fbpx
نـظـــــرة واقـعـيــــــة فقه الطاعة ومدى قابليته في المجتمع اليمني / طارق الكلدي
شارك الخبر

نـظـــــرة واقـعـيــــــة
فقه الطاعة ومدى قابليته في المجتمع اليمني

طارق الكلدي

لست بحاجة إلى تأكيد حقيقة الخلاف حول شرعية الحاكم المتغلب كذلك إبطال دعوى الإجماع المزعوم في مسألة الخروج على الحاكم الظالم وما يتعلق بتلك المفردة من تفريعات فهذه الحقائق قد أكدتها نصوص الوحيين المحكمة أولاً ومقاصد الشريعة العامة ثانياً وأكدتها ثالثاً الحوادث التاريخية التي بدأت بواقعة كربلاء وانتهاءً بالثورات العربية والإسلامية التي نشهدها هذه الأيام هذا إذا تجاوزنا الثورة على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ لا يعدها الكثير من العلماء ثورة إسلامية خالصة لوجود ابن سبأ اليهودي على قائمة المخططين لها ولما التبس بها من سلوكيات تتنافى مع المبادئ الإسلامية تماماً يقول سيد قطب رحمه الله حول الثورة التي قامت على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ((لابد لمن ينظر إلى الأمور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت فورة من روح الإسلام وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد اليهودي !! ابن سبأ عليه لعنة الله)). العدالة الإجتماعية ص211.
• وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي في جوهره انطلاقة بعث وحركة ثورية ضد الظلم والإستبداد وقد لعب الدين الإسلامي هذا الدور على مر العصور في مقاومة المحتل الخارجي لكنة أحجم بشكل رهيب فيما يتعلق بالمقاومة الداخلية ضد الأنظمة المستبدة ولم يكن ذلك الإحجام إلا بمؤامرة حاكها بعض بني أمية محاولة منهم أن يزوروا حقائق الدين التي تقف دون انحرافهم وظلمهم واستخدموا لتحقيق ذلك الوسائل الغير إسلامية كسيف الحجاج بن يوسف وأمثاله وفرضوا على المسلمين ثقافة الاستسلام والخضوع وفقه الطاعة إلا أن سيف الثقفي لم يكن بمقدوره أن يغيب دور هذا الدين بالكلية فيما يتعلق بمواجهة السلطة الجائرة بل استمرت المعارضة وتعاقبت الخروجات طوال التاريخ الإسلامي ولم يخل عصر من معارض معتبر لتلك الثقافة الاستسلامية إما بصورة سلمية أو بصورة مسلحة وبثبات هؤلاء أمام هذه المؤامرة استطاع الدين الإسلامي أن يحافظ على جوهره وينتزع الشرعية المزيفة التي أراد أن يعتمد عليها بعض بني أمية والإجماع المزعوم الذي استند عليه الظلمة من العباسيين ومن جاء بعدهم .
والذي يؤسفني كمنتسب إلى التيار السلفي أن أقرأ عن سائر الفرق الإسلامية من الخوارج والمعتزلة والزيدية وأجدهم يؤكدون على شرعية الثورة ضد الظلمة والإحتساب على طواغيت الجور ويجعلون ذلك أصلاً من أصول عقيدتهم بل حتى الشيعة الإمامية تجاوزت عقيدتها المثالية في الإمامة وأجاز منظورهم عبر مجامعهم الفقهية معارضة وعزل حكامهم المعاصرين ومارسوا هاذ عملياً ولم تبق خرافة العصمة للإمام الغائب إلا مجرد عقيدة أسطورية ليس لها تأثير مباشر على الواقع السياسي .
وفي مقابل هذه الفرق الإسلامية كلها نجد من يمثلون الإسلام الخالص – السلفيين – أو على الأقل من بين هؤلاء وحدهم فقط هم الذين روجوا بإصرار لهذه الثقافة ولم يزالوا للأسف الشديد!!
وقد استطاعت بعض الحكومات الإسلامية المستبدة المعاصرة في غير اليمن أن تراهن على حاملي هذا الفقه في بقاء مشروعها السياسي ودوام استمرار يته وقد تحقق لها ذلك إلى الآن ولا نعرف هل سيستمر هذا الرهان بعد أن تجاوزت الشعوب العربية هذه الثقافة وانكشف لديهم زيفها؟!
أما الوضع بالنسبة لليمن فيختلف كثيراً عما هو هناك (….) إذ المجتمع اليمني عصي على من يمارس إزاءه سياسة الإقصاء والتهميش وإن كان إسلامياً!! فقد ثار ضد العثمانيين حينما شعر بالذل بل وثار الزيدية أنفسهم على الحكم الزيدي حينما نالت السلطة الإمامية من حريته وكرامته وهو يثور اليوم على ظلم الحكم العائلي هذا بالنسبة للشعب في الشمال ومثله الشعب الجنوبي الذي ثار ضد قوى الإستعمار وواجه قوة ضخمة بحجم انجلترا واستطاع وحده أن ينتصر عليها وأن يحقق استقلاله واليوم له شرف السبق في الثورات العربية ضد الأنظمة الديكتاتورية.
وإذا علمنا بأن مبدأ المواجهة للظلم السلطوي أصل من أصول الزيدية فقد رسخت هذه العقيدة.
– على الأقل من الناحية النظرية – في الشعب اليمني في الشمال أثناء حكمها هناك بما يزيد على ألف عام (897 – 1962م).
وإن كان الفكر الثوري قد رسخته الدولة الزيدية في اليمن الشمالية فإن الإشتراكية قد رسخته هي الأخرى أثناء حكمها لليمن الجنوبية (1969 – 1990م) باعتبار الاشتراكية إيديولوجية ثورية بغض النظر عن ممارسة الاشتراكيين لسياسة القهر والإذلال و….
وبهذا تجذر الفكر الثوري في قناعة الشعب اليمني شماله وجنوبه.
ولكنني مع كل ما سبق ذكره أؤكد بأن الشعب اليمني مع ثقافته الثورية وعصيانه إزاء المستبدين إلا أنه في نفس الوقت شعب مدني مسالم للغاية فهم لا يهمهم جنس أو انتماء أو مذهب من سيحكمهم أهم شيء عندهم أن يحكمهم بالعدل والشورى وأن لا يتجاهلهم أو يقصيهم وقد استطاعت أن تقودهم امرأة حينما توفرت لهم هذه الشروط [يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون].
وبهذا نكون قد توصلنا إلى حقيقة واقعية هي : أن فقه الطاعة وفقه سيف الحجاج لا يمكن أن يجد له أرضية خصبة في ثقافة اليمنيين وأن المتحدثين بهذا الفقه لا يجنون من ورائه إلا الإحراق لأنفسهم ودعوتهم ومجانبتهم للشعب اليمني فحسب .

أخبار ذات صله