fbpx
أرض الصراع في فلسطين.. احتمالات مفتوحة ومتعددة
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب القطرية :

يشكل المفصل التاريخي ومركزية إعادة تأكيد الهوية الوطنية الفلسطينية، وتجسيد الدولة الفلسطينية، عنصراً كفاحياً مركزياً، على الحركة الوطنية الفلسطينية في إطارها الجامع أي إطار منظمة التحرير الفلسطينية العمل على هديه، دونما تفريط بهدف إقامة دولة فلسطينية تعيد الاعتبار لهوية الأرض والشعب، وهو ما تحاول تغييبها الحركة الصهيونية منذ أكثر من ستين عاماً ولم تفلح، ما يحدوها اليوم لمحاولة فرض الاعتراف الفلسطيني بيهودية إسرائيل كدولة ناجزة، وذلك على حساب الدولة الفلسطينية غير الناجزة حتى اللحظة.
من هنا شكل الاستيطان ويشكل بعقده الكثيرة، واحداً من المصدات الأساسية، بل المركزية، بالنسبة للكيان الإسرائيلي، وهو يدفع عن ذاته إمكانية أن يخلع عنه جلده، أو أن يذهب إلى تدمير ذاته بذاته، إن هو تخلى عن «مبدأ الاستيطان»، وهو الكيان الذي اعتبر المستوطنين الأوائل بمثابة «الطلائع الصهيونية»، والمستوطنات الأولى بمثابة «العودة إلى أرض صهيون» التوراتية، التي بدئ بإنشائها أواخر القرن الثامن عشر، كمراكز «طليعية» أولية، أطلقت شرارة الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وها هي تستمر إلى اليوم كنهج ثابت، لا يمكن لكيان الاستيطان الإحلالي التخلي عنه، وإلا كان يدخل منعطفاً تاريخياً يقوده إلى التخلي عن عنصريته الفاشية، ونمط حياته الإحلالي الكولونيالي، بينما لا تتوافر أي مؤشرات داخلية أو خارجية، يمكن مقارنتها بمعطيات التحولات التي أجريت في جنوب إفريقيا، وأدت للتخلي عن نظام التمييز العنصري.
من هنا وعلى هذه الخلفية، تبدو التسوية، كما تتبدى في الذهن الصهيوني، ومفاوضاتها الجارية تشديداً، بل تأسيساً على هدف «يهودية الدولة» أولاً، ومن ثم التسليم بالترتيبات الأمنية مرة وبخطة الإطار مرة أخرى، قبل البحث في قضايا المفاوضات المرشحة للتوقف، حتى من دون الإعلان عن فشلها، ومن ثم استئنافها مرة أخرى، بعد التاسع والعشرين من الشهر الجاري.
وفي كل مراحل المفاوضات، تجاوز نتنياهو كل الأوهام التي راهنت على وقف البناء الاستيطاني، أو تجميد أعمال البناء لفترة محدودة، وذلك عبر انحيازه مباشرة وعلناً، لوقف التجميد واستمرار البناء من دون إعلان، والمناورة في طلب المزيد مما احتوته «رسالة الضمانات» الأميركية التي حاولت إدارة أوباما يومها إغراء الحكومة الإسرائيلية بالاندفاع نحو مفاوضات مثمرة، حيث تضمنت امتيازات عسكرية وسياسية مقابل تجميد الاستيطان، كما أنها شملت تعهدات أمنية استراتيجية طويلة المدى، وامتيازات إطلاق اليد استمراراً بالانحياز للمفهوم الإسرائيلي للتسوية الدائمة مع الفلسطينيين.
يبدو أن كل هذا في ميزان نتنياهو لم يكن ليعادل الموافقة على تجميد البناء الاستيطاني، طالما أن الأرجحية للالتزامات السياسية الداخلية الهادفة للاحتفاظ بالائتلاف الحكومي الحالي، وهو هدف على ما يبدو يشكل «بيضة قبان» التحديات السياسية التي لا يريد نتنياهو المغامرة بقلبها رأساً على عقب، طالما أن وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان يطرح أفكاراً أكثر من وقحة، وتعتبر بمقاييس الدبلوماسية «جريئة»، من ضمنها اتفاق مرحلي يستغرق تنفيذه عقوداً، يفضي في النهاية إلى تحقيق «يهودية الدولة»، حيث من السهل التنصل منها، تحت دعاوى أنها آراؤه الشخصية.
«الحقيقة المرة» التي أطلقها ليبرمان، هي أفكار في شأن «يهودية الدولة»، وتسوية بعيدة المدى، وهي أفكار لا ترفضها غالبية الإسرائيليين، أو ما يمكن أن نطلق عليه تسمية «الإجماع الصهيوني الصلب»، وفي الجوهر فإن ما تحدث عنه ليبرمان، لا يختلف عما قاله نتنياهو في خطاب جامعة بار إيلان، القبول بـ «دولة فلسطينية» في إطار «إسرائيل الكبرى»، انحيازاً لـ «سلام اقتصادي» لا لتسوية سياسية، أي حكم ذاتي بلدي داخل المدن، أما الحدود فهي من اختصاص جيش الاحتلال، على أن تضم إسرائيل إلى «داخلها» كافة المستوطنات التي أقيمت حتى الآن في المناطق المحتلة عام 1967، مقابل «التخلص» لاحظ التعبير العنصري من مناطق ذات كثافة فلسطينية في منطقة المثلث (وادي عارة)، وهو مخطط تحاول حكومة نتنياهو الائتلافية الحالية العمل والاشتغال عليه، بالتوازي مع مفاوضات تسوية هي ذاتها تعرف أن تحقيقها ما زال بعيداً وبعيداً جداً، وأمست مؤشرات فشلها وإخفاقها أكثر من واضحة، عبر الاتجاه مجدداً لتمديدها لتسعة أشهر أخرى أو لعام آخر، طالما أن أي تسوية لا تحقق لإسرائيل «أغلبيتها اليهودية» التي تحلم بها، وهي ما لم تنضج بعد، رغم أنها بالضرورة وبالاضطرار، لن تكون «دولة يهودية» بالكامل رغم الأغلبية المطلقة التي تعمل على أن تكونها «الدولة» مستقبلاً! فأي سلام تسعى إليه إسرائيل؟ وأي تسوية يسعى إليها الفلسطينيون؟ وأي مفاوضات يسعى لإنجاحها الأميركيون، ومن أجل ماذا؟
«يهودية الدولة» الآن وفي المستقبل، هو «الهدف الأسمى» الأقصى الذي تسعى إسرائيل إلى نيل اعتراف العالم بها، وبالأخص الفلسطينيون، كونها كذلك، بما يعنيه ذلك من تسليم بشرعية ومشروعية وجود كيان اغتصاب استيطاني إحلالي فوق تراب وطن شعب آخر، بغض النظر عما تقوله المرويات والسرديات الدينية الخرافية والأسطورية القديمة والحديثة، وهي دولة استيطانية لا يمكنها استناداً إلى تلك المرويات والسرديات الخرافية، أن تقنع أو تقتنع، لا الآن ولا في المستقبل، بما «ملكت أيمانها» من أرض مغتصبة، فمن كان من طبيعته وطبائعه الاستيطان وإدمان الوجود الإحلالي، لا يمكن أن تسفر أي مفاوضات أو أي تسوية معه، عن نتائج يمكن أن يوقف بموجبها تمدد أخطبوطه السرطاني، طالما هو يحرم الاقتراب من «بقرته المقدسة»، تلك التي تسمى اليوم وغداً «عقدة الاستيطان»، وهي مما لا يمكن للفلسطيني أن يتسامح مع حلها، فكيف بالاشتغال إيجاباً بالتعاطي مع هذا الحل، وهو لذلك لن يجد هنا تسويته الخاصة، طالما أن الأميركيين يسعون إلى إيجاد حلول لعقدهم الخاصة، واشتباكهم السياسي والعسكري مع العديد من قضايا المنطقة إقليمياً واستراتيجياً، وما تبنيهم لمسألة المفاوضات سوى محاولة في درب طويل، لن يكون من اليسر أو السهولة بمكان حل عقد قضاياهم الإقليمية، عوضاً عن حل «عقدة الاستيطان» الإحلالي في فلسطين.
وحتى لا تستمر المذابح السياسية مرة، والعسكرية مرات ضد الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، ينبغي نفض ونقض الأوهام، كل أوهام التصورات والتهيؤات الحالمة عن حل أو حلول باتت وشيكة للمسألة الفلسطينية، هذه الحلول لا آفاق لها ولا رصيد ألبتة حتى اللحظة وهي بعيدة، ولكن أقرب منها تلك المحاولات التي ينبغي أن تبقى دؤوبة لتهيئة أرض الصراع لكل الاحتمالات، حتى الديموغرافي منها في عقد أو عقود آتية.

أخبار ذات صله