fbpx
أيش يلمّها ؟؟!

أيش يلمّها ؟؟!

محمد بالفخر

    روي فيما روي من ارض الرافدين في مطلع التسعينات من القرن الماضي أبان حكم الرئيس المهيب صدام حسين المجيد رحمة الله عليه وفي فترة احتلاله لدولة الكويت الشقيقة . أن عامل نظافة ممن تم إحضارهم للعمل في الكويت جلس على احد الأرصفة وهو يحتضن صورة الزعيم الأوحد وقد اعترته الهموم واخذ يتمتم بصوت مسموع ((ايش يلمّها أيش يلمّها)) فألقى رجال الأمن الأشاوس القبض على هذا المتآمر وأشبعوه ضربا لينتزعوا منه اعترافا عن القصد والمقصود والدليل والاستدلال وعن الجهة التي دفعته لذلك وموّلته . فقال لهم انه لن يتكلّم إلاّ في حضرة القائد .  فتم أخذه إليه فالأمر يتعلق بأمن الدولة والوطن وكالعادة سبقته التقارير إليه . فقال له الرئيس المهيب ماذا جرى لك يأبني . فقال رأفة بك يا سيدي ليس إلا وبصورتك العظيمة ، الأمريكان وحلفاؤهم قادمون وهم على وشك الدخول للكويت ونحن قد أغرقنا الشوارع والأزقة والعمارات والإشارات وأعمدة الإنارة والميادين العامة والخاصة بصورك سيدي واستغرق منا ذلك زمنا وجهدا غير عادي والأمريكان على وشك شن الحرب ويحتاج لنا وقتا طويلا للملمة الصور والوقت غير كافي ولذا صحت مهموما (أيش يلمّها) كما تقول الرواية احتضنه المهيب الركن وشكره على حسن اهتمامه وعلى الهم الكبير الذي كان يحمله من اجل لملمة صور القائد شرف العراق ومجدها قبل أن تدنسها الأيادي الصليبية .

تذكرت تلك الرواية عندما جال بخاطري صور مشير اليمن التي أغرقت المطابع  البلاد بالملايين منها وبأشكال وطبعات لكل المستويات والمناسبات ولكل الأذواق والأهواء طوال فترة ثلث قرن من حكمه غير الرشيد .

حيث كان معجبا اشد الإعجاب بصوره المنوعة ذات الأشكال والألوان المختلفة . وتنافس حتى التجار لطباعتها على منتجاتهم الصناعية أو بعض وارداتهم لا لشيء إلا  تأكيد الولاء والمحبة فمنهم من يطبعها على علب البسكويت ومنهم من طبعها على قوارير المياه الصحية وغيرها وبطريقة مبتذلة وماسخة  لا ترضي ذي العقل السليم .

لأنه لو جئنا للحقيقة  فان نهاية القارورة  بعد استخدامها إلى قارعة الطريق وبعدها إلى صندوق الزبالة ثم إلى مرمى النفايات . لكنه النفاق والتملق  بلغ أقصى مداه حتى عند كبار الأثرياء .

وأما أيام الهوس الانتخابي وكرنفالاته فحدث ولا حرج فان ملايين الصور التي طبعت ربما يصل نصيب كل مواطن الى40 صوره وأكثر  وهكذا وهلم جرا.

 أما من حظي بصورة شخصية مع فخامته فإنه يطبع منها المئات يضع منها مجموعة على المكتب وأخرى في مدخل البيت وثانية وثالثة في كل منعطف في سلم البيت ورابعة وخامسة وسادسة في كل الصوالين والمجالس وسابعة في غرفة نوم الأولاد وثامنة في غرف النوم المتعددة لمن كان له أكثر من زوجة لينتشي أمامهن وهن الأخريات منتشيات أمام صويحباتهن ولسان حالهن يقول انظرن إلى القمر بجوار القمر ويوزع البقية على الأصحاب  وهلم جرا .

والسؤال هل سيحتفظون بها بعد التنحي كدليل وفاء أم سيقلبون ظهر المجن وسيبحثون عن القادم ليتصوروامعاه.

أما السيارات الحكومية والعسكرية والخاصة فهي الأخرى كذلك قد أغرقت بالصور اللاصقة وغير اللاصقة وقد اخفت خلفها أشياء كثيرة .

وأصبحت الصورة بمثابة جواز المرور السريع عند نقاط التفتيش, فما أن يراها العسكري المسكين حتى يدب الرعب في قلبه , ويقول أن هذا من كبار المسؤلين أو المقربين . فيضرب له التحية مباشرة وبدون تردد.

وكم رأينا من الصور التي تم وضعها في الجبال وعلى الأشجار لأن موكبه المبارك سيمر من هنا و الآن بعد نحّته مبادرة الخليج التي جاءت لاحتواء الثورة الشبابية , ماذا سيكون مصير الصور المتعددة هل شملتها الحصانة كما شملت صاحبها؟

 ونعود في النهاية إلى هذه الثقافة , ثقافة الصور

والتصوير لو اطلعنا على العالم الغربي ربما نجد أن نصف الأمريكان وبدون مبالغة لا يعرفون صور اوباما ولا من كان قبله ولا من سيأتي بعده ناهيك أن يقتنوها أو يعلقوها في بيوتهم أو مكاتبهم , وكذلك الشعوب الأوروبية التي تحترم نفسها ليس عندها مثل هذا التهريج التي تعيشه الشعوب العربية تجاه حاكميها , فهل ستعى الشعوب حقيقة  الصور الكرتونية, والأصنام الصورية ؟. أرجو ذلك..

خاتمة:       

للشاعر أحمد مطر                         

صورة الحاكم في كل اتجاه

اينما سرنا نراه !

في المقاهي

في الملاهي

في الوزارات

في الحارات

والبارات

والاسواق

والتلفاز

والمسرح

والمبغى

وفي ظاهر جدران المصحات

وفي داخل دورات المياه

أين ما سرنا نراه!

صورة الحاكم في كل اتجاه

باسم

في بلد يبكي من الفقر بكاه

مشرق

في بلد تلهو الليالي في ضحاه

ناعم

في بلد حتى بلاياه

بأنواع البلايا مبتلاه !

صادح

في بلد معتقل الصوت

ومنزوع الشفاه

سالم

في بلد يعدم فيه الناس

بالآلاف يوميا،

بدعوى الاشتباه

صورة الحاكم في كل اتجاه

نعمة منه علينا

إذ نرى حين نراه

أنه لم يزل حيّا

ومازلنا على قيد الحياة!

 

  mbalfakher@gmail.com