fbpx
أردوغان يغازل مصر ويترك قنوات الإخوان تهاجمها
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

هل هي الشيزوفرينيا السياسية التي يتبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أم الانتهازية التي لا يريد الرجل التخلي عنها، ففي الوقت الذي وجه فيه إشارات غزل إلى مصر وكرّر أهمية تطوير العلاقات معها، لا تزال قنوات جماعة الإخوان التي تبث إرسالها من بلاده تواصل الانتقادات للنظام المصري والتحريض عليه، وكأن التعليمات التي أصدرتها أنقرة لهذه القنوات سابقا بالكف عن مهاجمة القاهرة استنفدت أغراضها وعادت إلى جدول أعمالها الحافل بالسب واللعن.

 

مضى شهر على آخر جولة من المحادثات المباشرة بين مصر وتركيا لدراسة مسألة التقارب بينهما ولم يحدث تقدم ملموس يوحي بالتطور السياسي بين البلدين، فاللقاء الذي عقده وفد دبلوماسي تركي مع آخر مصري في القاهرة يومي الـ5 والـ6 من مايو الماضي انتهى بصياغة فضفاضة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وفي ظل عدم البناء على هذا الاجتماع والصمت الذي يخيم الآن تأكد أن القاهرة لم تتلق ردودا حاسمة من تركيا تجعلها تنخرط في محادثات جديدة لتصفية القضايا العالقة.

 

لم يحدث تغيّر في ملف الإخوان مثلا، فلا أنقرة أوفت بوعدها بوقف التحريض الذي تمارسه قنوات الجماعة من إسطنبول، ولا قامت بتسليم مطلوبين منهم صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية في أحداث عنف وإرهاب، ما يثبت فشل اختبار حسن النوايا الذي شددت عليه القاهرة في الاجتماعات الأمنية والسياسية كسبيل وحيد للتقارب، وأن النظام التركي لا يريد التخلي عن الإخوان وهو يعلم أنها من بين الأسباب الرئيسية للتباعد معه، ما يثبت أن الروابط بين الجانبين كبيرة.

 

الجلوس على طاولة المفاوضات هذه المرة سيكون أكثر تشددا، فقد أكدت أنقرة أن نواياها ليست حسنة بالمرة تجاه القاهرة

 

وعلى مستوى الأزمة الليبية، لم تنفذ أنقرة تفاهماتها مع القاهرة بسحب معداتها العسكرية وترحيل الخبراء وجميع المرتزقة، وتعمل من وراء الستار على زيادة تعقيد الأوضاع وعدم المساعدة في تهيئة الأجواء لتسير العملية السياسية في طريقها المرسوم نحو الانتخابات، ما يعني أنها مترددة في الخروج أو تنتظر الحصول على مكاسب كبيرة، وربما تريد الالتفاف على القاهرة كي تقبل بالأمر الواقع في ليبيا.

 

تتبع السياسة المصرية مع تركيا نمطا صارما من التريث قد يصل إلى حد الإهمال، فأنقرة هي صاحبة المبادرة الأولى لفكرة التقارب، وصدرت من جانب عدد كبير من المسؤولين فيها إشارات حافلة بالرسائل السياسية، وتعلم أن القاهرة أهم مفتاح لتطوير علاقاتها مع دول كثيرة في المنطقة، والبوابة التي يمكن أن تعبر منها لتصفير عدد كبير من أزماتها الإقليمية الساخنة.

 

يتصور النظام التركي أنه يستطيع البقاء على سياساته القاتمة وتطوير العلاقات مع القاهرة، ويتجاهل أن النظام المصري الذي لم يستسلم للضغوط التي مارسها أردوغان بأدوات مختلفة وهو في أوقات صعبة لا يمكنه أن يستجيب للتقارب معه أو يمنحه “شيكا على بياض” بعد أن تحسنت أوضاعه الداخلية والإقليمية والدولية.

 

تجاوزت مصر الكثير من الأزمات على المستويات الثلاث، وباتت رقما مهما في التوازنات الراهنة داخل المنطقة بعد نجاحها في وقف إطلاق النار في حرب غزة الأخيرة، واستقرار العلاقات مع الإدارة الأميركية وما صدر عنها من تقديرات إيجابية لدور القاهرة الفترة المقبلة في القضية الفلسطينية، وربما غيرها من القضايا الإقليمية.

 

قرأ أردوغان مبكرا هذه المعادلة، ونصح بتصفية مشكلاته مع القاهرة، ما أجبره على تمديد خيوط التواصل معها، والتي استجابت له في الحد الأدنى من خلال محادثات متدرجة وعلى أصعدة متفاوتة.

 

ربطت مصر أيّ تقدم معه بتصفية الملفات التي أدت إلى الخصومة، لكن انتهازية الرجل قادته إلى إمكانية العودة إلى المناورة، حيث يواصل تصوراته المضرة بالمصالح المصرية ويقطع شوطا في مجال تحسين العلاقات في وقت واحد، بمعنى أنه يريد جني كل الثمار السياسية والأمنية والاقتصادية، فلا يتخلى عن ورقة الإخوان، ويبقى في ليبيا لمدى طويل، ويعمل على تحسين علاقاته مع دول الخليج، وتعديل موقفه في شرق البحر المتوسط.

 

تجاهل التقاط الرسائل التي بعثت بها القاهرة عبر مندوبيه، وجميعها تعلي من شأن تعديل تصرفاته ليتسنى طي الخلافات، ولن يحصل على مزايا مجانية أو تنازلات دون مقابل مادي وفوري، وحشرته القاهرة في هذه الزاوية وربطت أيّ تغير بما يقدم عليه من تحركات عملية، وأخفق في عبورها بشكل يضاعف من حذر القاهرة معه.

 

يعتقد النظام التركي أن فرملة قنوات الإخوان مؤقتا تكفي لتطوي القاهرة صفحاتها معه، وعندما وجد أن المسألة أعقد من ذلك منح هذه القنوات إشارة للعودة إلى التحريض مرة أخرى، في محاولة فاشلة للضغط على القاهرة، ولم ينتبه إلى أن هذه الورقة فقدت الكثير من مصداقيتها وزخمها في الشارع المصري وقد تتحول مراوغته إلى عبء على أنقرة التي تريد فتح صفحة جديدة مع قوى إقليمية ودولية عديدة.

 

النظام المصري الذي لم يستسلم للضغوط التي مارسها أردوغان وهو في أوقات صعبة لا يمكنه أن يستجيب للتقارب معه أو يمنحه “شيكا على بياض” بعد أن تحسنت أوضاعه الداخلية والإقليمية

كانت القاهرة أحد أهم الاختبارات الإقليمية التي يمر بها النظام التركي للتدليل على قدرته في التخلي عن السياسات السابقة من عدمه، وتشير الحصيلة الراهنة إلى فشل ذريع، فإذا كانت مصر التي استجابت للحوار مع نظامه لم تتمكن من تسوية خلافاتها معه فلن يستطيع إعادة الكرة مع قبرص واليونان والسعودية والإمارات، وكلها كانت تراقب الحوار بين الطرفين، وتعتبر القاهرة هي البوصلة لمعرفة ما يمكن أن تصل إليه أنقرة من تحوّلات حقيقية في التصورات والممارسات.

 

لدى النظام المصري ما يشبه اليقين بأن التفاهم السياسي مع نظيره التركي غير ممكن، بسبب التباعد في المسافات والحسابات والأهداف، ومع ذلك لم يتخلف عن الدخول في محادثات مع أنقرة أملا في التوصل إلى نقطة مشتركة تحافظ لكل طرف على مصالحه، ولأن القاهرة تؤمن بالتسويات السياسية للمشكلات الإقليمية ولا تريد التفرغ للمناكفات، حيث أمامها فرصة لتوسيع نطاق دورها في المنطقة، وبالتالي من المهم تخفيض مستوى التحديات مع تركيا وغيرها.

 

عادت القاهرة إلى التشديد على سياسة التريث في التعامل مع النظام التركي، أو بكلام آخر الإهمال، وهي تدرك أنها تقف على قاعدة صلبة، ونفسها الطويل سوف يساعدها على تخطي سياسة التلكؤ التي يتبناها أردوغان، لأن خطاب الإخوان لم يعد جذابا للمواطنين أو يمثل منغصا للنظام المصري الذي قطع شوطا طويلا في إعادة التموضع على المستويين الداخلي والخارجي.

 

كما أن ملف القوات التركية والمرتزقة في ليبيا ليس شأنا مصريا خالصا، ففي الـ23 من يونيو الجاري سيعقد في برلين مؤتمر خاص بليبيا (برلين 2) على رأس أولوياته وضع حد للتدخلات الخارجية، وفي مقدمتها دور تركيا المريب هناك، والتي ستجد نفسها أمام عاصفة دولية تجبرها على الخروج دون الحصول على أيّ تنازلات من القاهرة في أيّ ملفات أخرى.

 

تحمل تصريحات أردوغان الإيجابية الجمعة إشارة جديدة للعودة إلى طاولة المفاوضات مع القاهرة، وهو ما يمكن أن تستجيب له اتساقا مع رغبتها في خفض الأزمات الإقليمية، لكن الجلوس هذه المرة سيكون أكثر تشددا، فقد أكدت أنقرة بما لا يدع مجالا للشك أن نواياها ليست حسنة بالمرة، وعليها تقديم ما يثبت العكس أولا.

وسوم