يافع نيوز – العرب اونلاين
يعتبر الفل من النباتات العطرية ذات الرائحة الزكية التي اكتسبت مكانتها في اليمن، حيث أصبح تجارة وحرفة تجذب المئات من الأيادي العاملة التي وجدت فيه مصدر رزق ليرتبط الفل بعادات وتقاليد يمنية خاصة خلال فصل الصيف في حفلات الزواج.
فاقت شهرة نبات الفل العطري كل “ماركات” العطور العالمية وأضحى ضيفا حاضرا في منازل سكان صنعاء، وراجت تجارته بشكل كبير وخاصة يوم الخميس من كل أسبوع.
وتزدهر تجارة الفل الذي يعرف بـ”الياسمين اليمني”، يوم الخميس أكثر من أي يوم آخر من أيام الأسبوع، لارتباط هذا اليوم بمناسبات اجتماعية كالأعراس وعادات وطقوس أخرى خاصة بسكان المدينة.
واعتاد سكان المدينة، خاصة الجزء القديم منها، على شراء الفُل يوم الخميس أسبوعيا، كتقليد قديم، لإهدائه للزوجات والأقارب أو تقديمه للعرسان في حفلات الزواج، فالفُل من النباتات العطرية الفواحة التي يستطيع المواطن البسيط أن يقتنيها ويعود بها كهدية طيبة إلى زوجته مساء، تعبيرا منه عن الحب والمودة الكبيرة.
وإلى جانب كونه مصدر بهجة للنفس، يُعتبر “الفُل” أسطورة غرامية لارتباطه الجذري بحفلات الزواج بشكل خاص، والمناسبات الأخرى مثل حفلات أعياد الميلاد وتخرّج الطلاب من الجامعات والختان وغيرها.
ولا توجد روايات تاريخية حول أسباب تخصيص سكان صنعاء الخميس مناسبة لشراء الفُل وإهدائه لمن يحبون أكثر من غيره من الأيام، لكن جاء اختــيارهم لهــذا اليوم على الأرجح، لكونه آخــر أيام العمل في الأسبوع ومناسبة للراحة الأسرية.
وباتت شجرة الفُل، التي يكثر إنتاجها خلال شهر الصيف “رمز الحب والجمال” في أوساط المجتمع اليمني، وأهم أنواع الزينة للمرأة اليمنية في الأعراس واللقاءات النسائية الخاصة والحفلات العائلية، حيث تتباهى النساء بكمية العقود المطرزة من الفُل على شكل قلادة على صدورهن.
وفي المناطق الحارة اليمنية، وبالأخص في منطقة “تهامة” شمالي اليمن، وفي “لحج” جنوبا، تنتشر رواية عن زراعة “الفُل” تقول إن الأمير لحج “أحمد فضل القمندان” هو من أتى بنبتة الفل من الهند، وقام بغرسها في بستان الحسيني بمحافظة لحج، ومنها انتشرت إلى مناطق أخرى.
أحد سكان صنعاء، ويدعى محمد علي قال إن “الناس اعتادوا على تخصيص يوم في الأسبوع لإهداء من يحبون هدايا جميلة يأتي الفُل على رأسها في إطار تعزيز أواصر العلاقة والمحبة”.
وأوضح أن “الفُل من أفضل الهدايا التي يمكن تقديمها للزوجة أو المخطوبة أو حتى للعرسان في حفلات الزفاف”.
ويبقى “الفُل” الضيف الدائم في أعراس اليمن، حيث من التقاليد قيام العريس بوضع قلادة كبيرة على عنقه يصل طولها أحيانا إلى المتر، كما تتزين به العروس على صدرها على شكل قلادات يصل طول الواحدة إلى نصف متر، ويتم تطريزه وسط شعرها ليكون أكثر جاذبية ويزيدها جمالا.
ويقول سالم سالم، صاحب أحد محلات بيع الفُل في العاصمة صنعاء إن “مبيعات ذلك النبات العطري تزداد الخميس أكثر من غيره من الأيام، نظرا إلى إقبال الناس على شرائه بكميات أكثر من أي يوم آخر في الأسبوع”.
وأضاف سالم أن “الفُل نبات عطري طبيعي لا يؤثر على من يشتم رائحته بخلاف بعض العطور الصناعية التي تؤثر على من يعانون الحساسية”.
ولفت إلى أنه يبيع يوميا ما بين 50 إلى 100 عِقد فُل، تتراوح قيمة كل واحد، حسب طولها وجودة الفل، ما بين 200 ريال (أقل من دولار)، و1500 ريال (حوالي 10 دولارات)، وهذه أسعار منخفضة لآن موسم إنتاج الفل يحل هذه الأيام.
ويعمل مع سالم ثمانية عمال في بيع الفُل وجمعيهم من منطقة “الأباسي”، وهي إحدى أشهر مناطق زراعة شجرة الفُل وتقع في محافظة الحديدة غربي البلاد.
وتشتهر المناطق الحارة مثل محافظة الحديدة (غرب) ولحج (جنوب) بزراعة الفُل، ويتخذ منه عشرات الباعة مصدرا للدخل وإعالة أسرهم من خلال بيعه في الطرقات والمدن.
ويرجع خبراء زراعيون ذلك إلى أن نبات الفُل “يتطلب مناخا استوائيا دافئا”، وأفضل درجـة حــرارة للنمــو هي 52 درجة مــئوية، فهو يتحمل الحر الشديد لا البرودة المنخفضة.
ولا يخلو الأدب اليمني من ذكر الفل، فقد تغنى به الكثير من الشعراء، ومن أشهر الأغاني أغنية “لحجية” شائعة في منطقة لحج، وتقول “يا ورد يا كاذي (أحمر)، إلا يا فُل الوادي”، كما يحضر “الفُل” يوميا في تحية الصباح بين المواطنين، حيث يحرصون على تحية بعضهم البعض بالقول: “صباح الفٌل” كتعبير عن الصفاء والمحبة.