fbpx
الانتخابات الرئاسية . . وتحديات المستقبل.

الانتخابات الرئاسية . . وتحديات المستقبل.

عيدروس النقيب

من غير شك أن الانتخابات الرئاسية المبكرة تمثل لحظة مفصلية في سياق عملية التغيير التي ينشدها الشعب اليمني من خلال عملية الانتقال من ما قبل الدولة إلى مرحلة الدولة، ومن نظام الفرد والعائلة إلى نظام المؤسسة المحتكم إلى القانون والدستور.

ولنا أن نتخيل لو لم يتم حتى اليوم التوقيع على المبادرة الخليجية التي هي ليست خيار الثورة ولا مطلب الثوار، أو لو لا سمح الله استمر العابثون في التلاعب بالأجواء الانتخابية وراحوا يعرقلون سير العملية الانتخابية بهدف إفشالها، حتى يتم استحضار الرئيس (الشرعي منذ ثلث قرن) ليواصل سياسات القتل والتدمير والنهب والسلب والتفكيك، كيف سيكون حال اليمن في حالة كهذه.

من هنا تأتي أهمية الانتخابات الرئاسية المبكرة لا باعتبارها تحقيقا لأهداف الثورة بل باعتبارها، مدخلا أوليا للولوج إلى بوابة التغيير الذي من أجله ثار اليمنيون في طول البلاد وعرضها وقدموا من أجلها آلاف الشهداء والجرحى والمخطوفين.

الانتخابات الرئاسية المبكرة ضرورة موضوعية تقتضيها أهمية الانتقال إلى المرحلة اللاحقة، وحيث إن الوسط المحلي والمحيطين الإقليمي والدولي قد أجمعوا على هذا الخيار فإن على اليمنيين أن يتعاملوا معه باعتباره ضرورة لا بد منها وحتمية لا مناص من اجتيازها للانتقال إلى مراحل التغيير القادمة.

على إن عددا من الإشكاليات تستدعي التوقف أمامها لإزالة الكثير من الالتباسات التي تحيط بالعملية الانتخابية بالنظر إلى ما الكثير من التساؤلات والتحديات والتطلعات والآمال والمخاوف والظنون التي تلازم العملية الانتخابية.

فأولا: لا بد من تفهم المنطلقات والمخاوف التي تراود مكونات الحراك السلمي الجنوبي الذي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات من منطلق رفضه لاستمرار سياسات الاستباحة والإقصاء التي مورست مع الجنوب منذ العام 1994م، وكم تمنيت لو إن الذين انخرطوا في صف الثورة من شركاء الحرب على الجنوب قد أعلنوا عن استعدادهم لإعادة ما أخذوا من المنهوبات المنقولة وغير المنقولة، لأن ذلك كان سيبعث برسالة حسن نية إلى أطراف الحراك السلمي الجنوبي على الرغبة في تصفية آثار الحرب وما أكثرها، حتى يمكن دعوة نشطاء الحراك للتعاطي الإيجابي مع العملية الانتخابية والعملية الثورية بشكل عام.

وثانيا : ليعلم الجميع أن الشعب في الجنوب عندما انطلق في ثورته السلمية قبل الربيع العربي بأعوام لم يكن يطالب باختيار رئيس جنوبي أو رئيس وزراء أو حتى مجلس وزراء كامل من الجنوب، بل كان يعبر عن رفضه للانقضاض على المشروع الوحدوي السلمي بالحرب، وتحويل الوحدة إلى خديعة للشعب الجنوبي وتحويل الجنوب من شريك في المشروع النهضوي إلى غنيمة حرب استباحها المنتصرون، وهي وضعية ما تزال قائمة حتى بعد ذهاب علي عبد الله صالح المتهم الأول في تكريس سياسة الاستباحة والاحتلال والنهب والإقصاء.

وثالثا: إن المقاطعة والمشاركة حق مكفول لكل مواطن يمني في الشمال أو الجنوب على السواء، لكن ما ليس مقبولا ولا مكفولا هو فرض المشاركة أو المقاطعة بالقوة، ومثلما لا يجوز تزوير إرادة المقاطعة فإن أي تزوير لعملية المشاركة سيكون مرفوضا من قبل كل شركاء الحياة السياسية مشاركين كانوا أو مقاطعين.

ورابعا: لا بد من إدراك أن الجنوبيين ينتظرون من مرشح الرئاسة التوافقي خطابا جديدا تجاه القضية الجنوبية مثلما تجاه جميع القضايا اليمنية الشائكة،. . . .خطابا يمثل قطيعة مع سياسات الإستعلاء والتجريم وكوم التابوهات والمحرمات التي لا معنى لها بدون أن تعبر عن أمال وتطلعات الناس، وبالتالي فبإمكان مرشح الرئاسة التوافقي أن يدخل الطمانينة إلى نفوس مواطني الجنوب، من خلال تفهم مضمون وأبعاد ومضامين القضية الجنوبية، وتبني خطاب يمثل رد اعتبار للجنوب كشريك فاعل وأساسي في أي مشروع مستقبلي لليمنيين جميعا، أما إذا ما استمرت سياسة التجاهل أو الصمم السياسي( كما يسميها د. محمد الظاهري) فإن من شأن ذلك أن يدفع الكثير من القوى المعتدلة في الصف الجنوبي باتجاهات أكثر راديكالية قد لا ترضي الذين يدعون أنهم يدافعون عن الوحدة اليمنية بعد أن تم القضاء عليها في حرب الاستباحة والفيد في 1994م.

وأخيرا إن فشل الانتخابات الرئاسية المبكرة لا يعني سوى عودة الرئيس المخلوع، المتحجج بأنه الرئيس الشرعي حتى نهاية فترته الانتخابية وهو الذي جاء نتيجة انتخابات مزورة ومغتصبة بعلم البعيد قبل القريب والقاصي قبل الداني.

برقيات:

* أغرب ما قرأت لأحد دكاترة النظام، قوله إن إدانة الحراك لإحراق مخيم شباب الثورة في عدن وتبرأه من هذه الجريمة ليس سوى محاولة للتنصل من مسئوليته عن هذه العملية، لا أدري ما المطلوب من الحراك أكثر من أن يدين الجريمة ويطالب بكشف مرتكبيها ومحاسبتهم ليثبت براءته من هذه التهمة المشينة.

* ما جرى مساء الخميس في مدينة المكلا، ومثله ما جرى في عدن وغيرها من احتكاك بين شباب الثورة وقوى الحراك لا يعبر إلا عن انحراف السياسة عن مسارها باتجاه العنف الذي لا يخدم سوى بقايا النظام الذي يسعى الشعب اليمني إلى التخلص منه، هل للعقل مكانة للحيلولة دون اندفاع الأمور نحو الأسوأ؟

* قال الشاعر العباسي حبيب بن أوس الطائي (ابو تمام):

أتطـــــــــمعُ أنْ تعدَّ كريمَ قومٍ*** وبابُكَ لا يطيفُ به كريمُ ؟!

كَمَنْ جَعَلَ الحَضِيضَ له مِهاداً*** ويَزعُمُ أَنَّ إِخوَتَه النّـــُجُومُ