fbpx
بعد أوكرانيا.. هل مولدوفيا هي التالية؟
شارك الخبر

وزير الدفاع الجديد لمولدوفيا، ذلك البلد الساحر، ولكنه أيضا إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق التي تراوح التعاسة والمحشورة بين أوكرانيا ورومانيا، هو مسؤول سجون سابق ذو هيئة قوية اسمه فاليريو ترووينكو. ويبدو من مسافة قريبة لطيفا، ولكنه كان عازفا بشدة عن الإجابة عن سؤال وجهته له بعد حفل أدائه القسم في المكاتب الرئاسية.

ودعيت أثناء قيامي برحلة إلى مولدوفيا وأوكرانيا أوائل هذا الشهر لحضور ذلك الحفل، وكان هناك طابور من البيروقراطيين المترهلين ممن تجاوزوا الأربعينات من عمرهم، يقفون بشعور جامد خلال مجموعة من التعليقات المقتضبة وعُزف السلام الجمهوري لمولدوفيا، ثم قبل العلم قبلة خاطفة مع انحناءة، وأدى القسم بالدفاع عن الأمة.

ليس ذلك بالأمر السهل الوعد به. فمن الحكمة افتراض أن روسيا التي يبدو أنها تنوي ابتلاع أوكرانيا قد يكون لها أيضا خطط لمولدوفيا. وانصرف ترووينكو بعد الحفل، لكني التقيته في الممر. وكان ذلك هو السؤال الذي يبدو أنه لم يستسغه: «كم هو عدد القوات في مولدوفيا؟» ونظر إلي للحظة طويلة. وقفز سؤالان إلى ذهني بسرعة «أربعة آلاف، خمسة آلاف؟» ولم أسأل أيا منهما وكان يبدو الفرق بينهما كبيرا. وسألت ترووينكو بدلا عن ذلك هذا السؤال: «بالنظر إلى الوضع الراهن في المنطقة، وأنه يوجد لروسيا بالفعل ألفا جندي في ترانسنيستريا (دويلة لينينية صغيرة منفصلة على الجانب الأقصى من نهر دنيستر، لا يعترف باستقلالها سوى ثلاث دول أخرى منفصلة عن دول روسيا المركزية) فهل أنتم مستعدون فعلا للدفاع عن بلدكم؟» فأجاب «سنستعد، تلك هي وظيفتي الاستعداد»، ثم هرول بعيدا ربما ليستعد.

وفي وقت متأخر من تلك الظهيرة ذهبت إلى المبنى الحكومي الرئيس على ميدان شيسيناو المركزي (تعرف المدينة أكثر في الروسية باسم كيشينيف). والمبنى الحكومي ذو طابع سوفياتي مع مكاتب لها أسقف عالية مفتوحة وممرات واسعة لا تنتهي. ذهبت هناك لأسأل رئيس الوزراء لوري ليانكا حول ذات الموضوع: هل أنتم مستعدون لما قد يأتي؟

وقال: «بأمانة نحن لا نعتمد على استعدادنا لمقاومة عسكرية لتدخل خارجي»، «انظر إلى المثال الأوكراني، فالجيش الأوكراني أكبر بكثير من جيش مولدوفيا. إنه ليس حلا مجديا. إن ما نعتمد عليه هو عدم التصعيد في الوضع، والأمل أن يفهم الجميع، وخاصة في الشرق أن هذا التوتر ليس في مصلحة الجميع، ولذلك آمل (تفكيك روسيا البطيء لأوكرانيا) أن تكون هذه حلقة واحدة».

هل يعتقد فعلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيقف عند أوكرانيا؟ أعترض. إنه يعلم أنه يسير على حد السيف، وأن كل كلمة يقولها ستدرَس بعناية في موسكو. لكنه مضى معلقا على زيادة مناورات القوات الروسية في ترانسنيستريا التي لا تبعد سوى ساعة عن شيسيناو. ويبلغ عدد سكان ترانسنيستريا نحو 500 ألف نسمة (لا يعلم أحد عدد السكان بالتأكيد، والحكومة التي يُشك أن الكرملين يتحكم فيها غير مهتمة بإجراء تعداد سكاني دقيق) ولترانسنيستريا جيشها الخاص ومفرزات الشرطة الخاصة بها، التي تتلقى المساعدات والدعم من القوات الروسية، التي لم تغادر أبدا. وقال لي رئيس الوزراء «تحاول القوات الروسية تعلم عبور نهر دنيستر خلال دقائق قليلة».

ومع ذلك يرفض التكهن بخطط بوتين، وأشك أن ليانكا يدرك أن مولدوفيا تواجه أزمة وجود، كما أشك أنه يعتقد أن لبوتين خططا لمولدوفيا، لأن كل شخص تقريبا في مولدوفيا حتى قادة الحزب الشيوعي، يعتقدون أن بوتين ينظر إلى مولدوفيا باعتبارها جزءا من حقوق ميلاد روسيا. ويعتقد الشيوعيون بصورة طبيعية أن ذلك شعور مشروع من ناحية بوتين، ولذلك فهو يريد إعادة مولدوفيا إلى مدار موسكو. ويقود رئيس الوزراء تحالفا مواليا للغرب، ويواجه انتخابات صعبة هذا الخريف. وإذا لم يبد هو والاتحاد الأوروبي وواشنطن الاهتمام اللازم، فستجد مولدوفيا نفسها في صف روسيا، وستكون النتائج كارثية ليس على مولدوفيا وحدها، بل على مستقبل الديمقراطية في أوروبا أيضا.

وأضاف رئيس الوزراء قائلا: «يقول البعض إن هناك فرصة في أي أزمة، ولا شك أن هذه الأزمة سيئة بالنسبة لنا ولشعورنا وعواطفنا، ولكن يوجد جانب إيجابي في كل ذلك»، «إحدى المشاكل التي نواجهها مثل أوكرانيا تماما، هي أننا في جوار رمادي خلافا لرومانيا التي انضمت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى حلف الناتو. نحتاج إلى أجوبة الآن ليس بالنسبة لشبه جزيرة القرم أو ترانسنيستريا. إن الاستجابة الفورية لمشاكلنا بيد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتقدم برؤية لضم مولدوفيا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك يعني المزيد من الدعم لمولدوفيا».

لكن الولايات المتحدة التي لم تستيقظ إلا أخيرا للتهديد الذي يواجه أوكرانيا، هي أبطأ في إدراك الوضع الذي لا يقل زعزعة لمولدوفيا. وتتحرك إدارة الرئيس أوباما الآن لإدخال مولدوفيا إلى مجموعة الدول الغربية. أما الاتحاد الأوروبي فهو يحاول إرسال إشارات مترددة وغير واثقة تماما إلى بوتين، أن مولدوفيا ليست للأخذ.

* الشرق الاوسط –  بالاتفاق مع «بلومبرغ»

جيفري غولدبيرغ

أخبار ذات صله