fbpx
قول وتعليق: لكي لا نحلل ما نشاء بما نشاء !!

 

                    ·القول:

       قال أخي وصديقي العزيز د. يحيى شائف الشعيبي مشرف المركز العلمي لصيانة الثورة الجنوبية، ضمن منشور له بـ(عدن الغد)، عنوانه” مبادرة لتجاوز مأساة المنصات”، ما نصه:

 

(( … يتوجب علينا أن نفهم بأن الفترة الزمنية الواقع ما بين فعاليتي (أكتوبر ونوفمبر 2013م قد أفضت إلى تبلور تياران بارزان في الثورة الجنوبية يتمثل احداهما في اعلان الجبهة الوطنية لتحرير واستقلال الجنوب ومرجعياته (المضمرة والمعلنة) بينما يتثمل الآخر في التحالف الجنوبي الجامع ومرجعياته (المعلنة والمضمرة) ولكل تيار خصائصه ولجانه التحضيرية التي تفضي إلى احداث حالة من التشاكل السلبي والايجابي بين التيارين؛ فبينما يتبنى التيار الاول هدف التحرير والاستقلال كخيار وحيد بواسطة التصعيد الثوري يتبنى الآخر عدة أهداف على أمل التحرير والاستقلال بواسطة التقرير الاستفتائي إلا أن لكل تيار عيوبه ونواقصه ففي الوقت الذي يتبنى الاول هدف واحد تكمن مشكلته في تبنيه لقيادة ملغومة ومرتبكة وهو الحال الذي ينطبق على التيار الآخر الذي تديره قيادة شبه متجانسه إلا أن مشكلتها تكمن في تشخيص القضية وتعدد الأهداف).

 

                    ·التعليق:

      لن أؤاخذ أخي وصديقي العزيز د. يحيى، على بعض أغلاطه اللغوية التي يدركها القارئ، وسأكتفي بوضعها بين قوسين فقط من دون تعليل (أن نفهم بأن –  الفترة الزمنية الواقع – إلى تبلور تياران بارزان – يتمثل إحداهما …)، ذلك أن الخلل اللغوي ذو صلة بخلل ما، أقله هيمنة الانفعال على التفكير المتوازن المؤدي إلى دقة التشخيص والتحليل، وهو ما أوقع  د. يحيى في التباسات التنميط الحدي من دون أن يفطن إلى أن المتغيرات تفعل فعلها بحسب قوانين موضوعية عصية على التطويع القسري الذي يمارسه د. يحيى بتصنيف التيارات بما يشاء كما يشاء.

 

     ولن أفصّل القول في هذا المجال،  فليس بيني وبين د. يحيى اختلاف جوهري في الموقف وهو يدرك ذلك عميقاً، ولن أخوض في جدل معه، فليس بيني وبينه حجاب من أي نوع. لكن ما أود الهمس به في أذنه الآن أن قضية شعبنا الوطنية الناجزة، تستدعي أن نكون موضوعيين – للانتقال بشعبنا إلى مستقبله المنشود حيث الحرية والكرامة والسيادة غير المنقوصة، بدلا من أن نحلل وفق تصوراتنا الذاتية للشخوص والأحداث، والتعامل مع كل ذلك وكأنه مسلمات، لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها.

 

     يستخدم يحيى لغة جازمة صارمة بقوله (يتوجب علينا أن نفهم)، وهو العارف بأن الطرح المتعالي يفضي إلى عدم القبول، أو عدم التفهم في أدنى المستويات؛ لأننا مهما يكن مبلغ فهمنا أو علمنا أو إدراكنا، ينبغي لنا أن نتواضع لبعضنا، فنقدم ما نراه بصيغة تدني منا الأباعد قبل الأقارب، كأن نقول ( لعل مما ينبغي لنا أن نفهمه، أو يبدو لي أن …). أما لغة ( يتوجب علينا أن نفهم) هذه فلن تجد أحداً يفهمها سوى د. يحيى نفسه، ليبدو كلامه كأنه الصدى المرتد إلى صوته هو نفسه، فذلك (التوجب) مؤداه أن هناك – بحسب د. يحيى – تيارين بارزين في الثورة الجنوبية، هما بتوصيفه:

 

-إعلان الجبهة الوطنية لتحرير واستقلال الجنوب ومرجعياته (المضمرة والمعلنة).

-التحالف الجنوبي الجامع ومرجعياته (المعلنة والمضمرة).

 

     ويبدو أن د. يحيى مطمئن إلى هذا التنميط، فهو يتحدث عن تعارض بين التيارين مبدياً رأيه في كل منهما، فالأول “يتبنى هدف التحرير والاستقلال كخيار وحيد بواسطة التصعيد الثوري” فيما يتبنى الآخر – بحسب د. يحيى – “عدة أهداف على (أمل) التحرير والاستقلال بواسطة (التقرير الاستفتائي)”.

 

    هنا يغادر د. يحيى النبرة الاستعلائية التي افتتح بها الفقرة المقتبسة أعلاه، ليضع أهدافاً من عنده للتيار الآخر، بعد أن أثبت للتيار الأول هدفاً وحيداً هو التحرير والاستقلال بواسطة التصعيد الثوري. ولي أن أسأل د. يحيى عن تلك الأهداف التي نسبها لتيار “التحالف الجنوبي الجامع” – كما وصفه – وهو ليس تحالفاً على أية حال، لأنه ليس نواة لتيار أو مكون جديد، ولكنه صيغة ثورية جنوبية مؤسسة على تجارب سابقة ليس من شأنها إحداث خلخلة في بنية المشهد الثوري الجنوبي، وإنما غايتها الخروج من دوامة التباينات غير الموضوعية، عبر مؤتمر جنوبي جامع على قاعدة التحرير والاستقلال…

 

    قال د. يحيى أن للتيار الآخر “عدة أهداف على أمل التحرير والاستقلال بواسطة التقرير الاستفتائي”. ليت شعري ما هي تلك الأهداف التي يشير إليها د. يحيى إشارة غامزة، غير منسجمة مع طبيعة وروح منشوره عن مبادرته لتجاوز مأساة المنصات؟.

 

    ما أعلمه بصفتي نائب رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع أن هذا الجهد الوطني مؤسس على هدف معلن – على رؤوس الأشهاد – غير مضمر” على قاعدة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الكاملة السيادة”، فمن أين أتيت أخي يحيى بعدة أهدافك على (أمل) التحرير والاستقلال بواسطة (التقرير الاستفتائي)؟!!. هذه مغالطة علنية وتضليل للرأي العام، لا أحسب مخلصاً مثلك كما أعرف جيداً، أو مشرفاً على مركز علمي لصيانة الثورة الجنوبية كما هي صفتك التي ذيلت بها مبادرتك، يقع فيها وهو خالٍ من كولسترول التمترس غير الموضوعي. ثم من أين أتيت بـ(التقرير الاستفتائي) ثم ألصقته بجهود (اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع على قاعدة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الكاملة السيادة)؟ وماذا تعني بـ(التقرير الاستفتائي) هذا يا يحيى؟!، وما صلة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع به؟.

 

    لعل من المنطقي أن تقرأ أي جهد جنوبي بعيداً عن أي تصور مسبق، فالمتغيرات إن لم نكن ديناميكيين في قراءتها بما لا يتعارض مع الثوابت الوطنية في إطار الثورة الجنوبية السلمية التحررية، فسنظل في (خطوة تنظيم) قد يطول أمدها، وسيكون من معوقات (إلى الأمام سر) أن يصدر عن مثلك، مثل هذه التحليلات التي ربما تضلل (أو تحرض سلبياً) القيادات الميدانية والقواعد الشعبية الغيورة على ثورتها وتضحيات شهدائها وجرحاها ومعتقليها، عبر سنوات النضال السلمي القاسية، وسيكون من الفادح أن يسهم مثلك في إضاعة مزيد من الوقت والجهد في صراعات متخيلة أو افتراضية، ذلك أنك لا تستطيع أن تقنع فتى ذكياً في أقصى قرية في الجنوب، بأن هناك تعارضاً (في الهدف) بين التيارين المزعومين الذين تتحدث عنهما وكأنهما حقيقة مطلقة، فما أعلمه وأدركه يقيناً أن (الجبهة الوطنية) وما أسميته (التحالف الجامع) ليس لهما من هدف سوى (التحرير والاستقلال) وليس سواه، فعن أي تباين في الهدف تتحدث أخي يحيى؟ و من أي قاعدة تحليل تنطلق في قراءتك للمشهد؟.

 

    ولعل من المفيد هنا أن أشير إلى أن رئاسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع ممثلة بالشيخ صالح بن فريد، تحدثت – بشفافية تامة وبحرص ثوري جنوبي- مع الأخ الرئيس علي سالم البيض في زيارتها الأخيرة له، عن إعلان الجبهة الوطنية واللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع، إذ أكدت له أن مسمى الجبهة الوطنية لا مشاحة في اصطلاحه، لكن انبثاق جبهة وطنية أو هيئة وطنية ثورية جنوبية عن مؤتمر جنوبي جامع على قاعدة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الكاملة السيادة، هو الذي سيمنحها فاعليتها وشرعيتها، وستنجز الهدف المعلن لشعب الجنوب وثورته السلمية التحررية، أما أية صيغة خارج المؤتمر الجنوبي الجامع على قاعدة التحرير والاستقلال فهي مما يعيق مسار الثورة السلمية التحررية ولن تفضي إلا إلى تشكيل تيار أو مكون أو تحالف، والتجارب السابقة ماثلة للعيان؛ لذلك ينبغي لنا أخي يحيى أن ننأى بتحليلاتنا عن الافتراضيات النفسية، فالجبهة الوطنية التي تم الإعلان عنها هي تحالف جنوبي، لكنك لم تسمها تحالفاً، بينما اللجنة التحضيرية للمؤتمر الجنوبي الجامع، ليست تحالفاً ووصفتها أنت بالتحالف، مع أنها لا تتبنى أي صيغة من صيغ التحالف، وإنما غايتها الوصول إلى مؤتمر جنوبي جامع على قاعدة التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية الكاملة السيادة. ما هذا اللعب بالمصطلحات أخي يحيى؟ ولمصلحة من؟ وفي هذه اللحظة بالذات؟

 

     بقي أن أقول أخي يحيى: لقد أنهكت شعب الجنوب صراعات الماضي، وتوشك أن تفتك به صراعات الحاضر، فإن لم نكن نحن – الذين تلقينا حظاً من التعليم والتأهيل من مال هذا الشعب المنهك بصراعات الساسة –  جزءاً من فاعلية إخراج شعب الجنوب من محنته التاريخية، فينبغي لنا ألا نكون جزءاً من رمي الأحجار في مسار ثورته السلمية التحررية، فالمحتل مسترخٍ الآن، لأن بيننا من يقوم بالدور نيابة عنه، بقصد أو بدون قصد، ولقد آن لنا جميعاً أن نسهم مخلصين في بلورة الصيغة الثورية الجنوبية المؤسسة على وحدة الهدف المتمثل في (التحرير والاستقلال)، بدلاً من التحليل الميتافيزيقي عن تباين تيارين في الهدف الذي هما فيه متفقان.

 

     أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.