fbpx
ورود على فوهات البنادق ( الحلقة الاولى) * بقلم / إياد علوي فرحان
شارك الخبر

على أثر ثورة شعبية مسلحة طويلة الامد وواسعة النطاق امتدت لاكثر من اربع سنوات،أجلت بريطانيا العظمى قواتها عن عدن إحدى أهم مستعمراتها بالعالم وعن المحميات المجاورة لها في الثلاثين من نوفمبرمن العام 1967 منهية بذلك حقبة طويلة من استعمارها لهذا الجزء من ممتلكات التاج البريطاني بعد احتلال دام لمدة قرن وثلث القرن تقريبا،مخلفة ورائها تركة ثقيلة جثمت على أنفاس الكيان الذي ولد لحظة جلائها، وهي الدولة التي قامت في عدن وبقية المحميات الشرقية والجنوبية والتي عرفت فيما بعد في الأوساط الدولية والإقليمية ب”اليمن الجنوبي”.

لقد واجه هذا المولود حديث الولادة المصاعب منذ اللحظة الأولى التي أبصرت فيها عينيه النور،فلقد ترك في حال سبيله يواجه مصيره لوحده.. فالميزانية كانت خاوية ولم يترك البريطانيون حتى ما يسد الرمق لتسييرالأموراليومية للدولة الوليدة فكيف يكون الحال أذا ما كان الأمر يتعلق بالحاجات الحيوية الهامة الأخرى التي تحتاجها أي دولة في العالم للاستمرار والبقاء،وعلاوة على ذلك رفع البريطانيون أيديهم  واقفلوا مظلتهم الاقتصادية والاحتكارية الضخمة التي كانوا يتظللون بها في أهم مستعمراتهم في جنوب غرب أسيا وشرق أفريقيا وعن مدينتهم التجارية والاقتصادية الرائدة بالمنطقة، فكانت النتيجة  الشحة في كل شيء والتي كانت هي العنوان الأوحد والأبرز لتلك البدايات العصيبة.

كانت لندن قد قررت على ما يبدو أن تنقل أضواء شمسها التي لا تغيب إلى مكان أخر حينها،فهي لم تتعامل مع  هذا الكيان الجديد مثلما تعاملت مع أماكن عديدة استقلت عنها حتى بعد حروب ونزاعات مسلحة ضارية،حيث أبقت على شعرة معاوية وأقامت معها علاقات من نوع جديد ،بل أنها دفعت ببعضها لتكون  لاحقا متربعة على القمم التجارية والصناعية والمالية العالمية والأمثلة والنماذج التي تؤكد هذا الأمر وتوضحه كثيرة، فدأبت بدلا من ذلك بقرع أجراس الإنذار المبكر لكل حلفائها بالمنطقة محذرة إياهم من هذا المولود الحديث الذي لم يكن قد تنفس الصعداء بعد، وكأنها كانت قد رسمت فعلا ومنذ أمد بعيد وكعادتها ملامح المستقبل الذي ينتظره!!

لم يكن غريبا أن تقدم جارات “اليمن الجنوبي” الثرية والقوية والأكبر سننا والاكثر تمرسا على جعل أبوابها موصدة في وجهه منذ الوهلة الأولى وهو الشقيق المولود حديثا صغير السن الذي لم يكن يفكر بعد في الدخول على خط ترتيبات “يالطا” واستقطابات الحرب الباردة و “لوترية” انقساماتها المدروسة.

لقد تركت بريطانيا أمام تلك الدولة الفتية معضلة أخرى لتواجهها إلا وهي مشكلة الحدود،وهي معضلة ذائعة الصيت لطالما تعمدت وتعودت بريطانيا  على تركها ورائها في معظم الأماكن  التي رحلت وارتحلت عنها،كيف لا وهي بمثابة اللغم البريطاني الشهير الذي ينفجر بك ولو بعد مئة سنة ،وهو أول خط من خطوط التماس في معظم النزاعات العربية البينية وأول أسباب الفرقة والبغضاء بينهم ،والذي عانى منه ولا يزال الكثيرون ممن كانوا تحت سيادة التاج البريطاني وحمايته.

ظلت مشاكل الحدود السبب الرئيس والمباشر لبقاء التوتر كسمة غالبة في معظم الأوقات على علاقات عدن بجاراتها الثرية وحتى وقت قريب،وربما يكون هذا السبب أضف إلى ما سبق ذكره من تحريض بريطاني للمنطقة ضد بزوغ هذه الدولة قد شكلا عاملا حاسما في التوجهات المستقبلية للنظام في عدن أدى في نهاية المطاف إلى انخراط عدن ضمن منظومة الفلك السوفياتي، فهذا النظام الوليد  سرعان ما وجد نفسه  بسبب إشكالات حدوده الطويلة التي تمتد مئات الكيلومترات مع جيرانه  يواجه كابوسا امنيا يضاف إلى جملة الكوابيس الأخرى والتي كان أبرزها الهاجس الاقتصادي والقبول الدولي به ومرونة إقامة العلاقات المثمرة معه وتطبيعها في أوساط الأسرة الدولية.

 انعكست المخاوف الأمنية بوضوح على سياسات جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية “اليمن الجنوبي” الوليدة تجاه جاراتها التي تحكم بواسطة أنظمة ملكية عائلية مدعومة بقوم مالية عالمية جراء استخراج النفط بكميات هائلة وبيعه،وكان التوجس السائد والذي مفاده بأن ثمة من يريد “قضم” أراضي الدولة الجنوبية الحديثة العهد وضمها له في تعاظم  مستمرحينها،ولاسيما مع بدء اندلاع صدامات واشتباكات حدودية في مرات عديدة،فسيطر الهاجس الأمني على المزاج السياسي العام للنظام في “عدن” وبرز نهمه الواضح للتسلح ورغبته الدائمة في بناء مقدراته العسكرية والأمنية وتعزيزها على الرغم من كل الصعوبات الاقتصادية التي تواجهه وما يمارس عليه من سياسات التجاهل والاحتواء التي كانت اقرب الى ان تكون “حصارغير معلن” من قبل دول الإقليم والدول الغربية المتحالفة معها ل”عدن”،لقد ادى هذا الفرز والتصنيف المبكر والغير مبرر والغير مفهوم في آن واحد للدولة الوليدة في الجنوب الى ازدياد حجم التهديدات لها واتسعاع رقعةالخصومة معها التي لم توفر حتى نظام “صنعاء” الذي صار هو الاخر في خصومة مع “عدن” والذي كان يحظى بوضع الافضلية المطلقة لذا دول الاقليم والغرب،فما كان من “عدن” إلآ و ان زادت وتيرة اهتماماتها وتطلعاتها العسكرية ورغبتها بالحصول على قدرات دفاعية رادعة ومنها ما تملكته فيما بعد من منظومات الصواريخ بعيدة المدى كما سيوضح لاحقا.

لقد عمد تقريبا كل الحكام الذين توالوا على الإمساك بمقاليد السلطة في عدن على  البحث المستمر والدائم عن مصادر التسليح وتنمية القدرات العسكرية والأمنية لبلادهم  وهو الأمر الذي كان يعد بنظرهم مبررا إزاء ما أظهره بعض الجيران من ميول توسعية ونوايا عدوانية مبكرة،وبمرور القوت وجدت “عدن”ضالتها وعرفت كيف تشبع نهمها وتنهي مخاوفها وتوجساتها ،عندما فتحت دول المعسكر الشرقي وبعض الدول العربية القريبة منه والمتوافقة معه خزائنها من السلاح أمام متطلبات  الدولة الجنوبية الفتية “المهددة” التي تمكنت لاحقا وبالرغم من كل شيء وبعد طول عناء من بناء قدرات دفاعية وترسانة عسكرية كبيرة لها وزنها بالمنطقة ويحسب لها حساب، هذا الوزن الذي لم يكن يحاكي حينها حقيقة الوزن السكاني والاقتصادي الصغير لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .

– انتهى –

 عدن – الثلاثاء الموافق 4سبتمبر 2012

* ناشط سياسي بالحراك الجنوبي و رئيس المكتب التنفيذي لملتقى ابناء شهداء ومناضلي ثورة 14 اكتوبر المجيدة (احرار) – عدن

أخبار ذات صله