fbpx
محددات رئيسية تكبح الخيار العسكري لمصر ضد إثيوبيا
شارك الخبر

 

يافع نيوز – العرب

راج حديث الحرب بين مصر وإثيوبيا مع بدء مناورات عسكرية بين القاهرة والخرطوم في 26 مايو، ومع الإعلان عن انتهاء المناورات، الاثنين، دون حدوث تطورات على هذا المستوى خفتت نبرة التحريض لدى قطاعات كثيرة وتيقن أصحابها أن التعامل مع أزمة سد النهضة عملية معقدة لها أبعاد داخلية وإقليمية ودولية، وليست نزهة كما حاول البعض تصويرها اعتمادا على القدرات التسليحية الكبيرة لمصر.

 

دفعت التلميحات الرسمية بشأن الخيارات المفتوحة إذا تضررت مصر مائيا من السد إلى ترجيح كفة الحرب التي أسهمت فيها التدريبات العسكرية بين مصر والسودان وكثافة القوات المشاركة، تارة بعنوان “نسور النيل 1، 2” وأخرى باسم “حماة النيل”.

 

ولعب الانسداد الذي واجهته المفاوضات بين الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، دورا مهما في تغذية حديث الحرب على حساب الاتفاق والسلام، وبدت خيارا غير بعيد مع إصرار أديس أبابا على تنفيذ الملء في شهر يونيو الجاري واستعدادها لمجابهة أي تصعيد عسكري، ثم إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الاثنين، عن عزم بلاده الشروع في بناء مئة سد صغير ومتوسط خلال العام المقبل.

 

ردت عليه القاهرة بالرفض التام في حينه، وأضافته إلى قائمة المبررات التي دفعتها للتشكيك في النوايا الإثيوبية وعدم رغبتها في توقيع اتفاق ملزم يحفظ حقوق الدول الثلاث، والهروب من الجلوس بجدية على طاولة المفاوضات.

 

وتميل شريحة من المصريين إلى تسخين الأرض تحت أقدام قيادتهم السياسية، وحضها على دعم عملية توجيه ضربة عسكرية قبل الملء الثاني لخزان السد، بمعنى القيام بها خلال أيام قليلة، لأن هذا الملء من المفترض أن تبدأ أولى مراحله خلال الشهر الجاري، ولذلك بدا التشجيع يمثل عبئا على القاهرة لا تستطيع مجاراته أو نفيه تماما، فالأزمة وجودية ولن يغفر التاريخ أي تهاون في التعامل معها.

 

تراجع تدريجي

خيار الحرب بدأ ينسحب تدريجيا مع تحذير واشنطن من أن الحل العسكري لأزمة السد سوف يكون كارثيا على المنطقة

 

بدأ خيار الحرب ينسحب تدريجيا مع تحذير الولايات المتحدة قبل أيام من أن الحل العسكرى لأزمة السد الإثيوبي سوف يكون كارثيا على المنطقة، ثم تبعها إعلان المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي من أنه “لا حل عسكريا” للأزمة ذاتها، وهي المرة الأولى التي يأتي الكلام مباشرا في هذه المضمار، واعتبره مراقبون بمثابة إنذار شديد اللهجة ومحاولة لقطع الطريق على التفكير في التعامل مع الأزمة عبر الحل العسكري.

 

يستطيع المتابع لأزمة سد النهضة التأكد من أن القاهرة لا تريد التعاطي بخشونة معها بدليل أنها صبرت نحو عشرة أعوام على مفاوضات عقيمة ولم تنتج تغيرا ملموسا في الموقف الإثيوبي، على الرغم من المحطات والجولات العديدة والوساطات المتنوعة التي مرت بها والتلويح بالعمل العسكري يمكن فهمه في إطار الردع وليس الفعل.

 

كما أن اتفاقيات التعاون الأمني التي وقعتها مصر علنا مع كل من السودان وبروندي وأوغندا وكينيا، لم يكن الغرض منها تجهيز المسرح الإقليمي لعمل عسكري ضد إثيوبيا، وجاءت في إطار إعادة هندسة الوضع الإقليمي بشكل يريح القاهرة، والدفاع عن علاقات المصالح القوية بين مصر وأفريقيا التي حاولت أديس أبابا الإيحاء بأنها مختلة، ومحاولة تسويق نمط سلبي للعلاقات المشتركة.

 

جربت مصر تحديد الخط الأحمر في الأزمة الليبية، وعرف بخط سرت – الجفرة وأكدت أن تجاوزه يؤدي إلى تدخلها عسكريا ونجحت في ردع المرتزقة والميليشيات والقوات التركية من التقدم نحوه، وبعدها بدأت الأزمة تشهد انفراجا سياسيا، وحاولت تكرار الأمر مع إثيوبيا ورسمت مؤخرا خطا مماثلا ربطته بنقص حصتها التاريخية من المياه.

 

يعد النقص في المياه نقطة ملتبسة إلى حد بعيد ومن السهولة القفز عليها من جانب إثيوبيا وتمنحها فرصة لإجهاض أي ضربة عسكرية محتملة قريبا لأن الملء الثاني من الممكن حدوثه دون وقوع أضرار حقيقية حاليا على مصر، الأمر الذي تعزز بتصريحات تفسيرية لوزير الخارجية المصري سامح شكري أشار فيها مباشرة إلى عدم تضرر القاهرة من الملء الثاني استنادا إلى الاحتياطي الإستراتيجي في خزان السد العالي واتخاذ جملة الإجراءات الحمائية الفنية.

 

استفزت هذه التصريحات فئة من المصريين، وأرخت بظلال قاتمة على الموقف الرسمي وأظهرته في صورة من يتهرب من العمل العسكري، وحتى التبريرات اللاحقة التي قدمها شكري وحاولت إعادة ضبط الدفة في الاتجاه الحاسم الأول لم تفلح في تبديد الشكوك، وجرى فهمها باعتبارها محاولة دبلوماسية لتهدئة خواطر الرأي العام الذي بدأ يميل عاطفيا للصرامة، ليس للأهمية الحيوية التي يحتلها نهر النيل في الوجدان المصري، بل لأن المسار العسكري بات مرتبطا بالكرامة.

 

وضع هذا السقف عبئا مضاعفا على القيادة السياسية التي درجت على طمأنة المواطنين بعدم المساس بحقوقهم التاريخية في مياه النيل وعدم الاقتراب من قطرة واحدة منها تحت أي ظرف، في وقت لا تثق في أن استئناف المفاوضات يمكن أن يحقق نتيجة إيجابية، وأن العمل العسكري له كوابحه الإقليمية والدولية العديدة.

 

إطار عام للكوابح

Thumbnail

يمكن رصد خمسة محددات ترجح تراجع فرص العمل العسكري الذي تعلم القاهرة أن تكلفته سوف تكون عالية وعلى مستويات متباينة، تتقدم أو تتأخر، غير أنها في المجمل النهائي تمثل إطارا عاما لفكرة الكوابح الموضوعية.

 

الأول: التحذيرات الأميركية والأوروبية المباشرة من مخاطر اللجوء إلى الحسم العسكري للأزمة، وهي رسالة لا تحمل تهديدا لمصر بقدر ما تحمل رسالة تهدئة وتطمين تعزز منهج المفاوضات، وأن هناك عملية سياسية سوف تشرع واشنطن في القيام بها، أو بدأت فعلا منذ تعيين جيفري فيلتمان مبعوثا خاصا للقرن الأفريقي وقيامه بجولة في المنطقة الشهر الماضي، والبدء في جولة جديدة حاليا يزور فيها قطر والإمارات والسعودية وكينيا، بما يوحي بأن لها علاقة أكثر بسد النهضة.

 

وفي ظل التحول في علاقات القاهرة بالإدارة الأميركية من المفيد للثانية ألا تترك أزمة سد النهضة مفتوحة كمنغص في الخاصرة المصرية وهي تريد الاستفادة من دورها في القضية الفلسطينية، ما يدفع في اتجاه تفعيل وساطتها لمدى بعيد، مع أنها لا تزال محاطة برفض إثيوبي واضح وعدم انصياع لسلاح العقوبات، بجانب أن أولوية الاهتمام منصبة على أزمة إقليم تيغراي وليس سد النهضة حتى الآن.

 

الثاني: لدى القاهرة معلومات فنية بأن الهيكل النهائي لتعلية جسم السد بما يسمح بتخزين كمية المياه المطلوبة للملء الثاني وقدرها 13.5 مليار متر مكعب غير مكتمل، بما يقود إلى تخزين كمية أقل من ذلك تصل إلى مستوى الملء الأول، أي نحو خمسة مليارات متر مكعب، تفرغ عملية وقوع الضرر الفعلي على مصر من مضمونها وتبعد شبح العمل العسكري أو تضعه على الرف، ما يحقق لأديس أبابا نصرا معنويا في مسألة الوفاء بموعد الملء الثاني، بغض النظر عن الكمية.

 

الثالث: تخشى القاهرة من أن يفضي العمل العسكري لتفتيت الدولة الإثيوبية التي تعوم على براكين من الخلافات العرقية زادت معها الأزمات بين حكومات الأقاليم والحكومة المركزية، وأي ضربة توجهها مصر للسد ستؤدي إلى انهيار دولة كبيرة ومهمة في المنطقة، أو تكاتف شعوبها وتطويق التناقضات البينية، وفي الحالتين هناك ثمن باهظ يمكن أن تدفعه مصر في القارة الأفريقية.

 

الرابع: الإجراءات التي تتخذها مصر لمنع إهدار المياه والتوسع في عمليات تحلية مياه البحر وتقليل أنواع الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، كلها تصب في نطاق التهيئة للحد من تداعيات السد وتخزين مياهه، ومع أن البعض ذهب إلى أن ذلك من قبيل الخدع والتكتيكات، غير أن الأموال التي تنفق عليها كبيرة، ما يشي بأنها مشروعات للحاضر والمستقبل، حيث رسمت سيناريوهات لأسوأ التطورات.

 

الخامس: الخبرة المصرية عوّدتنا أن هناك خيارات غير معلنة، وتحركات في الكواليس سوف تؤدي إلى إيجاد حل لأزمة سد النهضة، على غرار النتيجة التي وصلت إليها القاهرة في القضية الفلسطينية مؤخرا ووضعتها في قلبها، فالثقة التي تتعامل بها القاهرة مع الأزمة تشير إلى أن ثمة مفاجأة منتظرة بعد تفكيك جزء مهم من شبكة العلاقات التي نسجتها إثيوبيا مع قوى إقليمية ودولية.

 

ولا تعني الكوابح الظاهرة أن مصر تستسلم لمشروع سد النهضة بالصورة التي تريدها إثيوبيا أو أن الخيار العسكري بات مستبعدا تماما، فهناك الكثير من الإجراءات التي يمكن القيام بها لتطويق أديس أبابا والوصول إلى الهدف المطلوب وبتكلفة أقل وتمكّن القاهرة من الحفاظ على متانة علاقاتها مع القارة الأفريقية.

وسوم