fbpx
الرياض دورها وحاجتها .. الجنوب العربي واليمن الضدان ( 6 )

مقدمة

اعتن جيداً بسمعتك لأنها ستعيش اكثر منك / شكسبير

في النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم خلعت اليمن ملكيتها ، وتساقطت سلطنات ومشيخات الجنوب العربي تتابعاً ، ونشأ في جنوب شبة الجزيرة العربية كيانان .. أو هما شيئان .. يتماثلان معاً في الطيران خارج السرب أو خارج المنطق ..

 

ورطة في التاريخ

في مقال كهذا يجب أن نحتمل قدراً من المسؤولية تجاه التاريخ أولاً وأخيراً ، فالتاريخ يروي مدخلاً مهماً عندما يذكر أنه في شهر مايو 1934م أعلن عن نهاية الحرب السعودية اليمنية التي اشتعلت في الثلاثينات من القرن العشرين ، وإقامة علاقات سلمية بين الدولتين ،واعتراف كل طرف باستقلال وسيادة الطرف الآخر. وأعادت المملكة العربية السعودية إلى اليمن بعض الأراضي ، التي احتلتها إبان الحرب بينهما ، كما أبدى الاتفاق اهتماماً خاصاً بتعاون الطرفين في كشف العناصر المعادية لنظاميهما ،كما أبدى الاتفاق اهتماماً خاصاً بتعاون الطرفين في كشف العناصر المعادية لنظاميهما. حددت الرسائل المتبادلة الملحقة بالاتفاق ، شروط تسليم الأدارسة اللاجئين في اليمن إلى المملكة العربية السعودية ، وفي 26 يونيو 1934 الموافق 14 ربيع الأول 1353 هـ تسلَّم السلطان عبد العزيز أفراد أسرة الأدارسة من إمام اليمن الذي ضمن شروط الصلح بينهما ..

بعد ثمانين عاماً من توقيع معاهدة الطائف التاريخية نبدو أمام استحقاق سياسي وفكري يتلاءم مع حاجتنا جميعاً كل في مكانه وحاجة الرياض ومكانها ودورها ، فالحرب التي كانت بين المملكة السعودية والمملكة المتوكلية انتهت باتفاق أو معاهدة كانت حجر زاوية وركن ركين في المسار السياسي لشبة الجزيرة العربية برغم تقادم التاريخ وابتعاده عن الواقع المعاصر وما تشكل من أزمات طارئة و غير طارئة في هذه المنطقة من العالم ، ولعل هذه المعاهدة والتي حملت شكلاً موضوعياً للعلاقة بين مملكتين احدهما كانت تمتلك القدرة على التمدد وأخرى كانت تزداد إنكفاءاً على نفسها ، غير أن المملكتين وهما يضعان الحرب كانا ايضاً يصنعان ملامح مستقبل الإنسان من خلال ما خصصته المعاهدة من بنود في شكل العلاقة بينهما ..

من العام 1934م وحتى 1962م كانت المملكتين تشهدان بقدرة كل قيادة سياسية فيها قدراً من بلورة ما تمتلكه وتحتضنه من موارد وقدرات وإمكانيات ، إلا أن المد القومي المتأجج وسقوط الملك فاروق في مصر 1952م شكل في جانب آخر تطوراً أدى لظهور ( الضباط الأحرار ) في اليمن استنساخاً للضباط الأحرار في مصر ، وأنتجت الحركة انقلاباً لا يمكن أن يؤطر سياسياً بأنه ثورة كما يشاع ، فما حدث كان انقلاباً داخل البيت الزيدي انتقل بموجبه حكم اليمن من أسرة حميد الدين إلى أسرة الأحمر ، واستبدل مسمى اليمن ( شكلياً ) من المملكة المتوكلية اليمنية إلى الجمهورية العربية اليمنية وصعد العسكر إلى سلطة الحكم وأمسكت القبيلة الزيدية بزمام حكم اليمن باستبدال مظهره والإبقاء على هيكله ..

في الجنوب العربي كانت بريطانيا العظمى تستعمر مدينة عدن وتخضع لها ثلاثة وعشرين سلطنة ومشيخة بموجب معاهدات حماية تماماً كما كانت غيرها على ضفة الخليج العربي ، لم يكن الوطنيين في الجنوب العربي يرتضون الوجود البريطاني على أرضهم وفي ذات السياق لم يكونوا ليرتضوا خياراً يخرج عن سياق واقع منظومة الجزيرة العربية سياسياً ، فتخلقت فكرة الجنوب العربي كإطار سياسي يجمع السلطنات والمشيخات في إطار دولة اتحادية جامعة ، ونجح أبناء الجنوب العربي من انتزاع حق الاستقلال من بريطانيا في التاسع من يناير 1969م إلا أن المخابرات المصرية واليمنية لعبت دورها في توجيه الدفة إلى الجبهة القومية ليتم إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 30 نوفمبر 1967م، وتتشكل في الجنوب العربي دولة أخرى خارج سياق الطبيعة السياسية للجزيرة العربية ..

مفهوم الدولة .. العربية

في الوقت الذي كانت منظومة الجزيرة العربية بملكياتها ومشيخاتها تضع خطواتها الأولى نحو التنمية البشرية ، وتتقدم اقتصادياً ومعرفياً منذ سبعينيات القرن العشرين الماضي كانت الدولتين الجمهوريتين في جنوب الجزيرة العربية تشهدان معاً حالة اللاستقرار السياسي فكانت موجات الانقلابات الداخلية وصراعات الأجنحة السياسية وغيرها تلعبان أدوارهما في صنعاء وعدن ، وأن كان الجنوب قد حقق استقراراً أمنياً إلا أنه أيضاً عرف حروباً مع جيرانه الثلاثة سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والجمهورية العربية اليمنية ، بينما اليمن الشمالي كان يعيش صراعاً داخلياً قاسياً بين القبيلة والسلطة حتى وصول علي عبدالله صالح إلى حكم اليمن عندما نجح في تسخير القبيلة والسلطة في شخوص متماثلة تؤدي أدوارها لتأمين استمرار الحكم في قبيلة حاشد ..

الطبيعة السلوكية لمواطني الجزيرة العربية لا يجب أن تهمل ، فالإنسان العربي الذي يتمسك بعادات وتقاليد بيئته لا يجب استدراجه إلى هالات من هذه النوعية المفرطة جداً في القفز على واقع هذا الإنسان الذي لم يخرج من تقاليده تلك ليجد صورة يرسمها آخرون تتحدث عن الدولة بأركانها الكاملة .. الحرية .. العدالة .. الحقوق ، إطارات ليست موجودة في واقع المتكلمين عن هذه الدولة الذين جاءوا من صفوف الجيوش لا يحملون من الكيمياء شيئاً ومن الرياضيات شيئاً ولا حتى من اللغة أو القرآن شيئاً ، فكسف يقدم من لا يملك فكراً للشعب الدولة المدنية الكاملة في إطار الجمهورية الديمقراطية ..ّ؟

أن الاستقرار والتنمية الاقتصادية الذي عرفته دول مجلس التعاون الخليجية الست جاءت لتوافق صحيح بين الحاكم والمحكوم ، وبين طبيعة المجتمع بعاداته وتقاليده ومنهجية السلطة في التدرج السياسي ، حالة النجاح الذي تحقق في عموم دول شبة الجزيرة العربية يخالفها التضاد الذي ظهر في الجنوب العربي واليمن ، فالعسكر لم يستطيعوا قيادة الدولتين ، ولم ينجحوا في انتشال الفقر والأمية ، فشل التجربة السياسية الجمهورية كان كارثياً على المنطقة وإنسانها حتى على الإنسان الذي لا ينتمي للجمهوريتين معاً فالمخزون البشري الذي تحتمله اليمن الشمالية كان يمكن أن يكون رافداً في عجلة التنمية وكان قادراً أن يسد الحاجة من اليد العاملة التي أيضاً أخلت بالتركيبة الاجتماعية والفكرية في مجتمعات الدول الخليجية ..

 

القنبلة ..

من الخطأ أن تبقى دول الخليج العربية تترقب انفجار القنبلة في شمال اليمن ، فالصراع المذهبي والقبلي إضافة إلى الفساد والأمية الطاغية تشكل هاجساً وصداعاً دائماً ، كذلك استمرار الجنوب العربي مساحة لقوى النفوذ في الشمال اليمني ينذر بأخطار أخرى يتقدمها الإرهاب ، وهنا نحتاج لكثير من بٌعد في النظر إلى مستقبل شبة الجزيرة العربية وضرورة الانحياز إلى حقيقة متجردة وهي أن شعوب هذه المنطقة لا يمكنهم غير التعايش في أمن واستقرار وتنمية ..

قدم أبناء الجنوب العربي في 18 ديسمبر 2012م خلال لقاءهم بالأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبداللطيف الزياني ( وثيقة الرياض ) وهي عبارة عن خارطة طريق قادرة على حل القضية الجنوبية حاملة في طياتها الطريق الصحيح نحو المستقبل السياسي للجنوب العربي بإعادته إلى الشكل الذي ينسجم وطبيعة دول منطقة الجزيرة العربية وهو ما يجب أن يبادر إليه الجانب اليمني الشمالي بأن يقدم خارطة طريق تخلص الشعب من ويلات الفقر والجوع والتخلف ، فلا يمكن أن البقاء على دولة الوحدة ، ولا يمكن السير تجاه الهاوية ، والممكن هو التأطير التاريخي لليمن الجديد من خلال مساعدته الاقتصادية على اعتبار أن الشعب اليمني منكوب منذ 1962م ..

حاجة الرياض إلى الاستقرار في الجزيرة العربية هو منهجها الأول الذي دشنه المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه ، هذه الحاجة كانت تنطلق من الرؤية ، ومن الثقة ، ومن القدرة على انتهاج الطريق الصحيحة التي على الرياض أن تتقدم إليها خطوات فهذا هو قدرها بحجم مركزها وثقلها ومكانتها ، فاليمن الذي اختطف في الستينيات الميلادية يمكن استرداده وإلا فأن التيار الاخواني قادر على بسط نفوذه على جنوب الجزيرة العربية وهو تيار اثبتت الأيام أنه على استعداد أن يتحالف مع الدولة الفارسية وحتى الاسرائيلية مقابل تحقيق أهدافه المعروفة ..

 بقلم | سالم مسهور