fbpx
كاتب صحفي يفند أكذوبة” واحدية الثورة اليمنية ” ويسرد علاقتها بتاريخ 7/7/1994م
شارك الخبر

قراءة لشعار ” واحدية الثورة اليمنية ” كشعار اصطلاحي وعلاقته بتاريخ 7/7/1994م 

بقلم : عبد الودود الهاشمي

بعد الفترة التي تلت 7/ يوليو 1994م ظهر في الخطاب السياسي اليمني الشعار الاصطلاحي الشهير “واحدية الثورة اليمنية ” والإصرار على ترديده كأحد الثوابت التي لا تحتمل النفي وذلك كلما حلت المناسبات الوطنية المتعاقبة سبتمبر – اكتوبر – نوفمبر. فما سر هذه التسمية الاصطلاحية التي ابتدعها المرجعية السياسية للنخبة الحاكمة في اليمن بعد 7/7/1994م ؟!
نحاول في هذه المقالة قراءة الشعار المذكور وأهميته المرتبطة بتاريخ 7/7/1994م الذي تم الإعلان فيه عن اتمام اسقاط مدينة عدن وكل الجنوب عسكرياً ، كما نحاول قراءة عدة صيغ احتمالية للشعار المذكور بهدف الوصول إلى إجابة منطقية متطابقة مع الحقائق على أرض الواقع.
من منطلق الأدبيات الثورية اليمنية فإن ثورة 26سبتمبر هي الثورة الأم وثورة 14 أكتوبر هي الثورة الوليدة من الثورة الأم. ومن منطلق قناعات النخبة العسكرية – القبلية الحاكمة في اليمن فإن الجمهورية العربية اليمنية ( اليمن الشمالي ) هو الأصل ، وأن جمهورية اليمن الديمقراطية ( اليمن الجنوبي ) هو الفرع ، وأنه في يوم 7/7/1994م تم استعادة الفرع إلى الأصل .
كذلك من منظورهم أيضاً ، أن يوم الوحدة 22 مايو 1990م, فعلاً وواقعاً , كان يوم لعلي سالم البيض ومعه الجنوب ، باعتراف الرئيس السابق ( صالح) نفسه ، الذي خذله يومها الملأ من قومه ؛ حيث انقسم ذلك الملأ على نفسه في مسألة الوحدة مع الجنوب ، فقسم كبير من ذلك الملأ كان رافضاً للوحدة ، وقسم لا بأس به كان متردداً ومتلكئاً ولم يصل إلى حسم نهائي مع الوحدة أو ضدها .وقلة قليلة حزمت أمرها مع (صالح) بنعم للوحدة . بعكس الجنوب الذي وافق بالإجماع كون الوحدة هي هدف من أهداف ثورته وطليعته السياسية الحاكمة و جماهير الشعب التي تربت على حب الوحدة وضرورة تحقيقها. فعاد صالح إلى ملأه من عدن، ولكن كان معه نائبه (علي البيض) الرجل الذي استحوذ على أضواء مجد هذا اليوم من حيث الشجاعة والإيثار والصدق والوفاء والإخلاص وهي أمور اتضح لاحقاً ، أنها كنت تنغص على ( صالح ) شعوره بالعظمة والزعامة ، حتى وإن ألغى صورة صاحبها ( نائب الرئيس علي البيض ) من المواد التوثيقية لذلك اليوم المجيد.
ولهذا كان يوم 7/7/1994م بالنسبة لصالح هو اليوم الذي لا ينافسه في مجده فيه أحد ، وهو يوم حصري عليه ، يؤسس لمرحلة جديدة كان من شعاراتها ” واحدية الثورة اليمنية ” . إذاً فما اهمية يوم 7/7/1994م كتاريخ أسس لظهور هذا الشعار الاصطلاحي ؟! ولماذا لم يقولوا مثلاً ” وحدة / وحدوية الثورة / الثورات اليمنية ” ؟! وإنما تم التركيز والتكريس بشكل قصدي على لفظ ” واحدية ” وليس ” وحدة ” أو “وحدوية” ، وكذلك “ثورة” وليس “ثورات” ؟؟
في الواقع ، إن ثورة سبتمبر قامت ضد نظام حكم ملكي سلالي ، فوق رقعة جغرافية من الأرض تسمى واقعاً ” المملكة المتوكلية اليمنية ” ؛ هذه الثورة وهذه الجغرافيا ليس لهما علاقة بالرقعة الجغرافية الأخرى التي كانت تسمى ” اتحاد الجنوب العربي وسلطنات القعيطي والكثيري والمهرة” وثورة اكتوبر قامت ضد احتلال أجنبي بركائز سلالية محلية تجاوز عددها أكثر من عشرين كيان على رقعة جغرافية تسمى واقعاً “أتحاد الجنوب العربي وسلطنات القعيطي والكثيري والمهرة ” سميت لاحقاً “جمهورية اليمن الجنوبية” ، وهي ليس لها علاقة بالرقعة الجغرافية التي أصبحت تسمى ” الجمهورية العربية اليمنية ” . إذاً ، من هذا الواقع ، هناك ثورتان قامتا في تاريخين مختلفين فوق مساحتين جغرافيتين محددتين بحدود دولية قائمة و معترف بها لدى الكيانين الحاكمين القائمين عليهما حينذاك ” المملكة المتوكلية اليمنية ” و” اتحاد الجنوب العربي ” ، تلك الحدود والكيانات المعترف بها أيضاً من قبل الهيئات الإقليمية والدولية .
من هنا نستخلص أن هناك ثورتان حدثتا في زمنين مختلفين ، أي أنهما ثورتان مختلفتان في الزمان والمكان وهو ما يفسر ألفاظ الاصطلاح ” واحدية الثورات” من ” واحد “,أي كل ثورة هي ثورة مفردة ” أحادية ” قامت بذاتها ولذاتها وواحدية او احادية بمعنى كل رقعة جغرافيه حدثت فيها ثورتها ، أي أن ثورة سبتمبر ثورة “واحدة” حصلت في المملكة المتوكلية اليمنية ، فيما بعد الجمهورية العربية اليمنية ، رقعة جغرافية ” واحدة” محددة بحدودها. وثورة اكتوبر حصلت بعد الأولى بأكثر من عام ، هي ثورة مفردة قامت بذاتها ولذاتها في اتحاد الجنوب العربي وسلطنات القعيطي والكثيري والمهرة / فيما بعد جمهورية اليمن الجنوبية ، رقعة واحدة محددة بحدودها ، ومحصلة ذلك هو ما تنطبق عليه التسمية الاصطلاحية ” واحدية الثورات اليمنية ” ، كل ثورة على حدة ، في كل رقعة جغرافية على حده ، في زمنين مختلفين ، وهو الواقع الموضوعي الذي لا تنطبق عليه التسمية الاصطلاحية ” واحدية الثورة اليمنية” في صيغة الشعار المبتدع الذي تم اختراعه والترويج له قصداً.
أما إذا اعتبرنا ، طبقاً للأدبيات الثورية اليمنية أيضاً ، أن هناك في الواقع الموضوعي ثورتان بالفعل ، حدثتا في زمنين مختلفين ، على رقعتين جغرافيتين مختلفتين ، كما أوضحنا آنفاً ، وأن ” الوحدة ” تكمن بينهما في أن الأولى ( سبتمبر ) دعمت انطلاق الثانية ( اكتوبر ) من منطلق فكري وحدوي في المقام الأول ” ,أي الفكر القومي” ، هنا يكون لفظ ” وحدوي ” وليس ” واحدي ” هو الملائم بحيث يكون التوصيف معترف بتعدد الثورات ” ثورتين ” زماناً ومكاناً ، وبرغم هذا التعدد ، فإن العامل المشترك بينهما هو الوحدة ، فكراً وسلوكاً تجسد في أن الثوار الذين قضوا على الحكم المتوكلي اليمني وسمّوا كيانه الجغرافي الجمهورية العربية اليمنية ، دعموا ثوار اكتوبر بشكل لامحدود بالعدة والعتاد والأرض التي ينطلقون منها ثم يعودون إليها في العمل العسكري والسياسي وكذا الدعم المالي واللوجستي …..إلخ. وأنه في المقابل كان ثوار وجماهير الجنوب قبل ذلك قد انخرطوا بأعداد كبيرة في الدفاع عن ثورة سبتمبر التي لم تمر عليها عدة أيام حتى بدأت فلول النظام الملكي المتوكلي بإسناد ودعم لا محدود من السعودية وأمريكا وبريطانيا واسرائيل ” )طبعا الكل ضد تأييد ومساندة جمال عبد الناصر للثورة( ” بدأت هذه الفلول بمهاجمة الثورة السبتمبرية ومحاربتها بضراوة لإجهاضها والقضاء عليها وإعادة حكم الإمامة الملكية المتوكلية من جديد كما حصل عام 1948م . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ،على اعتبار المشاركة الفعّالة لمقاتلي جبهة التحرير ” الجنوبية ” حصراً بعد لجوئهم الى الشمال بسبب اندحارهم من أمام الجبهة القومية في الجنوب في الأيام الأخيرة التي سبقت استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 1967- والفترة التي تلت الاستقلال ؛حيث استمرت مشاركة أولئك المقاتلين حتى وضعت الحرب الجمهورية / الملكية أوزارها بهزيمة الملكية في حصار السبعين يوما على صنعاء وعودة انصارها أي الملكية بانقلاب 5 نوفمبر 1968م الأبيض الذي أزاح الرئيس السلال وفريقه من الحكم . نقول أن ذلك النضال المشترك بين ثوار سبتمبر وثوار اكتوبر قد جسّد ” وحدوية ” الثورات اليمنية ، ثورتان ، العامل المشترك فيهما هو الفعل الثوري المتبادل بين الثورتين ، تجسيد الفعل ” الوحدوي ” هذا يأتي من لفظة ” الوحدة ” وليس ” الواحدية ” ، وهو ما كان جديراً بالتسمية الاصطلاحية ” وحدة / وحدوية الثورات اليمنية ” فيكون الاعتراف هنا ” بتعدد الثورات ” ، ” ووحدوية ” الفعل الثوري لثوار هذه الثورات ، وليس ” واحدية الثورة ” وأما لفظ أو صفة ” اليمنية ” في الصيغة المذكورة آنفاً فيمكن اطلاقه على متعدد بعكس اختزال المتعدد ” ثورات ” إلى واحد ” ثورة ” مثلما يقال ” دول عربية ” ، فصفة ” عربية ” يمكن اطلاقها على واحد ” دولة عربية ” ويمكن اطلاقها على متعدد ” دول / أقطار عربية ” .
وأما التسمية الاصطلاحية ” وحدة / وحدوية الثورة اليمنية ” من منطلق يرى بأن سبتمبر هي أم لاكتوبر ، واكتوبر هي ثورة وليدة من سبتمبر الأم ، ولذلك فهما ثورتان متوحدتان رغم تباعد تواريخ / زمن حدوثهما ؛ ولفظه ” اليمنية ” صفة للثورتين على اعتبار أن القطرين / الكيانين الجغرافيين اللذين كانا قائمين باسميهما قبل الثورتين هما في الحقيقة قطر/ كيان جغرافي واحد تاريخياً تجزأ بفعل قانون سيرورة الأحداث التاريخية ، وبعد انتصار الثورتين وقيام الجمهوريتين اعتبر كل كيان جغرافي نفسه ” باليمن” “يمن شمالي” و “يمن جنوبي” . ومن هذا الاعتبار نستخلص أن هذين الكيانين الجغرافيين هما كيان جغرافي واحد . وعليه ، فإن هذا الكيان الجغرافي الواحد ، المجزأ واقعاً بفعل الأحداث التاريخية ، والثورتين متوحدتين فكراً تم تجسيده بالفعل الثوري الوحدوي لهما ، وتأسيساً على ذلك ومن منطلق الواقع ، فالثورات اليمنية ، سبتمبر واكتوبر ، هي ثورات ” وحدوية” لكيان جغرافي وهو ما تنطبق عليه ألفاظ الشعار الاصطلاحي المفترض ” وحدة / وحدوية الثورات اليمنية ” مبنى ومعنى .
أما “واحدية الثورة اليمنية” فإنها تفسر معنى واحد فقط منافي للواقع الموضوعي . فهو يعني براجماتياً لدى أصحابه ومخترعيه أنه ليست هناك ثورات غير ثورة واحدة ، أي ثورة “سبتمبر” ، وأنه ليست هناك كيانات جغرافية حصلت فيها الثورات غير كيان جغرافي واحد هو ” اليمن” يعني براجماتياً “الشمال ، وهو ما يوحي بأن “واحدية” الثورة ، بمعنى ثورة واحدة ، هي الثورة الأم “الأصل” ، ” وواحدية” اليمن ، هي أن هناك يمن واحد فقط هو اليمن “الأصل” ( الجمهورية العربية اليمنية ) وما عدى ذلك يُعد من باب الفروع العائدة للأصل . بمعنى أدق ” سبتمبر ” ، أم، أي “أصل” و”أكتوبر وليدة من الأم ، أي فرع من الأصل ، واليمن الشمالي أصل واليمن الجنوبي فرع تابع للأصل ” . وهذا هو المعنى الإلغائي بذاته ، قصديا لدى أصحابه . أي الاعتراف “بواحد” وإلغاء ما عداه ، حتى وإن كان ذلك متناقضاً مع الواقع الموضوعي . وعليه فإن الإصرار على التسمية الاصطلاحية ” واحدية الثورة اليمنية ” هو الإصرار المقصود للمعنى الإلغائي ، أي إلغاء الآخر وعدم الاعتراف به كثورة وكيان مستقلين بذاتهما لذاتهما لغاية في نفس مخترع الشعار الاصطلاحي هذا ، وهو ما يفسر السلوك الفعلي لشريك الوحدة – الذي حقق الظفر العسكري في 7/7/1994م – منذ عشية الوحدة وما بعدها ؛ أي السلوك الإلحاقي في الفترة الانتقالية اثناء وجود الشريك الآخر الوحدوي ، والسلوك الإلغائي بعد 7/7/1994م التاريخ الذي دشن فيه الشريك الظافر عسكرياً الفعل الإلغائي على الشريك الآخر الوحدوي المهزوم عسكرياً, إلغاءً كاملاً على أرض الواقع ، بحيث نستنتج أن أصحاب الشعار الاصطلاحي “واحدية الثورة اليمنية” كانوا قصداً وواقعاً يكرسون مفهوماً إلغائياً ، إلغاء الآخر ” الجنوب ، شعب ،تاريخ, جغرافيا ، مكونات سياسية شعبية ” مع الاسف بشكل يتنافى مع الواقع الموضوعي المتمثل بالتعدد هذا التكريس الذي يعني تكريس “الواحد” الإلغائي لغيره ، وليس “الوحدوي” الذي يعني “التعدد”أي الاعتراف والقبول بالأخر بكل كياناته الشعبية الجيوسياسية في اطار وحدوي وليس واحدي ،هذا “الواحدي ” الالغائي هو ما يفسر مقولات الأصل والفرع ، وعودة / أو إعادة / أو استعادة الثاني “الفرع” إلى الأول “الأصل” في عقلية أصحاب الظفر العسكري في 7/7/1994م كما كشفتها على الواقع سلوكياتهم ، وكذلك الأحداث في الأيام التي أعقبت ذلك التاريخ “الظافر” الذي دشنت فيه مرحلة إلغاء الآخر – إلغاء الجنوب .
“عبدالودود الهاشمي”

أخبار ذات صله