fbpx
الهبة تسلخ قات السلطة !!

بقلم | د . سعيد جريري

إشارة أولى:

القات، سواء كان نبتة شيطانية أم غير شيطانية، دخيل ثقيل دم على حضرموت منذ 1990م، عندما أبيح تداوله في مناطقها، تعويضاً عن الحرمان المزاجي الذي كان يعاني منه الحضارمة، فهو بذلك مكسب حيوي من مكاسب “الوحدة ” التي لا تعد ولا تحصى!.. لكن بعض الحضارمة – هداهم الله – ” متحملين بالقات” مثلي، و”متحبرين به حُبرة تاريخية”، فهم يناصبونه عداءً صريحاً بمناسبة وبدون مناسبة، و”ينغصون” على “المقاوتة” و”الموالعة” عيشتهم ويعكرون عليهم مزاجهم. لكنهم كانوا إلى قبل الهبة الشعبية أقلية بمستطاع أي مهووس بالقات أن يرد عليهم بأن تداول القات في حضرموت جزء من الحرية المتاحة ،وأن عليهم أن يحترموا حرية غيرهم، وحقهم في تعاطي القات أو تداوله، لاسيما أن ليس هناك موقف “ديني” صارم منه، فضلاً عن أنه محميّ من قبل السلطات التي أغلب ممثليها – في ما يبدو – واقعون تحت سلطة القات.

(1)

و هبّت الهبة.. فإذا المحاولات السابقة التي أفلحت في إخراج أسواقه من بعض الأحياء والمناطق، تجد رافداً قوياً لها، في الهبة الشعبية، بإرادة شبابية جعلت أسواق القات هدفاً رئيساً، انطلاقاً من وعي عميق بأن القات ليس نبتة شيطانية فحسب، وإنما هو أحد أبرز الأسلحة الفتاكة التي تستخدمها قوى الهيمنة والنفوذ للتخريب الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والأخلاقي، والديني، والسياسي، والرياضي أيضاً، وقد كانت المدة من 1990 إلى الآن، مرحلة قاتية بامتياز، من دون أدنى مبالغة، فالقات سيد الموقف، وكادت تسقط حضرموت في مستنقعه، في وقت قياسي، إلى الأبد، لولا قانون الممانعة الذي يستمد قوّته من تراث قيمي وأخلاقي وسلوكي، ظل يفعل فعله، حتى تشكل تحت ضغط مساوئ القات، رأي عام مضاد له، حتى في أوساط المبتلين به.

 

هبت الهبة، وكان يوم الـ20 من ديسمبر يوماً “كبيساً” بلا قات، بإرادة شعبية، لكن ما تصفها الأخبار بـ”السلطة المحلية” في المكلا على سبيل المثال، مازالت خارج دائرة الإرادة الشعبية، موقفاً وسلوكاً وتفكيراً وتخطيطاً وتعاقداً، وآخر إجراءاتها الخاضعة لسلطة القات ومتنفذيه، ما تناقلته المواقع الأخبارية عن “مبنى المسلخ العام” في امبيخة الذي بدأت إجراءاته الرسمية لتحويله سوقاً بديلاً للقات، بعد أن أخرجته الهبة من “الغليلة” بالمنع، ومن “سوق العمودي” بالحرق.

(2)

مسؤول في تلك السلطة برر تجاهل مطالب المواطنين بذريعة “أن القرار كان قد أُتخذ قبل مدة طويلة، وأنها قد تعاقدت بشكل رسمي مع المستثمر”!!.

عذر أقبح من جريمة طبعاً – مع احترامنا الشخصي له – قال إيه؟ قال “قرار، وتعاقد رسمي” قال !! .. يا سلام سلّم !!.. لقد قُضي الأمر أيها المواطنون، فالقرار قد “اتخذ قبل مدة طويلة” وأي قرار يتخذ قبل مدة طويلة، خلاص لا يقبل النقاش، بل إنهم قد تعاقدوا “بشكل رسمي مع المستثمر” من أجل أن يوفروا لكم “مضغة القات” من أدغال اليمن، أيها الحضارمة، فعلامَ  .. هذي الضجة الكبرى علاما؟ (مع الاعتذار لأحمد شوقي).

 

مسؤول محلي آخر في السلطة نفسها، علل تعاقدهم لتجهيز سوق القات في مبنى المسلخ العام بأنه ” خطوة أولى لإخراج القات من مدينة المكلا” . وأضاف أن المتعاقد معه “بدأ بالعمل بعد انطلاق الهبة، فاعترض الأهالي على ذلك وتمت مقابلتهم وتوضيح ملابسات الأمر وتم التواصل مع المقاول بتجهيز المسلخ فقط، وتوقيف تجهيز سوق القات حتى تتخذ الهيئة الإدارية أمراً بذلك”.

 

توضيح جيد، ومثول لا بأس به لاعتراض المواطنين بعد انطلاق الهبة، لكن غير الجيد بعد انطلاق الهبة أن يتذرع أي مسؤول في موضوع إخراج القات من حضرموت بقول من قبيل قول ذلك المسؤول المحلي”ونحن مع إيجاد تشريعات وقوانين محلية تجرم بيع وتناول وتداول القات”، لأن قولاً كهذا إنما هو من قبيل طلب لبن العصفور، لأن تشريعات كهذه لن تكون إلا بتحقيق أهداف الهبة الشعبية كاملة، وخروج أبناء حضرموت من المربع الرمادي، والامتثال لرأي عام تشكل ضد القات، ليس “لآثاره الاجتماعية السلبية على قيمنا وعاداتنا الأصيلة ” فحسب، وإنما لأنه سلاح دمار شامل يستخدمه المحتل، للتخريب الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والأخلاقي، والديني، والسياسي، والرياضي…إلخ.

 

إشارة أخرى:

لقد كانت “السلطة” حريصة، على أن تقيم مسالخ للقات، فشكراً لها؛ لقد وفرت على المواطنين كثيراً من الجهد، لكنها – إن كانت ما تزال تناور بعد انطلاق الهبة– فهي تتجاهل حقيقة أن جغرافيا “المسلخ العام” ليست خارج الهبة الشعبية أيضاً، وأن مواطنيها لا يقلون جسارة عن أولئك الذين أخرجوا القات من “الغليلة” و”سوق العمودي”، بل لعلها لم تعلم أو لا تريد أن تعلم أن مواطني هذي البلاد قد تحالفوا على إخراج المعسكرات وترحيل القوات من أرضهم، وليس إخراج أسواق القات فقط.. ولعلها لا تريد، كذلك، أن تدرك أن المواطنين قد عقدوا العزم على ملاحقة القات والمقاوتة “زنقة زنقة.. دار دار”.. ويا دار ما دخلك قات.