fbpx
الحـــــــوثي هــــــو الحـــــــــل / عابد المهذري
شارك الخبر
الحـــــــوثي هــــــو الحـــــــــل / عابد المهذري
الحـــــــوثي هــــــو الحـــــــــل.. 

عابد المهذري:

الخروج من المحنة الوطنية والانتصار لليمن وشعبه في الشمال والجنوب لن يكون عبر تطبيق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فقط وكما وردت على الورق.. لابد من إنعاش بنود المبادرة بفكرة تساعد على التطبيق وليس بأفكار تعرقل التنفيذ.. الحل اليمني لن يتحقق بمعزل عن اليمنيين سواء دعاة الانفصال أو أنصار الوحدة.. الاكتفاء بما ورد في نصوص المبادرة لن يؤدي –إذا ما تم- سوى لتسوية الأزمة السياسية.. باعتبار هذه “الأزمة” هي التي جاءت المبادرة وآليتها لمعالجتها.. فيما “الثورة” تنتظر مبادرة ميدانية تنتصر لأهدافها بما قد يؤدي إلى حاجة لمبادرة أخرى لتسوية المشكلة بين “الأزمة” السياسية و”الثورة” الشبابية.

المبادرة ولدت من رحم ثورة أو انتفاضة أو هبّة شعبية خرجت لإسقاط النظام ورفعت شعار إنقاذ الوطن وأبنائه من الانهيار والفناء.. لكن طغيان هيمنة الصراع السياسي بين الأحزاب السياسية “المؤتمر والمشترك” دفع إلى إيجاد حل توافقي بين المتصارعين عبر المبادرة الخليجية.. فيما الثوار المنتفضون لإنقاذ البلاد وتغيير الحكام ومنظومة الحكم بقوا خارج اهتمام مبادرة التسوية.. معها بقي الوطن والثورة والشعب كما هو عليه من سيئ إلى أسوأ.. لأن مبادرة الخليج لم تتطرق لآلية تسوية الوضع اليمني الذي هو جغرافيا وسكان وتاريخ ودولة بل عالجت قضايا حزبية لأطراف معينة وساهمت بإبعادها عن الاصطدام.. فيما تجاهلت الساحة العريضة من أي معالجات كما لو أن المبادرة هدفت لتأجيل المعركة أو ترحيل موعد الصراع.

أعني أن الخطأ الكبير كان في اختزال البلاد والعباد في مكونات وأطراف محددة وتصوير هذه الأطراف والقوى كما لو أنها كل اليمن والضغط بهذا الاتجاه والعمل على بلورته واقعا بقوة الأمر الواقع.. في حين أن نصف عام من تدشين المبادرة لم يحقق التقارب المأمول بين الأحزاب المتصارعة الموقعة على المبادرة.. فما بالك بإمكانية المبادرة في إخراج اليمن من المحنة والنجاح في إنقاذ الوطن من خطر الحرب الأهلية ما دامت المبادرة الخليجية وآليتها ورعاتها الإقليميون والمشرفون على تنفيذها من الدول العظمى والأمم المتحدة ومجلس الأمن عاجزين عن خلق أدنى انسجام أو تقدم في أداء حكومة الوفاق المشكلة بالتقاسم بين القطبين المتصارعين المؤتمر والمشترك.

إنها الحقيقة المؤلمة التي لو استمررنا بالتغاضي عنها والتجاهل لها فإن الكارثة المقبلة ستحتاج لألف مبادرة ومبادرة.. ذلك أن ما تبقى من زمن المرحلة الانتقالية لا يشجع أبدا على التفاؤل نظرا لمؤشرات الوضع الراهن الذي يسير وفق نصوص وبنود المبادرة.. لم يتقارب المؤتمر والمشترك ولا تفاهم الثوار والأحزاب ولا تلاشى شبح الانفصال ولا تراخى الحوثي ولا انحسرت القاعدة ولا تحسن الاقتصاد ولا استعدنا الأمن والكهرباء والوئام الاجتماعي الذي كان.

مازلنا نمضي على ضوء المبادرة في سبيل تجنيب البلاد الحرب كخطر محدق.. في الوقت الذي نهدد فيه المعارضين للمبادرة الخليجية والرافضين لآلية تسوية الأزمة بالحرب.. لا أدري كيف يمكن التعامل بهذا المنطق إذا كانت بـ«الحرب»!! هي الحل الوحيد لأي طرف يرفض مبادرة هي في الأصل وجدت لمنع اندلاع الحرب.. أي أن الثوار الحقيقيين من شباب الثورة السلمية ومعهم الحراك الجنوبي وجماعة الحوثي الذين شاركوا في ثورة المشترك ضد المؤتمر –مجرد تسمية غير دقيقة- هم المهددون الآن بشن الحرب ضدهم لأنهم رفضوا المشاركة في الحرب بين المؤتمر والمشترك العام الماضي.. وآثروها انتفاضة سلمية فيما طرفا صراع الأزمة السياسية أشعلوها مواجهة دموية.

المبادرة ليست قرآناً منزلاً.. وإذا كان هناك من يعتبرها كذلك.. فهناك مع التشريع السماوي رديف آخر هو السنة النبوية.. من هنا يمكن النفاذ إلى حلول أخرى تساند معالجات المبادرة لأن السير وفق التسوية مع التفاخر بالحكمة اليمانية يثبت العكس ويدل أن الحكمة خليجية والإيمان هو اليماني فقط ما دام يؤمن بالمبادرة وإلا فهو كافر مرتد إن عارضها وبحث عن بدائل حل أفضل.. ولو بادرنا لدعم المبادرة بمقترحات قد تبدو مستفزة رغم منطقية ما بنيت عليه.. أقترح الإسراع بتعيين نائب لرئيس الجمهورية.. حتى وإن كانت المبادرة لا تنص على ذلك.. فالواقع يتطلب وجود من يشغل حيز المكان ويتربع في المنصب الشاغر.. لا تقولوا لي إن موقع نائب الرئيس هامشي ولا يستحق الاهتمام.. لأننا نريد نائبا للرئيس قوياً وله كامل الصلاحيات ليس كما كان سائدا في سنوات النائب عبدربه والرئيس صالح.. فمن خلال إعادة الاعتبار لهذا المنصب عبر اختيار موفق وثاقب للشخص المناسب سنعيد الاعتبار للدولة الضعيفة والانتصار للوطن المهدد والشعب المنقسم بما يحافظ على المستقبل من التبعثر.. أعرف أن الدستور المجمد نص على وجود نائب للرئيس والدستور القادم سينص عليه أيضا.. فما المانع من التمهيد للقادم من الآن إذا ما كانت المرحلة الانتقالية هي مجرد تهيئة لما بعد 2014م المحفوف بمخاطر الانفجار قبل الموعد المحدد. قد يكون الرئيس عبدربه منصور أكثرنا إدراكا لأهمية وجود نائب له.. ومن سنواته الطويلة نائبا لرئيس الجمهورية سيكون قد لامس الانعكاسات السلبية لتعطيل صلاحيات ودور المنصب وشاغره.. ولنا عبرة حسنة في النتائج الإيجابية لتفعيل الصلاحية والمهام للنائب في عهد علي سالم البيض بغض النظر عن ظروف المرحلة تلك التي أفرزت الصدام والظروف الراهنة المواتية لإفراز الأمان.. ولا مانع من الاستفادة من النقاط الحيوية لتجارب دول عربية وإسلامية ملتهبة فيما يخص الاستعانة بمنصب النائب لحلحلة الصراع مثلما جرى في السودان والعراق والأكراد  وحتى أولياء العهد لملوك الخليج.. بحيث يكون نائب الرئيس ممثلا شرعيا في جهاز الدولة لشريحة واسعة وتيارات وقوى مبعدة عن الشراكة في الحكم ومقصية عن المشاركة في صناعة القرار رغم حضورها المؤثر والقوي على الأرض سياسيا وجماهيريا وفكريا.. أما الإبقاء على النائب والمنصب كمجرد حضور شكلي مكمل لهيكل المؤسسة الرئاسية كما كان قائما في عهد حزب المؤتمر الحاكم باليمن..

فليس سوى مجرد عبث غير مدروس تسبب في صناعة أكثر من نائب للرئيس بشكل غير معلن أو محسوس.. يعتبر علي محسن أنموذجا له حينما وجد في غياب الدور الحقيقي للنائب فرصة مواتية لسد الفراغ وممارسة صلاحيات النائب المفقودة أو المصادرة.. ومثلما كان علي محسن رجلا ثانيا أو الرجل الأول في حكم صالح مستفيدا من غياب وتغييب دور النائب الشرعي عبدربه الذي أصبح اليوم رئيسا للجمهورية تاركا الفراغ نفسه الذي يسمح لشخص مثل علي محسن –مثلا- من لعب دور النائب للرئيس أو الرجل الثاني في الحكم منتزعا صلاحيات واسعة كانت في الأصل مكفولة للنائب الغائب والمنصب المفقود.. بمعنى أن تعمد تهميش عبدربه منصور كنائب للرئيس السابق عن أي دور عملي مؤثر من واقع صلاحيات ومهام منصبه تسبب في تكوين قوى ضاغطة على قوة الدولة ومنظومة الحكم بدون مشروعية.. أي أن قوة علي محسن –مثلا – لم تكن ستصبح بهذا الحجم اليوم لولا تمكينه سابقا وحاليا من التموضع في موقع النائب الأول والرجل الثاني.. ولو أن النظام السابق أعطى للنائب سابقا الهامش المتاح من الصلاحيات لما كان الاحتقان الجنوبي قد بلغ من التضخم حد المطالبة بالانفصال.. اختيار عبدربه لمنصب نائب الرئيس جاء لإظهار شراكة الجنوبيين في الحكم بينما لم يشعر الجنوبي بهذه الشراكة نتيجة نزع الصلاحيات الدستورية من النائب الجنوبي.

من الغباء السياسي الفاحش إغفال هذه الجزئية وتجاهل معالجة هذا الاختلال.. ربما كان الخطأ الأكبر في العقود الأخيرة للتاريخ اليمني.. هو الدفع بالعملية السياسية إلى خلق قوتين فقط لإيجاد التوازن المطلوب لضبط الحياة العامة وصولا إلى بلورة المكونات اليمنية في قطبين متعادلين نسبيا (المؤتمر والمشترك) متورطين في توسيع الخطأ من خلال عدم السماح في إيجاد “قوة ثالثة” كانت ستكون رمانة الميزان التي بوجودها سيتحقق التوازن الصحيح داخل الخارطة الوطنية.. يتكرر الخطأ حاليا بمستوى خطورة أكبر من مخاطر الماضي.. الإبقاء على قوتين فقط تسيطران على المشهد القائم وتتشاركان رسم معالم الزمن القادم بعيدا عن “القوة الثالثة” الموجودة على أرض الواقع يدفع بالأوضاع المتذبذبة إلى صراع عويص بلا نهاية.. للتوضيح أكثر.. فشلت القوتان “المؤتمر والمشترك” في الاستحواذ على نصف المكونات المشكلة للمجتمع اليمني وعجزت عن ضم جزء واسع من الشعب إلى صفوفها سواء بالأحزاب أو التكتلات أو الانتخابات.. أخفق الاشتراكي في احتواء الجنوب وعجز الإصلاح في استيعاب النخبة المدنية وفشل المؤتمر في السيطرة على القوى التقليدية.. تشكلت القوتان –أساسا- وفق مؤشرات مزيفة لانتخابات برلمانية مشكوكة النزاهة.. رفع الطرفان الديمقراطية كمنهج عملي تبعا لعواطف متحمسة وافتقاداً لمنهجية عملية تتقصى مدى الملاءمة والفهم لتركيبة المجتمع المحلي وتعقيداته القبلية والمذهبية.. البناء على هذا الزيف والاتخاذ من الوهم المزيف أرضية للتعاطي مع الواقع بمفاهيم متقاطعة جذريا مع تراكمات البيئة ذات الخصوصية الضاربة في العمق الثقافي للإنسان اليمني جنوبا وشمالا.. أدى لتركز التنافس والمنافسة والاستقطاب في صنعاء وما حولها.. يمكن ملاحظة انجرار الاشتراكي من عدن للمزاحمة داخل العاصمة تاركا ملعبه للاعبين الوافدين مقابل ضعفه في التواجد بملاعب الشمال.. تقاسم الإصلاح والمؤتمر المساحات الشعبية للنخب الايديولوجية والأسر الإقطاعية والمشائخ في نطاق المناطق المحيطة والقريبة من العاصمة صنعاء وبدرجة رئيسية وبشكل أساسي حاشد وبكيل.

القوة الثالثة موجودة وقائمة.. ليست وليدة الفترة القريبة.. بل صنيعة الفترات الماضية.. هذه القوة هي حصيلة ابتعاد القوتين عنها كما لو كانت فائضة عن الحاجة للمؤتمر والمشترك.. حين بلغ العناد السياسي حد التصارع على منطقة صغيرة مثل “أرحب” القريبة من صنعاء وإهمال محافظات قريبة أيضا للعاصمة مثل ذمار والمحويت.. سباق المؤتمر والإصلاح للظفر بمديرية “أرحب” دفع الاشتراكي لتجريب حظه في المناطق الوعرة.. دخل حزب النجمة الحمراء في معركة “أرحب” تاركا المساحات الفارغة المنتظرة حضوره مثل تهامة وتعز والمناطق الوسطى.. بالتوازي مع حرص المؤتمر البالغ لكسب ولاء خولان وبني ضبيان مقابل خسارة محافظة بحجم الحديدة أو حجة.. كذلك الإصلاح يبذل جهوداً جبارة للسيطرة على الجوف وبإمكانه بنصف هذه الجهود السيطرة على شبوة وحضرموت.. ليس في الأمر فطنة دهاء أو تكتيكا استراتيجيا بعيد المدى.. كل ما في الأمر استدعاء موروثات الماضي والاعتماد على تفاصيل تاريخية كمرتكز عصري للوقت الراهن.. تتحكم الذهنية السياسية المعطلة على قاعدة عمل معطوبة.. تقوم حيثياتها على أساس صناعة مسار الحاضر على أطلال الماضي.. فالقبيلة التي كانت في صف الثورة هي الأولى بالاعتماد عليها لمعركة اللحظة.. والقبيلة التي وقفت مع الإمامة يجب إضعافها.. إنها قياسات خاطئة.. إذ لا يمكن أن يفوق دور أي قبيلة مهما كان مع الجمهورية الدور النضالي لرجال تعز في حسم نصر سبتمبر.. وإلا لكان الموقف السعودي مع الإمام ضد الثوار مقياسا لواقع اليوم الذي تحول فيه الصف الثوري والجمهوري إلى غرماء الأمس.. الحقيقة التي لايمكن إغفالها هي اتكاء القوتين “المؤتمر والمشترك” على قواعد جاهزة للتكوين وبناء القوة.. الإخوان المسلمون والقبائل المشاغبة والمتمدينون من المنطقة الوسطى والقادمون من الجنوب بفكر يساري والضباط القوميون.. كانوا نواة صراع الاستقطاب الأهوج.

ليس هذا موضوع هذه المادة المتعلقة بإنقاذ المبادرة الخليجية بمبادرة محلية عبر تعيين نائب الرئيس هذه المرة وليس بانتخاب وتزكية رئيس جديد للجمهورية.. سأطرح اسم “عبدالملك الحوثي” كمقترح لتولي المنصب.. باعتباره –من وجهة نظري- الشخصية الأنسب للتربع في هذا الموقع الذي من خلاله يمكن إخراج الوطن من المحنة وإنقاذ اليمن من شبح الحرب والانهيار.. طرح “الحوثي” هنا معزز بقراءة تفصيلية لجميع القضايا المتصلة من كافة الزوايا.. نستعرضها ببساطة ووضوح.. لنناقشها بمنطقية سلسة بعيدا عن التنظيرات السياسية العقيمة والتحليلات التقاريرية النخبوية.. سنتناول جزئياتها بلغة المواطن العادي وتفكير الشارع اليمني وفقا لطرائق حياة أبناء الشعب في الشمال والجنوب.. وحدويين وحراكيين.. ثواراً سلميين وبقايا نظام.. سلفيين وهاشميين.. زيوداً وشوافع.. جبالية وبدوان.. مهمشين وذوات.. فلاحين وباعة متجولين.. ولنجعلها تجربة متواضعة وسط تجارب فاشلة بالعشرات لكبار الساسة وأبرز السياسيين الذين يورطوننا أكثر في الأزمات كلما تداعو لإنقاذنا تحت عناوين متعددة لم يحصد منها المواطن سوى الخيبة ولم يستفد المواطن إلا الجري خلف السراب.. وقبل الدخول في عمق الموضوع.. يجب الإشارة إلى “القوة الثالثة” المرتبطة بفكرة “نائب الرئيس” المطروحة.. تتشكل هذه القوة الجديدة من القوى المهملة من أولويات القوتين الأكبر “المؤتمر والمشترك” ويعد الحراك الجنوبي وأنصار الله الحوثيون هما القطبان الأساسيان للقوة الثالثة.. ومعهما المتمردون على أحزابهم في المؤتمر والمشترك وما يقارب نصف المحسوبين على الثورة من شباب ميادين الاعتصام.. أيضا قطاع واسع من المستقلين والمستقيلين والمقصيين لاعتبارات مناطقية وسلالية وسياسية وعنصرية مثل الهاشميين والزمرة والطغمة وأبناء تهامة المظلومين وسكان الأرياف القبليين وأبناء المناطق الوسطى المضطهدين والمثقفين الباحثين عن كيان قوي.

هؤلاء وآخرون يكادون يجمعون على مباركة الانضواء في القوة الثالثة بقيادة الحوثي.. ليس مبالغة القول إن هذه القوة هي التي تنمو وتكبر وتزداد قوة وتوسعاً مزدوجاً جغرافياً وجماهيرياً.. مقابل تراجع متزايد وتفكك ملحوظ للقوتين المسيطرتين “المؤتمر والمشترك” لدرجة أنهم يسعون للتقارب والتحالف مع الحوثي إحساسا بقوته وفاعليته وشعورا بالحاجة إليه لتقوية الموقف وتعويض الانتكاسات المتلاحقة.. حتى الإصلاح الذي يقود علنا حربا شعواء مادية ومعنوية ضد أنصار الله وفي الخفاء يعقد معهم اتفاقيات ومفاوضات داخليا وخارجيا.. كما أن قدرة الحوثي في تسويق نفسه من خلال نموذجية صعدة كمشروع جيد يلبي تطلعات المواطن في الأمن والعدالة والتنمية والكرامة ساعده جدا وبفضل الثورة الشعبية في الانفتاح على الآخر وتقديم صورة مغايرة لما هو شائع عنه..

ليغدو الحوثي في غضون سنوات قليلة الرقم الأصعب بعدما كان رقما هامشيا تدافعت كل الأرقام لإزاحته ولكنه صمد لينال مكانة متقدمة تتصدر قائمة الكبار الأقوياء.. ولو قارنا بين مكاسب وخسائر الموافقين والرافضين للمبادرة الخليجية لتسوية الأزمة السياسية اليمنية.. لوجدنا أن المعارضين لها وعلى رأسهم الحوثي هم الرابحون والخاسرون هم الموقعون عليها من المؤتمر والمشترك.. على نحو يثبت دقة الحوثي في تحديد المواقف والثبات عليها دون تراجع كما يفعل البقية.. كان هناك من يتوقع أضرارا فادحة ستلحق بأنصار الله جراء رفضهم للمبادرة ومقاطعتهم للانتخابات الرئاسية.. لكن المراهنين على سقوط الحوثي في المنازلات السياسية خسروا الرهان وكسب الحوثي جولات النزال.. وإذا ما أردنا قياس الموقف الشعبي تجاه مبادرة الخليج قبولا ومعارضة.. يمكن اتخاذ الحوثي ترمومتر للمقايسة من واقع ما يحرزه من تمدد وتوسع وشعبية متزايدة بمثابة مؤشر يدل على رفض واسع للمبادرة ينعكس في القبول منقطع النظير بالحوثي وأنصار الله في الأوساط الشعبية والفعاليات الثورية والنخب الثقافية والسياسية والليبرالية.. فيما التقوقع والاهتزاز والنفور الشعبي يقابل الأحزاب والقوى المؤيدة للمبادرة الخليجية.. ذلك أن لجوء الخائفين من الإصلاح إلى الحوثي وذهاب الممتعضين من المؤتمر إليه واستغاثة المظلومين به واستعانة الضعفاء بقوته وطلب المستهدفين بنصرته وثقة الأحرار بمصداقيته وإعجاب الملايين بمواقفه وحرص الخارج عليه وتحالف خصومه معه وتوافد زيارات الوفود القبلية والإعلامية والعلمية والدينية والشبابية إلى معقله وتطور خطابه وانتشار شعاره وارتفاع دوي صرخته وتهافت الناس للتعرف عليه بقراءة ملازمه وإصداراته واطمئنان الخائفين من بطشه وخوف المخطئين من صرامته.. كلها مؤشرات لافتة تؤكد تعملق أنصار الله الحوثيين.

من شأن تعيين عبدالملك الحوثي نائبا للرئيس تحقيق ضمانات كبيرة لعدم تفجر عديد قضايا مفخخة.. كما من شأن ذلك احتواء القوة الثالثة في جهة الدولة بدلا من تركها بعيدا عن المحور كعامل قلق مزعج لتوجهات السلطة.. بوجود الحوثي في هذا المنصب ستشعر القوة الثالثة بوجودها داخل منظومة الحكم وشراكتها في صناعة القرار.. ومن الأفضل أن يتم توظيف طاقات وقدرات هذه القوة بما يساهم في الخروج من الأزمة وتأمين سير المرحلة الانتقالية وما بعدها دون عوائق مرحلية أو عراقيل مستقبلية.. وبوجود قوة ثالثة موازية للقوتين ستجعل المؤتمر والمشترك يعيدان التفكير والحسابات في تفاهمات التقاسم والمحاصصة وسيكون هناك نصيب مواز للقوى المهمشة والتيارات المبعدة عن التمثيل والتوزيع وسيكون جميع أبناء الوطن وكافة شرائح المجتمع وطوائف الشعب متواجدين على المسرح السياسي بتكافؤ عادل قائم على التواجد الفعلي فوق الخارطة وليس فقط داخل صناديق الاقتراع وعلى صفحات البرامج والخطط الورقية.. قبل هذا وذاك يجب التعامل مع المرحلة الراهنة بأسلوب تفكير مغاير للطريقة المعمول بها في المراحل الفائتة.. عدم إيجاد قنوات وآليات ذكية لاستيعاب المتغيرات الطارئة والاعتماد على التمثيل البرلماني أو تحالفات الأحزاب المعترف بها لا يكفي للعبور بالسفينة لشاطئ النجاة.. إذ ينبغي إدراك المسئولية الوطنية أولا بمنأى عن أي تقديرات أخرى حتى وإن كانت التزامات دولية للخارج أو اتفاقات بينية للداخل..

حساسية الوضع تتطلب إشراك القوى الفاعلة غير الرسمية وتشجيع القوة الثالثة على لعب دور مفصلي في اللعبة.. لأن تجاهلها لن يؤدي إلى فائدة بقدر ما يساعد على تقوية هذا الخصم العنيد وتوفير الأجواء التي يحتاجها لاستكمال بناء النفوذ.. لا أعني أن المطلوب اجتثاث القوة الثالثة لأن لا أحد يستطيع مهما حاول.. بيد أن الفائدة تتحقق بتحويل طاقات القوة الثالثة إلى وسيلة مساعدة على البناء وأداة فاعلة تدعم خطة إنقاذ الوطن وتعزيز الاصطفاف الوطني بجبهة واحدة متوحدة.

لا أعتقد شخصا آخر غير عبدالملك الحوثي تتوافر فيه المواصفات والصفات المطلوبة لمن يحل بموقع نائب الرئيس.. لا يعني ذلك انعدام الكفاءات وافتقار البلاد للشخصيات القيادية والأشخاص المؤهلين.. لكن الحوثي في هذا التوقيت تحديدا هو رجل المرحلة والخيار الوحيد.. قبل سنة من الآن لم يكن الحوثي هو صاحب الحظ الأوفر لهذا الاختيار.. الظروف تفرض واقعها وفقا لتداعيات الأحداث وتفاعل المستجدات.. أما لماذا الحوثي وعبدالملك تحديدا.. فلأن الإجماع حوله من مكونات القوة الثالثة شبه مطلق.. يتبادل مع مختلف فصائل الحراك الجنوبي وقادة وأبناء الجنوب بعلاقة متينة قائمة على التضامن وتشارك المظلومية.. علي سالم البيض وحيدر العطاس وعلي ناصر لم يبد منهم ما يسيء للحوثي ولم يظهر من الحوثي ما يستاء منه الجنوبيون.. وقد يكون الحوثي هو الشمالي الوحيد الذي يثق به أهل الجنوب ويصدقونه حتى وإن جاهر بانحيازه للحفاظ على الوحدة أمام مشروع الانفصال.. فادي باعوم زار صعدة العام الماضي وطارق الفضلي ممتن للحوثي بالاستجابة لنداء الإفراج عن مئات الاسرى من الجنود الجنوبيين.. ياسين سعيد يتغزل دائما بتفهم وتعاون الحوثيين.. الجفري يثني على الحوثي.. أبناء الضالع وشبوة وردفان يجدون روحهم الثورية تنبض في عروق أنصار الله.. علي سيف وعيدروس النقيب والنوبة وباشراحيل وحسن زيد بن يحيى والمعطري لا يهاجمون الحوثي أو يشكون منه.. كذلك الحال مع قيادات كثيرة بارزة من الاشتراكي والهاشميين والمشائخ والعسكريين والمفكرين أمثال سلطان السامعي وأحمد عقبات ويحيى الشامي وأبو اصبع وأبو لحوم ومبارك المشن وبن حيدر وبشرى المقطري وصلاح الدكاك ومحمد المقالح ومحمد مسعد الرداعي وأحمد سيف حاشد وعلي هيثم الغريب.. ونجيب المنصوري ولا يكاد يمر يوم دون وصول وفد قبلي من مشائخ ورجال مختلف القبائل اليمنية لزيارة صعدة والالتقاء بأنصار الله وصولا إلى إشادة المبعوث الأممي جمال بن عمر بالحوثي وخروج كثير من السفراء العرب والأجانب بانطباع إيجابي عنه..

أخبار ذات صله