fbpx
اللامركزية الادارية في حلقة نقاشية واشياء اخرى !

 

 

في الحلقة النقاشية التي نظمتها مؤسسة تمكين للتنمية صباح اليوم في فندق كورال ، بخور مكسر ، كانت مداخلتي في مسألة ( اللامركزية الادارية) من وجهة نظر علمية ومن ثم فان مشاركتي في هذه الحلقة النقاشية بصفتي الأكاديمية ولصلتي العلمية بمادة الادارة في الخدمة الاجتماعية التي اقوم بتدريسها لطلاب المستوى الثاني في قسم الخدمة الاجتماعية ، كلية الآداب ، جامعة عدن ، منذ سنوات ، وهذا ما حرصت على ايضاحه في بداية حديثي حتى لا يلتبس الأمر او يؤل او يوظف بأي نحو من الانحاء.

اما موقفي السياسي من قضية اللامركزية في اليمن او الفيدرالية فقد سبق وان كتبته ونشرته في مناسبات سابقة لاسيما في دراسة بعنوان (( الفيدرالية اليمنية والقضية الجنوبية… التحديات والفرص قراءة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2140 ))

وبينت ان الحديث عند ((المركزية واللامركزية في اليمن)) اليوم لم يعد له معنى ولا جدوى طالما وقد وضعت تحت الفصل السابع والوصاية الدولية المباشرة ،) ففي جلسته رقم 7119 المنعقدة يوم الأربعاء 26 فبراير 2014 اصدر مجلس الأمن الدولي قرارا خطيرا بإجماع اعضاء) هو القرار رقم 2140م أكد ( ان الحالة في اليمن تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين في المنطقة ) . ومن ثم فان الحديث عن الفيدرالية واللامركزية الادارية والمواطنة في بلد فاقد السيادة هو حديث ربما تكون اهميته وفائدته تنويرية تثقيفية فقط ! اذا كنا نعرف عن ماذا نتحدث حقا وفعلا ؟!

مكررا موقفي الثابت مع حق شعب الجنوب العادل في التحرير والاستقلال واستعادة السيادة ، وهذا حق طبيعي لكل انسان ،( ان يكون المرء سيدا في ارضه ووطنه ، في بيته اقليمه ) ذلك هو المبدأ الذي أمن به ، والذي هو اصل واساس بناء دولة العقد الاجتماعي ، المنظمة بالدستور والقانون والادارة العلمية الحديثة ، التي هي شأن تاريخي اجتماعي ثقافي وليست مجرد رغبات وامنيات وارادات طيبة او مخلصة ،كما يتوهم البعض .

والادارة هي الغياب الكبير عند العرب وهي سر التقدم والتفوق والارتقاء عند الاخرين ، والانسان كائن اداري بالطبع وسياسي بالتطبع ,ومن الفروق الدقيقة الصارخة بين السياسة والادارة الفرق في الوظيفة فالسياسة تقر المبادئ ووظيفتها مبدئية بينما تأخذ الادارة على عاتقها أنشاء المشاريع بالتنفيذ تشكيلا بعد التخطيط بالتصميم فوظيفتها حينئذ إنشائية ، والادارة تخصص وخبره وكفاءة ، والسياسة تنافس وصراع وفهلوه وشاطرة ، والادارة ، قوة تنظيمية مؤسسية وسلطة محايدة معيارية ، وهذا ما قصده عالم الاجتماع ماكس فيبر بمفهوم البيروقراطية ، بمعنى سلطة المكتب ، وليس سلطة الاشخاص ، ولا تكون الادارة الا اذا استقلت عن السياسة ومداراتها وصراعاتها ولا تكون الادارة الا اذا استقلت عن العصبيات والتعصبات والاهواء والشهوات الخاصة والجماعية . والادارة انواع ، والادارة ، تنظيم وتنسيق وتقييم ومراقبة ومحاسبة وقواعد وقيم وممارسة … الخ

وغير ذلك من الافكار التي سنحت لي الفرصة والوقت ان اقولها ، وقد سعدت بمداخلات وملاحظات الزملاء الاعزاء من الاساتذة الاكاديميين والمثقفين والمهتمين والزميلات العزيزات الانسات والسيدات وبما ابدوه من اهتمام تمثل في اثارت النقاش الجاد في موضوع الورقة . مع خالص الشكر والتقدير للجميع .

في معنى الفيدرالية وممكناتها :

تعود أصول مصطلح فيدرالية الى اللغة اليونان القديمة fides التي تعني ثقة ومنها اشتقت الكلمة الانجليزية Confidence الثقة وبهذا المعنى جاءت صياغة اللفظة federatio بمعنى الاتحاد الحر القائم على الثقة او الاتفاق الاختياري المكتوب والملزم بموجب عقد او دستور بين عدد من الدول او كيانات سياسيه لتشكيل حكومة اتحاديه بصورة فدرالية واحدة ومتساوية التمثيل تتنازل فيها الأطراف و الدول الفدرالية عن بعض صلاحياتها لإقامة هيكلية حكومة مركزية مشتركة من جهة وتشكيل حكومات في وحدات سياسية أصغر تدعى بالولايات أو الامارات أو المناطق او الكونتونات او الأقاليم ومن جهة أخرى تمنح هذه الوحدات السياسية الصغيرة بعض قوتها السياسية للحكومة المركزية لكي تعمل من أجل مواطنين الدولة الاتحادية الواحدة. وفي الموسوعة الحرة ويكيبيديا، تطلق صفة fedral بمعنى اتحادي او فدرالي ( الفيدرالي) “شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية (أو حكومة فيدرالية او اتحادية) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية. “

هكذا تيضح ان مصطلح ( فيدرالية ) مشتق من المصدر اليوناني fidesوربما اللاتيني الأصل بمعني ( ثقة ) ومقابها في الانجليزية confidence الثقة ثقة وثق وثوق موثوق بمعنى اطمئن مطمئن اطمئنانا …الخ تلك هي كلمة السر العميق وشفرة الفهم الدقيق التي تمنح المعنى والدلالة الحقيقية للكلمة (الفيدرالية) وتبعث فيها الروح والنبض الحي وتجعلها قابلة للفهم والاستيعاب والتعقل عند الفاعلين الاجتماعيين في المجتمعات المتعافية الصحية، المجتمعات التي تشاع فيها قيم الاعتراف والإنصاف والتسامح والتصالح والتضامن والتعاون والمحبة والاحترام، مجتمعات العدالة الانسانية المختبرة عبر تجربة طويلة من العلاقات المتبادلة والاحتكاكات المستمرة والتعايش والتساكن بين افراد المجتمع بما يجعلهم يطمئنون بعضهم الى بعض ويثقون بعضهم ببعض في بيئة خصيبة مفعمة بقيم الاحترام والثقة والامان والطمأنينة .

ولا تكون الثقة بين الناس الا بالخبرة والتجربة، وحينما يفقد اعضاء مجتمع ما او مجتمعات متجاورة ثقة بعضهم ببعض وتشيع بينهم قيم الخوف والشك والريبة والتوجس بسبب خبرات متراكمة من الغدر والنكث بالعهود وخيانة الامانة والمؤامرات والفخاخ والدسائس وتغليب القوة على الحق والغلبة على الاتفاق والاحتكام إلى قوة السيف والساعد في حل الازمات والمشكلات المجتمعية الناشبة، كما هو الحال في (جمهورية الغزو والتكفير اليمنية). فكيف يمكن تخيل معنى وضع الفيدرالية والأقاليم المزعومة التي يراد فرضها اليوم على شعب الجنوب الثائر بقوة الحديد والنار، رغم ما قيل عن قصة ا(لاعتذار المهين) ومؤتمر الحوار العقيم والنقاط العشرين 11 ووثيقة السيد جمال بن عمر المسماة ((وثيقة ضمانات الحل العادل للقضية الجنوبية)) والمخرجات والاقاليم الستة (سبأ ومعين وآزال وتهامة والجند) .

وحملة تدشين الإقليمين اليتمين (شرقي وغربي)، المسعورة هذه الأيام في عدن وحضرموت والضالع وشبوه ولحج وابين والمهرة وسقطرة، نقول رغم كل ما قيل ويقال فمازالت صنعاء هي صنعاء كما عهدناها امينة لذاتها لم تتبدل او تتزحزح عن سجيتها الاصلية التي تجعل أغباء الكائنات تفقد الثقة بها وبمخرجاتها وبمشاريعها وبكل شيء يصدر منها وعنها، ويسلك الناس وفق لما يعتقدون فاذا ما اعتقدوا انك شخص خير وطيب وامين ومخلص ونزيه ووفي وصادق وعادل وشجاع وكريم فمن المؤكد انهم سيمنحونك ثقتهم اما اذا ما اعتقدوا بانك مخادع وغدار وكذاب وخائن ونذل وجبان ونهاب ولص ومجرم …. الخ فمن المؤكد انهم لن يمنحوك ثقتهم او يأمنوا شرك بل تجدهم في حالة خوف وتوجس وشك وريب واستنفار منك ومن كل ما تقوله او تفعله من اعمال حتى وان كانت نواياك مخلصة وصادقة فيما تود فعله هذه المرة! وما اصعب ترميم العلاقة بين الناس بعدما يفقدون الثقة بعضهم ببعض بعد تجارب وخبرات عملية متراكمة من ممارسة العيش والاحتكاك والتصادم والتفاعل المستمر بينهم، وكيف للضحية ان يثق بالقاتل، وكيف للمسروق ان يثق بالسارق وكيف للمنهوب ان يثق بالناهب وكيف بالمغدور ان يثق بمن غدر به وكيف للملطوم ان يثق باللاطم، واللطام ينسى لكن الملطوم لاينسى ابدا!

والنار لا تحرق الا رجل واطيها كما يقول المثل العربي، والثقة التي يمكن ان تتأسس فيها وعليها الاتفاقات القابلة للحياة بين البشر لابد ان يتم بناء صرحها المتين طوبة طوبة وخطوة خطوة بحرص واخلاص وصدق وأمانة وصبر ومسؤولية عالية من جميع الاطراف المعنية –لاسيما تلك الاطراف المرتكبة للجنح والآثام والجرائم ,والانتهاكات والأخطاء الكبيرة والصغيرة المقصودة وغير المقصودة بحق الاطراف الاخرى من الضحايا والمتضررين وذلك بعد ابدى الشعور بالندم تجاه الفضائع والاخطاء المقترفة المسيئة السابقة بحق الضحايا والاعتراف بها علنا والاعتذار عنها برغبة وشفافية وسلامة نية وتأكيد ذلك بافعال واعمال وبراهين محسوسة ملموسة جديرة بالثقة والقيمة والاعتبار، ومن يزرع الكذب يحصد البوار ومن يزرع الريح يحصد العاصفة ومن يزرع القمع والقتل والخوف والرعب ما لذي يمكنه ان ينتظر من ضحاياه يا اولى اللباب والضمائر الصادقة ؟!

الجنوب من دولة كاملة السيادة وشريك بثلثين مساحة (ج ي ) الى اقليمين تحت الهيمنة اليمنية . من هنا يمكن لنا فهم مغزى الحاح وتأكيد مجموعة الازمات الدولية في كل تقاريرها المتصلة بالقضية الجنوبية وكذا تقارير جمال بن عمر على ضرورة وأهمية بناء الثقة مع شعب الجنوب الثائر سلميا باتخاذ جملة من الاجراءات والتدابير السياسية العملية الفورية التي تجعل الناس يثقون بصدق نوايا المتحاورين وتوجهاتهم ومواقفهم الجديدة تجاه الجنوب وأهله وهذا ما لم يتم ابدا بل جرت كل الامور بعكس ذلك تماما اذ تبين شعب الجنوب المحتل انه بعد ما كان وما لم يكن ليس ثمة شيء تحقق بشأن الجنوب واستحقاقاته السياسية الوطنية العادلة التي ثار في سبيلها شعب الجنوب منذ غزوة التكفير والاحتلال الشمالي الهمجي على مدى عقدين من الزمن واعلن ثورته السلمية التحررية من اجل التحرير والاستقلال والسيادة الكاملة ، وقدم في سبيلها التضحيات تلو التضحيات الغالية من روحه ودمه ولحمه وكده ونكده وآلمه وعذاباته التي لا حدود لها، لا شيء جدير بالأهمية والاعتبار يلوح من ما يسمى (مؤتمر الحوار المزعوم ).غير الكلام والمزيد من الكلام المصحوب بالكثير من الأوهام والأحلام الخاوية التي يتم الترويج لها بعدها انجازات حققها إخوانا الجنوبيين المشاركين في محفل حوار موفونبيك صنعاء باسم الحراك الجنوبي الذي اعلن عدم اعترافه به قبل انعقاده، اذ لو ان ثمة شيئا تحقق لظهر وبان وسمعناه وراءيناه ولمسناه بحواسنا وعلى الارض وفي هذا العالم الا نساني عالم الممارسة العملية الواقعية.

ومن المهم ان نكون على حذر من الانخداع للمرة آلالف من تصديق ما يقال من وعود وتسريبات وفقاعات كلامية دأبت صنعاء على اطلاقها للتغطية على مواقفها الحقيقية بالزوابع الكلامية التي تشغل وتلهي بها الراي العام حتى تمرر مشاريعها الاستراتيجية القديمة الجديدة كما هي عليه عاداتها التي لم تحد عنها يوما !! _ولو ان لدى صنعاء وقواها التقليدية المهيمنة التي كفرت الجنوب وغزته ودمرته وغنمته ولوثته ولا تزال تعيث فيه فسادا _ نقول لو كان لديها نية صادقة لفعل شيء طيب ومفيد للجنوب وشعبه لكانت فعلته، كما تفعل الجرائم والافاعيل الشريرة كل يوم منذ ان عرفها عام 90م وعلى مدى عقدين ونيف من الفضائع والجرائم والمآسي والعذبات والانتهاكات الممنهجة باعتراف مندوب مجلس الامن الدولي الى اليمن السفير جمال بن عمر الذي اكد في احد تقاريره الى مجلس الامن بعض الحقائق قائلا ” في الجنوب، يسير الشارع نحو مزيد من الاحتقان. ويدنو من نقطة تحوّل مدفوعاً بالاستياء بعد أكثر من عقدين على المظالم المتراكمة والتهميش المنهجي. ازداد توجّس الجنوبيين إزاء الوعود التي لم تنفذ. ومنذ شباط (فبراير)، ارتفعت بشكل ملموس وتيرة التظاهرات المتدفقة إلى الشوارع وعددها.

ولوحظت أعمال عصيان مدني منظمة أسبوعياً، ينجم عنها أحياناً جرحى وقتلى. كان تشكيل لجنتين لمعاجلة قضايا الاستيلاء غير القانوني وغير المشروع على الممتلكات، وقضايا الفصل التعسفي من الجيش والخدمة المدنية، خطوة أولى بالغة الأهمية على طريق معالجة المظالم الرئيسة. لكن، بينما تواصل اللجنتان مساعيهما الحثيثة لجمع الشكاوى والحالات وتوثيقها، فإنهما ستحتاجان موارد أكبر بكثير لإنجاز مهامهما وتقديم علاجات فعّالة. علاوة على ذلك، إن لم تتخذ الحكومة مزيداً من إجراءات بناء الثقة أو تحدث تحسيناً ملموساً في الحياة اليومية للناس، ستزداد الأصوات الغاضبة وتتقلص مساحة الحوار” .