fbpx
رحيل شاعر المنفي والترحال سعدي يوسف
شارك الخبر

يافع نيوز – كتب – د. عيدروس نصر النقيب.
مات الشاعر العربي (عراقي المولد) عربي الهوية إنساني الانتماء، الشاعر العالمي سعدي يوسف, صباح أمس السبت في مدينة لندن بعد أن أعياه الرحيل والترحال بين بقاعٍ شتى من العالم
مات سعدي ومكابدة الاغتراب والرحيل تلاحقه حيثما حل مذ فارق بلدته ذات يوم في منتصف السبعينات من القرن الماضي ولم يعد إليها لا حيا ولا فوق نعش الرحيل.
مات سعدي لكنه لم يكف عن التغني بالإنسان البسيط المكافح من أجل عيشه وحريته وكرامته وإنسانيته مردداً:
كان ينزع في السقف أثوابه البيض
في دعةٍ وهدوء
ويلقى بها كالنقود العتيقة
مرةً في إصيص الزهور
وأخرى على رأس من يتأمل في الشرفةِ . .
مات سعدي ولم يتخلَّ عن التغني بهواجس الإنسانية وقضاياها العادلة، وكلما أوغل في الألم والمعاناة وجمر الرحيل وفراق الأهل والدار وملاعب الصبى، كلما ازداد قبضا على جمرات قيم الحرية والعدل والكرامة الإنسانية
مذ غادر العراق في منتصف السبعينات من القرن الماضي حتى يوم وفاته تنقل الشاعر بين بيروت وعدن ودمشق ولندن وفارق الحياة في مدينة لندن، وهو يردد:
سأرحل في قطار الفجر، شعري
يموج وريش قبعتي رقيقُ
تناديني السماء لها بروقٌ
ويدفعني السبيل بهِ عروقُ
ولد شاعرنا العالمي الكبير سعدي يوسف في العام 1934م  في ابي الخصيب، بالبصرة، واكمل دراسته الثانوية فيها، ثم تخرج في دار المعلمين العالية ببغداد 1954م.
في أواخر السبعينات استقر الشاعر في عدن، وهناك أمضى واحدةً من أزهى فترات عطائه الشعري الجميل واستقراره النفسي والحياتي وقد قال في بعض كتاباته:
” في مدينة عدن تبدأ الحياة ولا تزدهر إلا بها؛ لأنها المدينة الموعودة للصالحين الذين لا تصمت أفواههم بالدعاء للناس وللحياة، هي المدينة الوحيدة التي تحيط بالبحر من ثلاثة جهات، معادلة تقود إلى التفرد بأن تصبح عدن بحراً وجنةً،  منذ الوجود إلى الآن مازالت عدن تحتفظ بذاكرة البشر الذين سكنوها ذات يوم ورحلوا عنها بصمت وتعاودهم الذاكرة والحنين أثناء بعدهم عنها”.
وعن عدن يقول شعراً بعد مغادرته لها في العام 1986م:
ماذا لو اني الآنَ في عدنٍ ؟
سأمضي ، هادئاً ، نحو  ” التواهي ” …
والقميصُ الرّطْبُ ، يعبَقُ ، من هواءِ البحرِ .
 في باب الجماركِ سوف أستأني قليلاً
ثم أمشي ، نحو أطلالِ الكنيسةِ
سوف أدخلُ:
ثَمَّ أمسحُ من ترابٍ أسوَدٍ ، لوحَ البِلى …
بحّارةٌ غرقى أراهم يملأون مقاعدَ اللوحِ العتيقِ .
أرى ، هنالكَ ، بينَهم ، لي رفقةً  …
وأصيحُ :
أحمدُ !
يا زكيّ !
ويا سعيدُ !
ويا
ويا …
إني قطعتُ الكونَ من أقصاهُ ، كي آتي إليكم يا رفاقي
فَـلْـتُـفيقوا لحظةً
إني أتيتُ لكم بماءٍ سائغٍ من رأسِ رضوى
جئتُكُم بالرايةِ الحمراءِ
رايتِكُم
سأحملُها ، وإنْ وهنتْ ذراعي”.
حاز الشاعر الكبير الفقيد سعدي يوسف على جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، وعلى الجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية، وفي العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ، كما حصل في العام 2008م على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا.
مات سعدي يوسف ، وغادر هذه الدنيا الفانية جسداً، لكنه انتقل إلى عوالم المجد والخلود في ذاكرة الأجيال الأدبية والإنسانية الرفيعة المؤمنة بمستقبل أقل ظلما وأكثر عزةً واقل امتهانا لكرامة الإنسان مهما كان جنسه أو دينه أو لون بشرته أو ثقافته أو عرقه أو لغته.
لك الرحمة والخلود في ملكوت المجد الأدبي والإنساني العالمي الرفيع يا فقيدنا الكبير،
ولمحبيك وزملائك ورفاقك وتلاميذك عميق العزاء والمواساة وصادق الدعاء بالصبر والسلوان
أخبار ذات صله