fbpx
الاصـطـفــاف الــوطـنـي الـجـنـوبـي ضــرورة .

الاصـطـفــاف الــوطـنـي الـجـنـوبـي ضــرورة .

 ناصر الناصر

لم يكن الحق يوماً من الأيام قوياً بعتاده وعدته ، وإنما كان قوياً بقيمه وبمبادئه التي يحملها ويسعى جاهداً لتحقيقها ، وأما الباطل فمن عادته دائماً أن يتسلح بكل وسيلة من شانها أن تطمس الحق وتحارب أهله ، سلاحه القمع والقهر وتكميم الأفواه وسلب الحريات واستعباد الناس .

ولم يبحثَ عن حِل أو حُرمة لوسائله التي يسلكها ، إلا ما تمليه عليه مصالحه فقط ، لم ينظر إلى مصالح الناس عند تحقيق مصالحه ، ودائماً هو صاحب الحق ومن يستحق الحصول عليه ، وغيره من البشر رعاع لا يستحقون حتى المطالبة بالحياة البسيطة ، ودائماً هو فوق الناس جميعاً ، بل وفوق النظام والقانون ، بل يجعل من نفسه النظام والقانون .

لا يستطيع العيش إلا في مكان الفوضى هي النظام ، والظلم والقهر مواد القانون ومبادئه ، ولكن في المقابل الحق اظهر من الشمس في رابعة النهار ، وأقوى من السيف السليط في وجه صاحب الحق، فيجب على أهل الحق التمسك بمبادئهم ، والتحلي بصفات تمكنهم من الحفاظ على مصداقيتهم ، حتى يحققوا خلال فترة كفاحهم المكاسب العالية التي تخدم وطنهم الجريح .

إن الاصطفاف الوطني الجنوبي لجميع المكونات في أطار جبهوي واحد ضرورة ، والسعي من اجل تحقيق الهدف المنشود في التحرر والاستقلال من أولى الواجبات في هذه المرحلة ، وأفضل الطرق واقصرها للوصول إلى تحرير الأرض واستعادة الكرامة ، وانتزاع الحقوق المغصوبة ، وتحقيق النجاح التقدم ، مع نقل صورة حضارية لشعبنا العظيم في الداخل ، وأمام الرأي العام الخارجي، والوصول إلى بناء المجتمع الذي يسود فيه النظام والقانون والعدل والمساواة بين أبناء شعبه ، ذلك المجتمع الذي يتساوى أفراده مهما كان قدرهم ، وتسقط فيه التبعيات للأشخاص والأحزاب والجماعات مهما كانت مكانتها، لتتجه الجهود إلى مكان واحد ، وتصب في إناء يروي عطش شعب شارف على الهلاك ويحييه ، ويرفع مكانته وقدره بين الأمم والشعوب .

إن الأطماع الدنيئة والمصالح الضيقة ، وتمجيد الأشخاص والانقياد لهم بدون عقل ولا روية ، وبدون معرفة مئالات الأمور في ظل غياب الرؤية السياسية الموحد في كيفية إدارة المرحلة القادمة ، كل هذا يعزز من انقسام المجتمع الجنوبي وتشتته ، وإضعاف إمكاناته ونقاط قوته ، والحيلولة دون الوصول إلى الهدف المنشود ، مع زرع الفتن بين أبناء البلد الواحد والوصول إلى اختلافهم وتفرغهم وتمزقهم ، عند ذلك يحقق العدو هدفه بنقل الصراع والقتل والتدمير إلى ارض الجنوب ، وخوفه من المجهول الذي يخيم على أجوائه في الوقت الحالي.

إن النصر الحقيقي يأتي من الإيمان العميق الجازم بعدالة القضية التي نحملها ونناضل من اجلها ، والعمل الدءوب من اجل تحرير الوطن وتخليصه الشعب العظيم من براثن المحتل الغاشم وأعوانه ، وتطهيره من دنس العبث والفوضى والنهب والسلب والقتل والتدمير التي تسيطر على عقلية المستعمر والمتنفذ القبلي .

إن تكالب الفتن وتعدد العراقيل في طريق النضال المستمر ، يزيد في نفسية صاحب الحق الإيمان الجازم واليقين البين بأنه على الحق ، وان النصر آت لا محالة ، وان ساعته ستأتي وسط ركام من الألم واليأس والإحباط الذي يتولد من مرارة الصراع المتكررة بين الحق والباطل ، والتخلي عن نصرة الحق من قبل الكثيرين مع علمهم بعدالته وصدقه .

في وسط تلك المعاناة يشرق الأمل في نفوس حامليه ، ويشع نور الفجر من بين جنباته ، وينتشر نور النصر ليعم الأفاق ، تتفتح لذلك الأفئدة المكسورة ، وتسعد القلوب الحزينة ، وتعود الحياة إلى طبيعتها السلسة ، متحلية بثوب بالصبر وألاناه ، وتشرق الوجوه بالسعادة حتى تطال الأفق البعيد ، وفي تلك اللحظات لا يمكن لأي إنسان يؤمن بالله سبحانه إلا أن يسجد شكرا لخالقه الذي وهبه الحرية بعد ما سلبها منه المحتل لسنوات ، وان تحقق ذلك جاء بعد توفيق الله لعبده وتثبيته وإعانته بالصبر والمصابره والمرابطة وصولا بهذه اللحظة التاريخية .

ان الوصول إلى هذه اللحظات وتحققها يحتاج منا إلى صبر ليس كصبر الجبال بل تعجز الجبال عن تحمله ، وتتساقط الهامات الكبيرة على طريقه ، وتصقل معادن الناس ، ويبرز أناس صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فيهب الله لهم ما يتمنونه ، ويحقق لهم ذلك لصدق نواياهم وصبرهم الخالص ، ليكون أولئك هو الملهِمين للثورة والثوار ، وفاتحين قلوب الشباب وأفئدتهم قبل أبواب البيوت والأوطان ، فتتنزل رحمات الله عز وجل وبركاته عل شعب عانى كثيرا ، وصبر على المر والأمر منه .

فيا شباب شعبنا الجنوبي الجبار لقد اقترب النصر منكم كثيراً ، فالسعيد من اجتاز الامتحان بنجاح ، والشقي من يرسب في اول اللحظات ، رغم بشائر النصر التي تُبَصِر وترشد التائه والحيران .