fbpx
من مآسي الحرب..مقاولي الحروب والأزمات خَبْطَ عَشْوَاءَ

 

حينما أعلنت قوى الثورة الجنوبية تحرير عدن وباقي المحافظات الجنوبية كانت الناس تبحث عن قيادات ميدانية تحفظ مقدرات النصر وتصون تضحياته مع العلم أن شبكيات جهازي الأمن السياسي والقومي واستخباراتهما التابعة للمخلوع والقاعدة الفعلية ورموز الإصلاح اليمني جاهزين للحلم الذي لم يتحقق لتسلّم الدَفَق الشعبي البريء وإعادة تعبئته داخل صفوفها في حين كان غياب المتقاطرين على الاستحواذ السلطوي المقيت ودورها الضئيل مؤشراً واضحاً على إنقضاء مرحلتها نفسياً وفكرياً ووطنياً وهؤلاء قد اغتصبوا تلك اللحظة التاريخية واحتكروها لحسابهم وحدهم دون الآخرين جميعاً كما لو أن هذه اللحظة نفسها قد جرى تحريفها سريعاً من كوتها آتيةً بالثورة الشعبية الشاملة إلى كونها غارقةً في بحر من فوضى دموية عارمة.

إن تغييب السياسة من الحياة العامة يرجع بشعبها إلى ما قبل تكوينه المدني حيثما تسود الروابط ومشتقاتها القرابية (العائلية) وأطرافها وحواشيها وفيها تهبط مؤسسة القيم والمحبة مستوى الرعاية الأخلاقية للجماعات والأفراد إلى مستويات التكوينات العُصابية المغلقة على عقائد ملتوية مدججة بأفكار هدامة مفادها الموت المحتم (شعائر وتأويلات شبه خرافية لبعض النصوص القدسية) لهذا تتعدد فضائلها مع تزايد التطلعات إلى مراكز (المريدين) أو الدعاة مع التزوّد بتأويلات مناطقية أخرى مختلفة في مجملها غير أن ثقافة العنف في الاعتقاد والسلوك والمواقف هي الثقافات المشتركة لمختلف هذه التصنيفات وإن هذا العنف المعمم سلوكياً هو السائد في عقليات الرموز السلطوية اكتسبوها من الطغاة وعالم أمسى تغطية اللحى والبنادق فحسب مظهر لوقار العار والانتقام من مدنية وحضارة المجتمع والسلام المنشود ..

ومع ذلك هذه المبشرات المشؤومة ليست عذراً لاستراتيجية من يختلق المبرهنات المبنية على الكذب والخداع وأن كانت له صله أو غير أحياناً لا ترى في الإرهاب إلا ظاهرة دينية خالصة مسؤولٌ عنها هو الإسلام خلال هذا الادعاء يتم تنحية واقع أطري مركزي معاً من جغرافية النظرة السياسية المنزهة عن الكتل المسبقة فمن صنع هذا الكم الهائل من دمويات العصر الانتحاري الراهن أليست هي هذه الاستراتيجية نفسها !! المتجاهلة لكل الأسباب الواقعية ليس لظاهرة التطرف الديني أو إرهابه عربياً وإسلامياً وحده.

بل إنها العلة الأصلية المسكوت عنها وهي في عقر دارها إنها اضمحلالُ السياسة والتنزيه الولائي حتى في وطنهم الأم فهذا الجنوب العظيم نفسه منذ أن سلَّم الكبار مفاتيحَ مستقبله كلها إلى يد الدكتاتورية وحدها كأنه حكم على فكره السياسي أن يتنازل عن مقعد القيادة ويشتغل مساعداً تابعاً لجبروتها..!! فإذا كانت الآلة هي القائمة بوظيفة المهندس المخطط والصانع البارع والناجح في وقت واحد في عصر الحداثة الغربية الأخيرة فلن يتبقى في يد سادة الاستعمار السابقين من آلة إلا السلاح الأبيض أو البندقية لكي تصبح هي الوكيلة الأولى لسلطة إمبراطورية التكنولوجيا.

إذن لقد اتفق الطاغي والباغي (سراً ) معاً على دفن السياسة معاً والتعليق على قبرها شهادة مبجلة كُتب فيها: هنا عاشت وماتت السياسة بعد ثلاثة عقود من الاضطهاد .. يقولون فلنعد إلى حضنها اللعين إن عادت الوطنية ترفرف خفاقة في أعالي الجنوب .. فهل يدرك شعب الجنوب وقياداته وزعمائه وعقلائه هذا الخطر القاتل من دوناك الجماعة .. !!!

 

* توطئة

رَأَيْتُ المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ تُصِبْ *** تُمِـتْهُ وَمَنْ تُخْطِىء يُعَمَّـرْ فَيَهْـرَمِ ـ

-زهير بن أبي سلمى