fbpx
الوحدة ليست مقدسة
شارك الخبر

الوحدة ليست مقدسة 

عبد الناصر النقيب 

قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرًٌ ” . الآية الكريمة واضحة تماما ولا تحتاج إلى عالما أو شيخا  كبيرا  في علوم الدين حتى يفسرها ويشرح معناها، فالآية  واضحة تخاطب الناس بأنهم جميعا من أصل واحد وان الله جعلهم شعوبا  مختلفة وأن الاختلاف في الألوان والأجناس وبين الشعوب والقبائل ليس   إلا للتعارف والتعاون ولا يراد به مطلقاً أي تمييز بين الناس  وانه لا فرق بين الناس إلا بالتقوى(والله اعلم). فالآية تشير إلى حقيقة التنوع بين البشر كشعوب أو قبائل مختلفة.

كذلك الآية توضح بأنه لا وجود لما يسمى بالوحدة المقدسة  بين الشعوب كما يدعي البعض، فان وجدت وحدة ما بين شعوب معينة  فذلك يرجع إلى الإجماع  والرضاء الشعبي  الحــــــــــر والكامل  بين تلك الشعوب ، فحق الحرية قد كفله الإسلام ودعا إلى الدفاع عنه وهو ما عبّر عنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى مقولته الشهيرة : ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً  ” .

  فهناك من  يربط مفهوم الأمة بالشعب  فالأمة  مفهوم أوسع من الشعب .الأمة أكثر شمولية واتساعا من مفهوم الشعب.فالأمة تجمعها  العقيدة والكسب الديني حيث وردة في كثير من الآيات التي توضح ذلك: كما في قوله تعالى: ” رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ  ”  وقوله تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” .  وقوله تعالى: ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” .

  وقوله تعالى: ” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”

 فهناك الأمة الإسلامية ولأمة العربية التي تندرج في إطارها شعوب عدة.فهذا لا يعني إننا ضد أي وحدة قومية تقوم وفق مواثيق بين شعوب إن أرادت ذلك .
فشعب الجنوب كانوا هم  الأكثر وحدوية  والسباقين إلى الوحدة و وتنازلوا من اجلها بدولة كاملة بكل مقوماتها الاقتصادية والسياسية.فألان أبناء الشمال  يعرفون تماما ما معنى التنازل عن دولة بكامل مقوماتها خصوصا  عندما عمل  صالح ما عمل في الشباب المسالمين في ساحات الحرية عندما طلبوا منه  فــــقــــط الرحيل عن كرسي السلطة.  إلا إن  الشمال انقلب على الوحدة وفهمها بمعنى لي كل شي ولك لا شي واعتبرها كنوع من الضم والإلحاق بل وصل الأمر إلى تكفير أبناء الجنوب  وبدء يتخلص من رموز وقيادات الجنوب ثم اتبع ذلك بحرب 1994 والتي من خلالها تم التعامل مع الجنوب كمستعمرة  (وهو الأمر الذي اعترف به وأكده واحدا من اكبر رموز الدولة في الشمال  – اللواء على محسن صالح-  وغنيمة حرب وتم إقصاء وتهميش أبناء الجنوب في  كل جوانب الحياة وتم التعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية وهو ما تم لاعتراف به متأخرا،  بعد  إن بلغ الشرخ بين الشعبين مبلغه  من قبل  كثير من الرموز من أبناء الشمال بعد مرور أكثر من عشرون عاما من الإقصاء والتهميش والقتل والاعتقال. وبهذه الحرب والفهم الخاطئ للوحدة والطريقة التي تم التعامل بها مع أبناء الجنوب  تم القضاء نهائيا على مفهوم واتفاق الوحدة بين الشعبين لان الوحدة شراكة واتفاق ولا يمكن فرض الوحدة بالقوة و لا يمكن إن تكون إلا بالتراضي والإجماع الشعبي الكامل. فألان إن كان شباب الثورة في الشمال حقا  ينشدون الحرية ويحملون الروح الثورية الباحثة عن الحق والعدالة  (لان من ينشد الحرية والعدالة لنفسه عليه إن ينشدها لغيرة أيضا ) فعليهم إن يرجعوا الأمر إلى شعب الجنوب في استفتاء حر يقررون فيه ما يرونه مناسبا.عدا ذلك فان الوضع سيتجه نحو منحدر خطير قد يودي بالشعبين إلى نتائج لا يحمد عقباها.

 

أخبار ذات صله