fbpx
تلقين .. و ما نحن بمستيقنين ! بقلم / منى تركي
شارك الخبر
تلقين .. و ما نحن بمستيقنين ! بقلم / منى تركي

 

أسابيع قليلة و يعود الطلاب إلى فصولهم ، لنفتتح عام جديدا من المعاناة ، هذه المرة وددت أن أتحدث عن عادات درج عليها القوم حُولت بها المدرسة الى سجن للعقول يقيد حرية تفكيرها و خيالات إبداعها ، عادات خنقت عقل الطالب بالتلقين ، و امتلكت إرادته بمقايضتها بالدرجات .

” حضّرتوا ؟؟ ” ، سؤال عادة ما يتلو تحية السلام في الصف ، و يرد عليه بالإيجاب في جميع الأحيان ، فتتوسط به المعلمة السبورة و تبدأ بطرح الأسئلة فيما يشبه الاستجواب ، ما عنوان درسنا اليوم ؟؟ ، من سيذكر لنا التعريف ؟؟ ، من سيعدد .. ؟؟ ، من سيبين .. ؟؟ ، كيف .. ؟؟ ، متى .. ؟؟ ، لماذا .. ؟؟ ،،، و تتوالى الأسئلة حتى يأتي الفرج بقرع الجرس ، و انتهى بذالك شرح ” الدرس الجديد ” أو تسميعه إذا كنّا منصفين ، و تُوضع لمن حفظ الدرس قبل تقديمه الدرجات ، أما المعولين على المعلمة بالبيان فهم في خسران مبين ، فلا بيان يطولهم و لا درجات يحصدون .

هكذا تمضي أغلب الحصص في مدارسنا ، عدا بعض حصص الجبر و الفيزياء و الكيمياء ، التي حتى هي حُولت إلى نصوص تحفظ و تلقن !

إلا أن أكثر ما يثير الاستفزاز هو أننا الطلاب نُكره على غلق كتبنا في أثناء الحصة في حين يكون كتاب المعلمة عادةً مفتوحاً ، فهي قرأت الدرس و لم تحفظه كما هي طلبت منّا أن نفعل ، فماذا لو قرأنا الدرس مثلها و استغنينا و إياها عن ” الاستجواب ” بشرح منها و نقاش منّا ، لكانت النتائج برأيي فهماً و مشاركةً أكبر و ضغطاً على الطالب أقل ، فذاك الأسلوب في تقديم الدروس يُعد كابوسي اليومي ، فأنا أقضي ما متوسطه 3 ساعات يومياً أحفظ دروس اليوم التالي ذلك لأني سيئة الحفظ ، كما و لأنني في صراع دائم مع منافساتي في الصف الأمر الذي يدفعني إلى الاجتهاد حتى فيما لا يفيد ، لكننا مؤخرا ثُرنا على هذا الأسلوب و قدمنا شكوى إلى إدارة المدرسة استندنا فيها إلى حجتين ، الأولى بأن هكذا أسلوب في تقديم الدروس فيه إجهاد قاتل للطالب المثابر المجتهد ، و الثانية إهمال سافر للطالب بطئ الفهم و ذا القدرة المحدودة على الاستيعاب ، فالدرس يكون دولةً بين المعلمة و 12 طالبا في أحسن الأحوال أما البقية فمتفرجين مشتتين .
و قد تجاوبت الإدارة بشكل يستحق الثناء ، و جمعت المعلمين و المعلمات للنقاش ، إلا أن مقاومة عنيفة كانت هي رد فعلهم ، إذ تحججوا بأن معرفة الطالب بما يزيد عن 70 % من الدرس قبل تقديمه ” ضرورة ” يحرص عليها التوجيه !!!

و لعلي أكون قاسية لكن عليّ القول بأننا حقاً لا نحتاج إلى معلمة إذا كنّا سنحفظ الدرس قبل تقديمه في الصف ، فإذا كان الغرض من المدرسة الحفظ و الحفظ و الحفظ ، فأجزم بأننا نستطيع الحفظ دون أن ننتظر من ينظم لنا المواعيد لا أكثر .

و أنا هنا لا أشكو المناهج السخيفة الكثيفة ، و لا الصفوف المكتظة الضيقة ، و لا الأيام الست التي نقضيها أسبوعياً بين الكتب و الدفاتر ، و لا امتحان 60 % من المحصلة النهائية تعتمد عليه ، و لا سأم جيل الفيسبوك من المدارس الرتيبة العتيقة ، فغاية أملي أن ” نفهم ” العلم من المعلم لا أكثر .

الدرجات ، هذا ما ندرس لأجله ، فلا أعتقد بأنه بقي اليوم من الطلاب أو أهاليهم من يهتم ب ” هل خلف ما نحصد من درجات علم ينفع ؟؟ ” فكل همّ المعلم هو إعداد الطالب للامتحان و بذالك يبرر إجباره لنا على حفظ الدروس قبل تقديمها بأن ذلك سيساعدنا في الاستذكار للامتحان مع أن تجربتي تجعلني أشك في هذا ، و هذا الأخير – أي الامتحان – أسئلته تقتضي حفظ كل ما في كتبنا نصاً ، حتى في الهندسة ، عشرات المبرهنات أحفظوها ببرهانها نصاً ، فمن أخطأ في صيغة عبارة منها فهو في ضلال بعيد ! و لا يهم حقاً إن كنت واعياً لما تحفظ الأهم أن تجد طريقة ما لتحفظ بها كل تلك النصوص دون أن تنس كلمة واحدة ، حيث أصبح جُل امتحان الرياضيات اسئلة عنها !
عشرات الأسئلة نحفظها بأجوبتها في امتحان ” القراءة ” ، و لعمري لا أدري بأي حق سميت ” قراءة ” !
و عوضاً من أن يعلمونا كيف نصف الصور الجمالية لأي نص يجعلوننا نحفظ إلى جانب تلك النصوص صوراً جمالية لها هم يكتبونها ! و ما هذه إلا نمادج قليلة أردت بها لمعاناتنا البيان .

و بعد كل هذا يعاقوبونك إذا نسيت ، فلا زلت أتذكر و قبل سنوات عديدة عندما صادفت سؤالا يقتضي التدليل على فرض الزكاة من القرآن الكريم ، إلا أني نسيت الآية المذكورة في الكتاب الدراسي تماماً ، و كنت أحفظ عن ظهر قلب آية أخرى تدلل كذالك على فرض الزكاة فلم أتردد في كتابتها ، و عندما علمت المعلمة بفعلي نهرتني قائلة ” لم تتفلسفين ” ، فعدت إلى المنزل و أنا ألوم نفسي على نسياني لآية بين عشرات الآيات التي حفظتها استعداداً لذلك الامتحان ، أردد في نفسي ” أنا فاشلة ” ” أنا فاشلة ” ، كنت صغيرة وقتها ، و كاد ذلك الموقف أن يدمر ثقتي بنفسي ، علمت لاحقاً بأن الآية صحيحة 100% و لكن معلمتي حرصت على أن ” أحفظ ” المطلوب مني بتركيز أكبر في المرة القادمة .

أصبح الكتاب المدرسي قرآن لا تتجاوز نصوصه ، رغم قدم محتوياته و خطأ بعض معلوماته ، ” الشمس أكبر النجوم ” هكذا يقول كتاب الجغرافيا ، إذا فهي أكبر النجوم ، أما الاعتراض على ذلك ممنوع ، و من قال بأن هنالك نجوم تكبرها حجماً في الامتحان فمخطئ بذريعة الكتااااب ماذا ذُكر في الكتاب ، فالعلم الصحيح ليس الهدف ، و لكن غاية علمهم ما جاء في الكتاب ، و التفكير خارج حدوده بدعة .

إذا عوضت مدارسنا عن أنا أفكر إذا أنا حي .. أنا أفكر إذا أنا موجود ، بأنا أحفظ إذا أنا حي .. أنا أحفظ إذا أنا ناجح ، و قتلت بذلك روح التفكير و الابتكار فباتتا بدعةً محرمة على الطالب منّا ، و ويل ذاك الذي يتجرأ فيكتب ما فهمه و استوعبه عوضا عن ما يجب عليه حفظه ، فغالبا إلا في حالات نادرة سيحرم من الدرجات ، إلا أنه لن يكون مخطئاً فهو على حق فقد علم و فهم و هذا ما لن ينساه مستغنيا بذالك عن الحفظ الذي لن يدوم له .

و ليأتي بعد هكذا تدريس من يسأل عن سبب كره الطلاب للمدرسة أو جنوحهم إلى الغش ، فقليل هم من سيُحرمون الغش على أبنائهم و طلابهم ، ففي الأخير الدرجات هي الهدف ، و الغاية تبرر الوسيلة ، أو من يسأل عن تدني مستوى التحصيل العلمي ، أو انعدام وجود النوابغ و المخترعين بين صفوف شبابنا و طلابنا بعد أن قُيدت عقولهم و حُرّم عليها التفكير حتى .

هذا غيض من فيض ، فهموم طالب العلم منّا لا الدرجات كثيرة ، إلا أنه يبدو أنني سأعاني كثيراً حتى أنهي ما تبقى لي من أعوام الدراسة ، فصبراً ، و لو أن ما هذا بتعليم إن هو إلا تلقين .. و ما يراد لنا اليقين .

أخبار ذات صله