fbpx
حـــــــــــــــــــــــزب في مصحـــــــــــــــــــة / نبيل ســــــــبيع
شارك الخبر
حـــــــــــــــــــــــزب في مصحـــــــــــــــــــة / نبيل ســــــــبيع

المؤتمر الشعبي العام حزب سيئ الحظ. فهو ولد من رحم السلطة كحزب حاكم واستمر كذلك منذ ولادته قبل ثلاثة عقود، لكنه لم يتمكن من التحول إلى حزب حقيقي وحاكم فعلي بسبب اقصاء مؤسسه ورئيسه الحالي علي عبدالله صالح وعائلته له من الحكم طيلة وجوده في رئاسة اليمن. وحين واتته الفرصة أخيرا للتحول إلى حزب حقيقي وحاكم أيضا بعد رحيل صالح عن رئاسة البلاد، بدأ المؤتمر التصرف كحزب معارض يخالج قياداته واعضاءه شعور عميق بأنه أقصي تماما من السلطة رغم أن رئاسة البلاد ونصف الحكومة والأغلبية البرلمانية ماتزال مع الكثير من مؤسسات الدولة في يده! هذه المفارقة عبرت عن نفسها بقوة كما توقعت تماما في احتفالية الذكرى الثلاثين لتأسيس المؤتمر التي أقيمت في القاعة الكبرى في العاصمة صنعاء أمس الاثنين.

الاحتفالية، التي أتت في لحظة خاصة واستثنائية تمر بها اليمن والمؤتمر الشعبي العام تحديدا، جرى الحشد والتحضير لها كما يبدو لكي تعلن عن ملامح الاستراتيجية السياسية للمؤتمر في المرحلة الراهنة والقادمة. وقد كان من أبرز وأهم الملامح التي أكدتها احتفالية أمس الملمح التالي: المؤتمر الشعبي العام يقف خارج الحكم ويتصرف كحزب معارض يسعى للوصول إلى السلطة. لكن هذا الململح لا يعكس وجه الواقع السياسي للمؤتمر والبلد بشكل عام بل يعكس واقع الانفصام السياسي والتاريخي الذي نمى وترعرع داخل هذا الحزب ورافقه منذ تأسيسه حتى الآن، وهو الفصام الذي من شأنه أن يقضي على مستقبل هذا الحزب.

المؤتمر الشعبي العام ليس شريكا في الحكومة الائتلافية بنصف الحقائب، ولا ممثلا في البرلمان بأغلبية الأعضاء، وأكثر من هذا وذاك هو ليس موجودا في رئاسة الجمهورية عبر أمينه العام الرئيس عبدربه منصور هادي، بل هو حزب معارض أقصي تماما من السلطة. هذا هو ما خرجت به من متابعتي لكلمة صالح في الاحتفالية ومن تلقي القاعة لها. لكن هذا ليس واقع المؤتمر بل واقع علي عبدالله صالح وحده، صالح الذي تحدث بلسانه ولسان المؤتمر عن تسليمه للسلطة طواعية وكأن الرئيس عبدربه منصور هادي ليس أمينا عاما للمؤتمر بل أمينا عاما لحزب الحق مثلا، وكذلك الحال بالنسبة لنصف وزراء حكومة الوفاق المؤتمريين! لكم لماذا ياترى بدا الواقع الشخصي لصالح في هذه الاحتفالية كما لو أنه واقع المؤتمر نفسه؟

إنه الفصام. وأنا أتابع كلمة صالح وتلقي الحاضرين داخل القاعة الكبرى لها بحماس، لم استطع ازاحة صورة المصحة المكتظة بالمرضى النفسيين المصابين بانفصام الشخصية من رأسي: لقد كانت القاعة أمس مصحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

فقد بدا واضحا أن القاعة المكتظة بالمؤتمريين والمؤتمريات قيادات وأعضاء غارقة تماما في قناعة وروح الحزب المعارض الذي أقصي لتوه من السلطة وأعلن على الفور برنامجا سياسيا لمعارضة السلطة في الحكومة والبرلمان والرئاسة! فعدا عن تركيزه على مهاجمة الحكومة التي وصفها بالفاشلة وعدا حديثه عن تدهور الأوضاع في البلاد كنتائج مباشرة لهذا الفشل، تركز خطاب صالح على حشد همم وطاقات المؤتمريين على ثلاثة مستويات:

الأول باتجاه الماضي حيث ركز الخطاب على تذكيرهم بمنجزات حزبهم التاريخية (منجزات صالح) حين كان هذا الحزب في السلطة! والثاني في اتجاه الحاضر الذي بدا المؤتمر فيه حزبا معارضا يقف خارج السلطة تماما ويراقب بتشفِّ كبير فشل رئيس الجمهورية غير المؤتمري وحكومة الوفاق التي لا تضم “نَـخْـسَـــــاً” مؤتمريا واحدا. والثالث باتجاه المستقبل الذي بدا أن المؤتمر سيسعى عبر معارضته الحالية والقادمة إلى العودة فيه إلى السلطة!

عبارة صالح عن العجلة الدوارة في نهاية الخطاب هي خير دليل على حالة الفصام التي أغرق المؤتمر فيها. فعودته أوعودة عائلته إلى السلطة ستتم كما بدا في خطابه عبر خوض معارضة قوية للسلطة الإنتقالية القائمة بواسطة أداته السياسية المتمثلة في المؤتمر. لكن من هو الطرف الذي سيعارضه صالح بواسطة المؤتمر؟

إنه لن يعارض بالمؤتمر اللقاء المشترك فقط، بل المؤتمر أيضا. إنه يضع المؤتمر في مواجهة نفسه مباشرة: في مواجهة رئيس الجمهورية المؤتمري عبدربه منصور هادي ومن معه من قيادات مؤتمرية شمالية وجنوبية كما يضعه في مواجهة النصف المؤتمري من حكومة الوفاق.

غير أن المؤتمر ليس بحاجة لبرنامج سياسي لمعارضة نفسه والتشفي من فشل حكم هو صاحب النصيب الأكبر فيه، بل يحتاج على ما يبدو إلى برنامج صحي لمعالجته من حالة الفصام الخطيرة التي أغرقه صالح فيها ويبدو واضحا انه ينوي اغراقه فيها أكثر. ولعل هذا البرنامج العلاجي يبدأ من تنفيذ صالح احدى النقاط التي أكد عليها في الخطاب: تنظيف المؤتمر من الثقالات المزمنة داخله.

قال إن الازمة السياسية كانت فرصة مناسبة لتنظيف المؤتمر من الفاسدين الذين فروا إلى الجبهة المقابلة خوفا على مصالحهم، ودعا من يريد اللحاق بهؤلاء إلى مغادرة المؤتمر إن أرادوا، المؤتمر الذي قال إنه لا يمتلك بوابة مغادرة واحدة بل أربع بوابات مفتوحة على مصراعيها. في الواقع إذا أراد علي عبدالله صالح تنظيف المؤتمر من الثقالات والفاسدين وتقديم خدمة تاريخية كبيرة لهذا الحزب الذي يحتاج إلى البقاء بعده، فعليه أن يقوم بخطوة بسيطة جدا: يتجه بلا أدنى تردد إلى إحدى بوابات المغادرة الأربع.
——————
*ينشر غدا الثلاثاء في صحيفة “الأولى”.

أخبار ذات صله