدير عمله السياسي كما تقتضيه المدرسة الغربية بل بطريقة الصوت العربي الذي لايعرف منطقة وسطى في الخصومة السياسية ، ولا قبول للتفاوت في التحالف السياسي ..
كان من أشد خصوم الخيار الاشتراكي في الجنوب لكنه كاقرانه بالمقابل الذين لم يبدعوا جبهة عريضة لمناهضته … لم يدخر جهدا ولا مالا علاقة في مناهضته ومقاومته ليس على مستوى الجنوب ..بل وله ادوار مركزة لمنع تمدده فكرا وممارسة على مستوى الاقليم….
وعسكريا فقد كان طابع إدارته لمعاركه في الجنوب يقارب ” النكف القبلي ” في زمن لم يعد النكف قادر على مواجهة الجيل الثاني من الحروب ناهيك بجيلها الرابع

♦كان من دعاة الوحدة الوطنية الجنوبية حين ظهر ارتباك الحركة الوطنية وضيق افقها بعيد الاستقلال وبرزت الأثرة وحب الحكم لديها..ثم صار من رموز وقادة ثورة الوحدة الوطنية التي انطلقت في 27 / يوليو / 1968م من كور وبلاد العوالق وكان أحد قادتها الميدانيين ومن أبرز الشخصيات التي بذلت ماتستطيع لجلب الدعم لها …لكنها ثورة جاءت في زمن والتعبئة الثورية الشعاراتية عن الوحدة والنضال ضد الإمبريالية في ذروتها تصم الأذان وتحجب العقول بحواجز حجبت وعي الجماهير عن مصالحها فتم قمعها بين التزامات سياسية لم تتنفذ وخيارات عسكرية بدون رحمة تحت وابل كثيف من التشويه وادعاء العمالة للامبريالية والرجعية …

♦ثم انطلق إلى عمان في سبعينات القرن الماضي ووقف مع مجموعة من أبناء المهرة في ثورتهم ضد النظام اليساري في الجنوب حين استصافتهم عمان في شحن وثمريت ومناطق اخرى في اطار علاقات بالمثل ردا على دعم عدن للجبهة الشعبية لتحرير عمان وقاد وخاض مع زملائه المهريين اشرس المعارك حتى عام 1977م فتمت بعدها التسويات على منع الأذى على حدود البلدين.

♦قام بدور تفكيكي للجبهة الشعبية لتحرير عمان ..أخبرني زميل ممن كانوا يدرسون في تشيكوسلوفكيا حينها انه كان يزور دول أوروبا الشرقية ويلتقي بطلاب عمانيين كانوا مبتعثين من الجبهة في عدن ويحول دراساتهم إلى دول غربية واعطاءهم الأمان السلطاني وضمان وظائف مناسبة في بلدهم

♦ رغم أنه من منطقتنا ومن مشائخنا لكني لم اقابله في حياتي رغم أن كثيرا مما يؤمن به لا يتعارض مع ما أؤمن به ولم اكتب عنه وهو حي … ورغم ذلك فمهما كتبت لن افيه حقه سواء أتفقت معه في الطريقة أم اختلفنا ..لقد كان مدرسة مميزة في اللعب السياسي لن اجد لفظ يحتويه الا انه
” قيل” من أقيال جنوب العرب ، كان فارسا في كل مناحي حياته .. لم يقبل ان يكون الرقم الثاني حتى في علاقاته باسرته وعائلته ، نحت لنفسه مكانا سيظل شاغرا لن يملؤه أحد ، سيظل فارسا عولقيا وقيلا جنوبيا عربيا له فرادته.. فارسا لايخشى أن يواجه الصعاب وحده مهما تكالبت عليه الآنواء ولاعداء. كان فارسا مميزا من منجم فرسان ممتد بهم إرث يربط الفروسية بالوجاهة في التاريخ مهما كبت جيادهم لكنهم سريعا ما يعطفون الكرة بعد الكبوة

♦لم يكن شعاراتيا فيما يؤمن به ويعمله…. ولم يكن ممن يغالطون الناس بالاحتماء بالايديولوجيا …فعقيدته في السياسة أن لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة ..لذلك ايد الوحدة باعتبارها خيارا فرضته مصالح نخب حاكمة لم يستشر فيها مثلما لم يستشار غيره ، رأى في الوحدة حينها خيارا سيغير خارطة العمل السياسي كما روج لها الذين وقعوها!! ولما ظهرت بوادر الخلاف بين طرفيها اختار الجنوب…لكنه لم يقرأ هزيمته بانكفاء أو باعادة انتاج شراكة الطرف المهزوم التي ظلت تدندن حولها نخب هزمتها الحرب ..بل قرأها بثاقب بصره فرأى في الاحتلال الارتيري لارخبيل حنيش مفصل رئيس لاعادة فرض شراكة جنوبية وعاد إلى صنعاء علها تتجرع بالدهاء كأس جرعته غيرها، لكنه كمن يبيع التمر في ” هجر” صنعاء لايهمها البحر بل البر .. وعرض على النظام ورأسه بالذات استعداداته وعلاقاته لخيارات عسكرية تعيد الشرف لعسكرية يمنية جرحه اذلالها. ..عسكرية لايهمها ولا يهم قادتها الشرف بقدر مايهمهم التهريب والنهب …جاء وقدم عرضه لعله يصل الى حالة تتوازن العملية السياسية فيها … لكن صنعاء حسمت أمرها بأن أي اذلال يهون في سبيل احتلال الجنوب ..فاستدعاه رأس النظام صبيحة أحد الأيام في رحلة جوية ولما وصلت الرحلة فوق صحاري شبوة وحضرموت ناداه : ( ياعولقي ، هان حنيش!!
وتبادلا ضحكتين !!

♦كان ارستقراطيا بالتسميات الحديثة لكنه عصاميا في حياته الشخصية نحت واسس أمبراطورية مالية كبيرة بجده وجهده وجدارته وذكاءه المتقد وعلاقاته الواسعة المتشعبة تجاوزت أعمالها عمان إلى المدى الدولى في الغرب والشرق ، احتضنته سلطنة عمان فكانت بلده الذي لم يولد فيه واعطته من الفرص ما اعطته للنابهين من ابنائها وكان بالمقابل نعم الرجل وفاء وصدقا لها

♦ رحل مع اسرته كسائر من رحلوا قبيل الاستقلال ولم تكن تلك الأسر ذات ثراء في موطنها كي تنقله إلى مواطن لجؤها وشتاتها بل كانت اسر قبلية لاتختلف معيشتها كثيرا عن أسر مجتمعها إلا أنها كانت ذات شأن قبلي وأسري في تلك القبائل وليست في سلم اجتماعي ارقى منها.

♦ رحم الله الشيخ أحمد فريد الصريمه واسكنه فسيح جناته.. ترك مكانا سيظل شاغرا.