fbpx
صرخة اخيرة قبل فوات الاوان !

“نادرا ما فهمتوني ونادرا ما فهمتكم  اما حينما نسقط كلنا في الوحل حينئذا فقط  يمكننا ان نتفاهم “

بين العنف والسلطة   علاقة جدلية تفاعلية تبادلية التأثير والتأثر ؛ فهما منفصلان ومتصلان في آن واحد بحيث تتأسس الثانية على توقف الاول والعنف هو اولاً قبل- سياسي لأنه يشير الى الوضعية التي تسبق ظهور سلطة سياسية ما, وهو  ثانياً ضد – سياسي لأنه ينذر بدون توقف بانهيار النظم السياسية وهو اخيراً  ما بعد – سياسي لأنه يبعد السياسية عن السلطة وينقل مركز القوة والنفوذ  الى دوائر اخرى  خارج المجال السياسي وقواعد لعبته المعروفة والمتعارف عليها منذ فجر التاريخ , نقل مركز القوة الى دوائر وبؤر اخرى خطرة  غير خاضعة للتحكم والسيطرة والتنبوء تتجلى  بصور شتى ؛فوضوية بربرية وفوضوية وهمجية ووحشية وثأرية وانتقامية وتمزيقية  تجعل من التعايش والتساكن والتفاهم  والتجاور الاجتماعي المطمئن  جحيم لا يطاق وأمر مستحيلا حتى لاولئك الذين  لم يكونون طرف من اطرافه المباشرة , لا سيما في المجتمعات العربية التقليدية الثأرية الهشة  , .

 وربما كان الثار من بين جميع مظاهر العنف اخطرها على الاطلاق ، ذلك لان الثار الحر يشكل حلقة مفرغة وعملية لامتناهية ولا محدودة ، ففي كل مرة ينبثق منها من أي نقطة ما من الجماعة مهما تكن صغيرة ، يميل الى الاتساع والانتشار  كالنار في الهشيم الى ان يعم مجمل الجسد الاجتماعي ، ويهدد وجوده بالخطر . وهذا ما نراه في ماساة الشعب الصومالي الشقيق وكارثة افغانستان وسوريا والعراق  ، اذان اقل عنف يمكن ان يدفع الى تصاعد كارثي ، فنحن جميعا نعرف ان مشهد العنف له شيء من العدوى  ويكاد يستحيل احيانا الهروب من هذه العدوى ، فاتجاه العنف يمكن بعد يظهر التعصب مدمرا كالتسامح معه تماما ، وعندما يصبح العنف ظاهر يومية وشيء معاش ومألوف في حياة الناس .

 يوجد الكثيرون ممن  ينساقون بحرية وحماس وحمية اليه  ،كمايوجد اخرون ممن يعارضونه ويستبشعون نتائجه مكتفين بترديد خواطرهم السلامية الطيبة بدون ان يفعلوا شيئا لايقاف عجلته المهلكة, ولكنهم بهذا الموقف السلبي هم انفسهم ، غالبا الذين يتيحون له الشيوع والانتشار والدوام والهيمنة حسب المفكر الفرنسي رينيه جيرار في كتابه ( العنف المقدس ) اذ يشبه العنف في المجتمعات الثارية كمجتماعاتنا (( باللهب الذي يلتهم كل ما يمكن ان يلقي عليه بقصد اطفائه ))

 ورغم هذا التعارض بين السلطة السياسية والعنف  من حيث الماهية، فإن العنف يجد نفسه تجريبياً مقترناً دائماً بالسلطة ومتداخلاً معها اذ يشغل مكانة داخلها، وداخل السياسة بما هي علاقات قوى تنافسية واستراتيجات مصالح متصارعة  وهذا ما يظهر بقوة في مقدمة ابن خلدون وفي اعمال نيقولا ميكافيللي، الذي كان اول من حدد تقديرهما اي «العنف والسلطة» باكبر قدر ممكن من الدقة لا سيما في كتابه الشهير الأمير انجيل  السياسية الحديثة  إذ أن تقدير كمية العنف والسلطة هو ما يؤسس في نظره السياسة والمجال السياسي المستقل بقوانينه الخاصة  ويتعلق الامر هنا بمقدار ما تحتاجه السلطة السياسية من العنف للحفاظ على السياسية، دون الخطأ في تقديره لأن الافراط في مقدار العنف يلغي السلطة فعلاً ويهدد السياسة والنظام السياسي بالتفكك والاضمحلال والزوال , وهذا هو معنى قول ابو الحسن الماوردي ( لا تدوم الدول الا بعدل صحيح وأمن  راسخ وأمل فسيح ) الاحكام السلطانية .

وترى كل من الامريكية حنة  ارندت وكلود لوفور بأن العنف يفضي الى اختفاء السياسة في الانظمة التسلطية  , واحلال العنف قوة تسلطية  وحيدة محل السلطة السياسية يسيران بنفس الوتيرة ويتلازمان بحيث ان حضور احدهما يعني غياب الآخر لأن حلول العنف محل السلطة جعل هذه الاخيرة ضائعة المعالم وغير متعرف عليها وعلى شرعيتها السياسية , وبذلك كان الطغيان  والاستبداد اللذان يستندان على قوة العنف والقهر والاجبار هو تسلطية وليس سلطة حقيقية  اذ لا تكون المبادئ (المداخل والمخارج) مستبطنة من طرف اولئك الذين يخضعون له اي المحكومين به  فضلاً عن ذلك فهو لا يتوفر على دعامة ايديولوجية سوى ارادة المستبد الحسنة او السيئة .

ومثلما اكد افلاطون بأن المستبد بوصفه سجين عالم باطني لا يستطيع السيطرة عليه يعيش مفتوناً باضطراب رغباته واهوائه الخاصة به، اذ ان الاستبداد شكل سياسي يوجه فيه العنف الباطني للمستبد السلطة ويحيلها الى تسلط , وهكذا نتعرف في هذا التحليل على أحد اوجه الـ«بدون- اساس» الذي اشار اليه هيدجر في كتابه (مبدأ العلة) فالقوى الاستبدادية لا تعرف لماذا ولا بواسطة ماذا هي جائرة انها هي نفسها تسقط اولاً ضحية هذا الجور قبل ان تصير استبدادية، انها لا تعلم بتاتاً بأن العنف «بدون لماذا» «بدون علة» «بدون- اساس» يستحيل تبريره  بل ينكشف بعده باطل وجور لايجب السكوت عليه .

ان السلطة التي تتخذ من العنف الخيار الوحيد في حل مشكلاتها وأزماتها  تعمل على تقويض ذاتها وتهديد حياة مجتمعها، اذ يستحيل تبرير مشروعية العنف في كل الحالات، فاذا لم يكن العنف استثناء تستدعيه ضرورة قاهرة وفي لحظة مباغتة للحفاظ على حياة الناس ومصالحهم وتأمين سعادتهم ومستقبلهم ضد اي تهديد خارجي مؤكد، فإن السياسة والتسلطة السياسية تضع نفسها على شفير الهاوية و«حينما يكون الحصان على شفأ الهاوية، فلا يجدي شد اللجام لا يقافه».

اما القوى الاستعمارية والاحتلالية  الداخلية والخارجية  فالعنف والعنف العاري من كل تبرير هو أرومتها الجوهرية  أليس هذا هو حال قوى الهيمنة التقليدية الشمالية التي حولت مشروع (فخ الوحدة )الدبلوماسي  الماكر الى جريمة حرب تكفيرية  شاملة و تدمير ونهب واحتلال غاشم للجنوب دولة وشعب وارض ووطن وسيادة وتاريخ وهوية , منذ اليوم الاولى من الوقوع في شركها الكارثي , انني وانا اشهد  تلك الجرائم والمذابح الوحشية التي ترتكبها عصابات الغزو والاحتلال هذه الايام في الضالع الباسلة واخرتها مذبحة اليوم البالغة القسوة والوحشية , واعود بالذاكرة الى البدايات , في مطلع تسعينات القرن الماضي حينما قدر للجنوبيين الذهاب الى((( صنعاء العاصمة الوحدوية )))  وكيف استقبلتهم قوى الغدر والاجرام ذاتها في دارها وضيافتها بان اعدت لهم القتل والموت الزؤوم غدرا وعدوانا وعلى نحو منهجي مقصود ومخطط اذ فتكت في باكورة السنتين الاولى من الجريمة باكثر من 160 شهيد من خيرة قيادات وكوادر دولة الجنوب المسالمين العزل , وقيدت تلك الجرائم ضد مجهول .

 حينما نستذكر البدايات الغادرة وما تلاها من جرائم بشعة جرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة الجماعية التي ارتكبتها قوى الغزو والتكفير والاحتلال منذ الاجتياح العسكري الهمجي في 94 م بحق الجنوبيين ونربطها مع ما تم بعدها ومازال مستمر حتى اللحظة بعد عقدين من الجريمة والعنف المفرط نعتقد جازمين ان ثمة ارادة واستراتيجية واعية عند هذه القوى الشريرة في اخضاع وقهر شعب الجنوب بهذه الطريقة المروعة من القتل والمزيد من القتل ولا شيء غير القتل بلا حدود , قتل الاجداد والابناء والاحفاد , كما يحصل اليوم في الضالع الابية وحضرموت الثائرة ,  تحت شعار وحدتهم الدموية , التي هي حقا وفعلا ظلت ومازالت امينة مع ذاتها وهويتها الاصلية وهوية وارادة اصحابها , وهذا هو ما جعل كل شعب الجنوب يثور وينتفض ويهب ويقاوم هذا الاحتلال الغاشم الذي ارتكب بغزوه وتكفيره  واحتلاله افضع الجرائم التي ترتكب ضد الانسانية انها   جريمة الإبادة الجماعية التي هي غاية ونتيجة كل حرب استعمارية خارجية أو داخلية، بل أن منطق الحرب ذاته ينطوي بالضرورة على جريمة الإبادة الجماعية.

 فالحرب في معناها اللغوي تعني القطع، البتر، الفصل، ومن هنا اشتقت أسماء “الحربة” بمعنى الحد القاطع، والحرابة بمعنى قطع الطريق أو التقطّع. والحرب بما أنها، وبطريقة ما، شكل من أشكال التفاعل والاتصال بين الذوات الاجتماعية، فهي تعني بأن العلاقة بين الذوات قد استنفذت جميع قنوات التواصل والاتصال والتفاعل العقلاني الإنساني الحواري التشاوري والكلامي السلمي.. وهي بذلك تقع على الطرف النقيض للوحدة والتوحد والاتحاد والعيش المشترك في مجتمع أمن ومستقر .

الوحدة بما هي اندماج  اجتماعي وخير سياسي ونفع اقتصادي ومساواة وتكافوء فرص وتنافس شريف وتعاون وتضامن واحترام وثقة  وتفاهم ومودة وتعاشر وتساكن ونما وتقدم ورقي وازدهار  وامن وعدل وحرية وسلم وعزة وكرامة وحماية  ورحمة وشفقة ومشاعر متبادلة  …الخ  الوحدة التي هي دائم وابد على الطرف النقيض  للحرب والقتل والتدمير والاحتلال    فحينما تنشب الحرب، تختفي الوحدة، وحينما تحضر الوحدة تغيب الحرب، إذ أن الوحدة هي كما اسلفنا ونكرر  وصل واتصال وتواصل وتفاهم  وانسجام واحترام واعتراف متبادل بين الأطراف الداخلة فيها انها ويجب ان تكون حياة وليس قتل وموت !!! إما الحرب فهي قطع وقطيعة وعنف وتدمير، كره وعدوان وقتل وحرمان، حقد وقهر وثأر وانتقام  وشر وظلم وجرم  وقسوة وفحش ومنكر وكل ما يمكن تخيله من آثام وعذابات ومرارات وجراحات تظل غائرة في النفوس والاجساد حتى بعد  زوالها  “.

 منذ 24 عام عام يمضي وعام يأتي  والجريمة تزداد والعنف يتسع والضحايا تزداد  والبشاعة تتسيد والقسوة تتضاعف ,  والمجازر ترتكب ضد شعب الجنوب المسالم الاعزل في ظل صمت مهين للناس في الشمال , ولا تلوح بارقة امل لعمل شيء في سبيل ايقاف هذا العنف المفرط والقتل المجاني للنساء والاطفال في الضالع والجنوب عامة , انني اكتب هذا والحزن والغضب يخنقني مما بلغناه من حال ينذر باشد الاخطار على حياة الجميع في المستقبل ,  القتل بهذه الصورة يا جماعة لم يبقي للباطل طريق , وكلما طال سكوت الناس زادت احتمالات انتشاره , الوحدة يا جماعة ليست بكل هذا العنف المفرط والموت والقمع والقتل البشع والمجازر المروعة , الوحدة يا خبره ليست بكل هذا العتاد الرهيب من القتلة والضبعان والذئاب المتعطشة للدم والجريمة والجند والسلاح , الوحدة ليست بكل هذا الغل والحقد والسخط والانحطاط فاذا لم تكن في القلب فمن المستحيل ان تكون في اي مكان أخر , وحينما يزيد القتل فعلى الجميع ان يستشعر المسؤولية قبل فوات الاوان

 ثمة ارادة قصوى في صنعاء لدفع الناس دفعا الى الاحباط  وفقدان الامل من جدوى المقاومة السلمية  , نحن مجتمعات عربية تقليدية ونفهم بعض , الجور زاد ولا معنى للكلام حينما يفقد الناس صبرهم ويجن جنونهم , وللصبر حدود , ولا مجال للامنيات والرهانات هنا , المسالة ليست اخلاقية ولا ايديولوجية ابدا انا هنا اكرر للمرة الاف , ان العيش تحت التهديد والقتل والعدوان لن يجعل الناس افضل حال بل قد يدفعهم الى القيام  ردود افعال لم تكن بالحسبان ,  فهل من يدرك الخطر هنا والان ,  ثمة ارادة قتل وتصميم عجيب عند قوى الشر والجريمة الى مواصلة السير في هذا المنحدر الى النهاية , فاذا ما تركت وشأنها فقد نجد انفسنا جميعا في آتون مهلكة لا احد يعلم اغوارها لا سمح الله , والناس هم الناس في كل مكان وزمان احفاد هابيل وقابيل  , هل من يفهمني ؟؟؟؟؟!!!!

 ان القوى التقليدية  المهيمنة في صنعاء تسوق الجميع الى هاوية سحيقة بما ترتكبه اليوم في الجنوب المثخن بالجراح من جرائم ومذابح بشعة في الضالع وحضرموت ,

 وهي بفضاعاتها  هذه  احلت العنف المفرط محل قوة الحق والاقناع  المشروع بل انها استمرأت العنف وعملت جاهدة على خلق شروطه واسبابه حتى حينما لا تكون هذه الاسباب والشروط قائمة في الواقع، ، بدلاً من استثمار وتوظيف واغتنام  فرصة  مشروع « الاتحاد السلمي الذي ولد منفصلا كما  اكد الراحل عبدالله البردوني  » بدلا من اغتنامه  تجربة وخبرة للتعارف والتعاون والخير والسلام والنمو والتقدم والازدهار  وجعله ذكرى طيبة ونقطة مضيئة في حياة شعب الجنوب الذي اجبر على التضحية بكل شيء من اجل تحقيقة بهذا الصورة الجائرة بدلا من اغتنام المستفيدين لهذه الفرصة التي جاءت اشبه بهبة من السماء لصنعاء للاسف الشديد   فضلت تلك القوى الشريرة اخضاعه  بلحرب والعنف والاحتلال , اذ راحت التسلطية الحربية التكفيرية الاحتلالية  منذ السنة الاولى و الاجتياح الغاشم في 94 وحتى الان  تعمل على تقويض كل مقومات  التعايش الجواري الاجتماعي التعاون الطيب بين الجنوبيين والشماليين  وتعميق الفرقة والشقاق وتزرع العدوات والضغائن بين  الناس بما لم يشهد تاريخ التعايش والجوار الطويل من الف السنين .

 ولم تحاول طول السنين الماضية  استئناف الفعل السياسي وقوة الحق القانوني، بل ظل العنف والتهديد والقمع والوعيد هو البديل، وها هي الحرب اليوم تطل برأسها من جديد بعد مومفبيك الحوار ومسرحية الاعتذار المهين لشعب الجنوب الثائر هاهي تلك القوى ذاتها قوى الحرب والتكفير والاحتلال  تستئنف لعبتها الاثيرة  لاسيما بعد ان خلعت بزتها القديمة وارتدت حلة ثورية وحصانة قضائية خليجية يمنية هاهي  تلك القوى العنيفة  تتأهب لاعلان الحرب الجديدة  ضد شعب  الجنوب الذي سئم القمع والوعود وكسر كل حواجز الخوف واعلن ثورته الوطنية التحررية من الاحتلال واستعادة السيادة الوطنية الجنوبية الكاملة على ارضه وحدودة الكاملة .

 فليعلم الجميع  ان ممارسة العنف المفرط والقتل الوحشي سيخلق  على المدى الطويل  دينامياته الخاصة، وانماط علاقاته وقيمه واساليب ديمومته بحيث يستحيل على المجتمع وقواه  السيطرة عليه وعلى نتائجه، ليس هناك ثمة امل في الافق الظليم لتجاوز هذا الوضع الذي صنعته سنوات طوال من ممارسة العنف العاري وماتزال    سوى مزيد من العنف والخراب والدمار وها هي رقعة العنف تتسع يوماً بعد يوم في الجنوب والشمال وها هي السياسية تختفي من حياتنا كما تختفي معالم الطريق في عاصفة من الرمال وكلما غابت العقلانية  السياسية، وحضر العنف والقتل ، كلما عجل بزوال السياسة وسلطتها وشرعيتها   وتفكك النظام وكل يوم تتدهور فرص الحياة الأمنة في بلد تغلبت فيه الجريمة والقوة والسيف والساعد على العقل والعقد والحق والسياسة وتجاوزت  كل احتمال الاحتمال , وليس ثمة قوة في هذا العالم يمكنها ارغام شعب على ارادة ما لا يريد ، كل جريمة اضافية توسع هوة الواسعة بين الشمال والجنوب , وتعزز القناعة الجنوبية بعادلة قضيتها الراسخة في فك الارتباط  واستعادة السيادة , ولا شي يمكن  انتظاره من تطويل هذا الامر غير المزيد من التدهور والتفسخ والنحلال , فهل هناك من يعقلها يا اهل الشمال  , لسنا في بداية التاريخ ولا في نهايته , وقد عاش واتجاور اسلافنا هنا في شبه الجزيرة العربية منذ اللاف السنين دون ان تتردى العلاقات  بينهم الى هذا الحضيض المخزي . والله من وراء القصد