fbpx
روسيا تثبّت أقدامها بقوة في شرق أفريقيا وغربها
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

تعمل روسيا على مضاعفة أنشطتها العسكرية في عدد من دول القارة الأفريقية، بالتزامن مع زيادة معدلات التوتر على حدودها باتجاه أوكرانيا مع توالي إطلاق تحذيرات عديدة باتجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعدم إرسال قوات إلى حدودها، بما يشي بأن موسكو لديها رغبة لتكون المواجهة مع الغرب بعيدة عن جغرافيتها السياسية المباشرة لتأخذ شكل الصراع الاستراتيجي على مناطق النفوذ الغربية التقليدية في بعض ربوع القارة الأفريقية والمناطق الحيوية فيها والتي تشكل أهمية قصوى لقوى غربية مهمة.

 

وقّعت روسيا في الـ23 من يونيو الماضي اتفاقية للتعاون العسكري مع موريتانيا على هامش فعاليات مؤتمر موسكو التاسع للأمن الدولي، في الوقت الذي تمارس فيه ضغوطًا حثيثة على السودان لتفعيل اتفاق يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر، مع استمرار حضور عناصر عسكرية واستخباراتية تابعين لها في أفريقيا الوسطي وليبيا، وتستعد للتدخل على خط التطورات المتقلبة في مالي.

 

تأمين النفوذ

نبيل رشوان: تعزيز الوجود الروسي في أفريقيا للرد على التحركات الغربية

 

تسعى موسكو لتأمين نفوذها المتصاعد في أفريقيا عبر تعزيز حضورها في مناطق تشكل منافذ رئيسية لحدود القارة السمراء، ما يجعلها تُصرّ على إيجاد موضع قدم عسكري لها في شرق القارة من خلال قاعدة “فلامنغو” في السودان، إلى جانب حضور غربي في المقابل من خلال موريتانيا، وتربط بينهما بحضور عسكري لافت في دولة أفريقيا الوسطى، فضلًا عن نفوذها الحالي وسط ليبيا من خلال قوات فاغنر التي تقول تقارير غربية إنها تدعم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.

 

تستهدف موسكو من وراء التحركات الجديدة أن تصبح أكثر قدرة على تثبيت حضورها في مواجهة المصالح الغربية في أفريقيا التي بدأ نفوذها يتراجع تدريجيا، لتشكل مصدر قلق جديد لدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في تلك المناطق بما يخفف الضغوط عليها وعلى أمنها القومي بصورة مباشرة، وتسعى ليكون هذا الحضور مكثفا ومتنوعا وذا أقدام راسخة تُمكنها من فرض نفسها كقوة عالمية يصعب تجاهلها في صراعات المصالح المتشابكة.

 

ويرى مراقبون أن تحركات موسكو وعقدها أكثر من 20 اتفاقية تعاون عسكري مع بلدان أفريقية منذ العام 2015 مقارنة بأربع معاهدات للتعاون العسكري في القارة ذاتها قبل هذا التاريخ، يبرهن على أنها انتقلت إلى استخدام سياسة هجومية أكثر فاعلية، وما يساعدها على ذلك أن هناك بدايات انسحاب أميركي وفرنسي من القارة.

 

وتمنح الولايات المتحدة حاليا أولوية لتكثيف حضورها في شرق آسيا لزيادة الفعالية الأمنية في مواجهة الصين، ما يجعل موسكو تستفيد من ذلك في تطوير آليات اختراقها، وملء ما يمكن أن ينجم من فراغ في مناطق متباينة، وخلق أمر واقع يصعب تغييره لاحقا، وأخذت روسيا تتسلل عبر صفقات عسكرية مختلفة تمكنها من مراكمة النفوذ.

 

وأكد الخبير المصري في الشأن الروسي نبيل رشوان أن موسكو تستهدف حصار الناتو من ناحية الجنوب رداً على التحركات الغربية شرقاً باتجاه جورجيا وأوكرانيا للتضييق عليها، وهي تبحث عن نقاط ارتكاز عسكرية في منطقة فزان جنوب ليبيا لتكون متواجدة في منطقة تشكل جسرا لمنظومة دول الساحل الأفريقي التي تتعامل معها فرنسا باعتبارها مناطق نفوذ تاريخية لها.

 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الناتو أدرك هذا الخطر مبكّراً وضاعف من حضوره في ليبيا من خلال الدفع بتركيا وقواتها والمرتزقة لتكون على رأس المواجهة، إضافة إلى التضييق الأميركي ودخول فرنسا وإيطاليا بشكل فاعل على الخط لقطع الطريق على مساعي موسكو تأسيس قاعدة جديدة على البحر المتوسط انطلاقًا من سواحل شمال أفريقيا في ليبيا، لربطها مع قاعدة طرطوس البحرية على السواحل السورية لتأمين دائرة شرق المتوسط.

 

محمد الدابولي: العقوبات الغربية تفتح أمام الدول الأفريقية سوق السلاح الروسي

 

وتستبق الاتفاقية الموقعة مع موريتانيا التدخل الغربي على خط الاستفادة من مشروع الغاز الضخم بين نيجيريا والمغرب الذي من المتوقع أن يصل إلى دول القارة الأوروبية عن طريق مضيق جبل طارق، وقد يكون الوجود الروسي في هذه المنطقة بمثابة محاولة لتعطيل المشروع الجديد الذي يؤدي نجاحه للتأثير سلبا على التفوق الروسي في مجال الغاز.

 

وأعلن المدير العام لمؤسسة البترول الوطنية النيجيرية يوسف عثمان، قبل أيام، أن حكومة بلاده تستعد لمد خط أنابيب غاز بين نيجيريا والمغرب تنفيذا للاتفاق الموقع بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس النيجيري محمد بخاري في العام 2016، لافتا إلى أن الحكومة النيجيرية استكملت خطط تجسيد هذا المشروع الكبير.

 

ويمر المشروع الضخم عبر مسار خط أنابيب الغاز لغرب أفريقيا القائم وستستفيد منه 11 دولة في غرب أفريقيا، وسيتم تشييده على عدة مراحل ليستجيب للحاجات المتزايدة للدول التي سيعبر منها وصولاً إلى أوروبا خلال الـ25 سنة القادمة.

 

ويرجّح متابعون أن تكون اتفاقية التعاون العسكري مع موريتانيا في شكل أطر تدريبية ومساعدات عسكرية ما سيعزز من الحضور الروسي في منطقة غرب أفريقيا، لاسيما في ظل الأزمة السياسية التي تمر بها مالي.

 

وأكد الخبير الأمني السوداني الفريق أحمد التهامي أن روسيا دخلت على خط المنافسة مع فرنسا في غرب القارة الأفريقية، ويشكل وجودها في موريتانيا مقدمة لإيجاد منطقة نفوذ لها على المحيط الأطلسي.

 

كما أن وجودها في منطقة فزان النفطية جعلها تفرض نفسها رقماً مهماً في الأزمة الليبية، وهو ما يدعم تحركها بفاعلية على البحر المتوسط، ونجاح محاولات ترسيخ حضورها على البحر الأحمر من خلال قاعدة “فلامنغو” في السودان.

 

وأحال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي مشروع الاتفاق الموقع مع الخرطوم لإنشاء مركز لوجستي للأسطول الروسي على ساحل السودان في البحر الأحمر لمجلس الدوما، وانتدب نائب وزير الدفاع نيقولاي بانكوف ممثلًا عنه في مجلسي الدوما والاتحاد الروسيين للتصديق على الاتفاق.

 

محمد تورشين: موسكو تتحرك في أفريقيا من منطلقات مختلفة عن الصين

 

بالتوازي مع الضغوط التي يمارسها على السودان يمضي بوتين في طريق بناء قاعدة دعم لوجستي في ميناء عصب وميناء مصوع في إريتريا اللذين يقعان على البحر الأحمر، ورغم أن الهدف المعلن من الاتفاق بين موسكو وأسمرة إنعاش التجارة والاقتصاد بين البلدين، لكنّ الميناءين يسمحان لروسيا في كل من إريتريا والسودان بجمع المعلومات والتدخل في الملاحة البحرية التي تمر من خلال البحر الأحمر إلى البحر المتوسط وبحر العرب.

 

وأضاف التهامي في تصريح لـ”العرب” أن ما يساعد موسكو على التمدد في مواقع استراتيجية في شرق القارة وغربها أن عددا من الدول الأفريقية يتقبل هذا الحضور لأن الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول الغربية لم يستطيعوا تقديم الدعم المطلوب للشعوب الأفريقية وقادتها، وبدت العلاقة وكأنها بين طرف يحاول أن يُملي شروطه ودول أخرى ضعيفة ليست لديها القدرة والإرادة على مجابهة هذه الضغوط، ومن ثم فإن الوجود الروسي أعطى قدرا من التوازن.

 

وجود عسكري أقوى

تستفيد روسيا من تصاعد حدة الخلاف الصيني – الأميركي الذي انعكس سلباً على جهود مواجهة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، في وقت يشكل ذلك تهديدا وجودياً بالنسبة إلى الدول الأفريقية مع تنامي انتقال العناصر الإرهابية إلى قلب القارة واتخاذها نقاط انطلاق في العديد من دول غرب أفريقيا، ما ترك المجال واسعا أمام روسيا لتحقيق أهداف أمنية وعسكرية تتفق مع احتياجات هذه الدول.

 

وتحقق شركة “فاغنر” الروسية انتشارًا واسعًا في ربوع أفريقيا بغرض تقديم خدمات التأمين والتدريب وتكوين نفوذ أمني كبير لموسكو في القارة ودوائر حكوماتها، إذ باتت تلك العناصر موجودة على الأرض في دول موزمبيق وأفريقيا الوسطى وليبيا والسودان، وقد يفتح الاتفاق الأخير الذي وقعته مع موريتانيا باحتمال وصولها إلى البلد الذي يشهد تعقيدات واضطرابات في المشهد السياسي.

 

وأشار الباحث في الشأن الأفريقي محمد الدابولي إلى أن قرارات حظر تصدير الأسلحة من جانب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أو الصادرة عبر عقوبات دولية مفروضة على الدول الأفريقية يجعل من المنطقة سوق سلاح رائجة وتصبح مفتوحة أمام روسيا، بالتالي فهي تروج لمنتجاتها العسكرية في أفريقيا من خلال دعمها لبعض الحكومات التي استطاعت استمالتها لتدين بالولاء إليها.

 

وتعتبر موسكو المصدر الرئيسي لعدد من دول القارة، وتسيطر على نسبة 37.6 في المئة من سوق السلاح في أفريقيا، وتأتي بعدها الولايات المتحدة بنسبة 16 في المئة وفرنسا 14 في المئة والصين 9 في المئة، وتظل الجزائر أكبر زبون للسلاح الروسي في القارة، وبعدها مصر والسودان وأنغولا، ووقعت موسكو اتفاقية أمنية مع القاهرة في 2017 للحصول على تسهيلات عسكرية متبادلة.

 

وأكد الدابولي لـ”العرب” أن التوجه بشكل فاعل ناحية الغرب يستهدف توفير الدعم اللوجستي لحلفاء موسكو القادمين في تلك المنطقة سواء أكان ذلك في موريتانيا أم مالي، إلى جانب تأمين المصالح الروسية من أيّ أخطار تشكلها فرنسا الساعية لاستعادة نفوذها وتنظر إلى موسكو على أنها اقتحمت حديقتها الخلفية دون استئذان.

 

تحركات موسكو وعقدها أكثر من 20 اتفاقية تعاون عسكري مع بلدان أفريقية منذ العام 2015 يبرهن على أنها انتقلت إلى استخدام سياسة هجومية أكثر فاعلية

ويتوقع مراقبون أن يتطور التعاون العسكري مع موريتانيا إلى إنشاء قاعدة عسكرية هدفها موازنة الوجود العسكري الفرنسي في السنغال وكوت ديفوار، كرد فعل على الحملة التي شنتها باريس مؤخراً ضد وجود المدربين العسكريين الروس في دولة أفريقيا الوسطى وكان من نتائجها أيضاً تجميد العديد من الاتفاقيات المهمة بين البلدين.

 

وأوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية محمد تورشين أن موسكو تتحرك في أفريقيا من منطلقات مختلفة عن التي تذهب إليها التحركات الصينية التي وسّعت انتشارها من منظور اقتصادي يمهّد للسيطرة على المواد الخام من المعادن ليشكل ذلك دفعة قوية لاقتصادها الوطني، كما أنها تختلف عن التحركات الأميركية التي ترسّخ حضورها على أسس مكافحة الإرهاب، وتستفيد من أخطاء فرنسا التي تدعم المعارضة وتزيد من تقوية جماعات على حساب الغالبية العظمى من المواطنين.

 

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن موسكو ليست بحاجة إلى مواد خام ولديها ما يكفيها من موارد داخلية، وأسست تحالفاتها مع القادة المتعطشين للاستمرار في السلطة داخل القارة، ولديها الفضل في حسم كثير من المعارك لصالح تلك الأنظمة وتقدم إغراءات كثيرة للأنظمة السياسية عبر صفقات السلاح من دون شروط مسبقة مثلما الحال مع الدول الغربية التي تربطها بأوضاع حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية.

 

موسكو تبحث عن نقاط ارتكاز عسكرية في منطقة فزان جنوب ليبيا لتكون متواجدة في منطقة تشكل جسرا لمنظومة دول الساحل الأفريقي

وسوم