fbpx
كيف أصبحت ميدي الوكر الأول للمهربين وسبب الثراء الفاحش لبعض المتنفذين؟
شارك الخبر

 

يافع نيوز – المصدر اونلاين

تقع مدينة ميدي على بعد10كيلو متر من مدينة حرض غرب البلاد على محاذاة ساحل البحر الأحمر.   وبقدر الأهمية الجغرافية لهذه المدينة فإن لها تاريخ عريق، وفيها محطة تجارية قديمة، فهي تضم قلعة الإدريسي الشهيرة التي شيدها العثمانيون لغرض حماية سواحل البحر ومراقبة المياه الإقليمية، ولذا أدرك الإمام يحي حميد الدين أهميتها فقام بعد خروج الأتراك منها بترميمها وصيانتها لكنها عادت للاندثار من جديد ولا تزال بحالة يرثى لها ولم تلتفت لها الحكومات المتتابعة لما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية أو دولة الوحدة.   اشتهرت قديما بسوق كبير لتجارة البن اليمني الفاخر خلال القرون السادس وحتى التاسع الميلادية، تختلف عن بقية المديريات المجاورة بمقوماتها السياحية الجميلة والمتمثلة بشواطئها وموقعها المهم.   عدد كبير من الجزر يتبع مديرية ميدي لكنها لا تزال بكرا حتى الآن.. في السنوات الأخيرة قُدر لميدي أن ينسى تاريخها ذاك، ليحفر في الذاكرة الحالية سجلاً جديداً بعيداً عن واقعها وتاريخها الحقيقي.. فهي الآن باتت تعرف بأنها منطقة المهربين، والمديرية المستهدفة، ومنطقة الفلتان الأمني.. وغير ذلك من التوصيفات التي لا حصر لها.   كل تلك المسميات أوجدها واقع على الأرض فرض تلك الصورة، فقد أضحت بالفعل قبلة المهربين من داخل البلد وخارجه، وفي المقابل أصبحت فيد وغنيمة وسبيل للثراء الفاحش والسريع لكثير ممن يقدر له أن يكون مسؤولاً فيها.   زرتها قبل أيام لأقف على حقيقة ما يقال عنها، وحاولت أن أزور وأتنقل بين قراها وجزرها والتحدث مع سكانها لأخرج بشيء يعزز حقيقة ما يقال عنها أو ينفي بعضا مما قيل عنها. لكن حقيقة ما يدور في هذه المنطقة وخاصة في بحرها الطويل أكثر من كل ما قيل عنها.   تأخذك الدهشة حين تعلم أن بحر ميدي وجزره يعدا ممراً لدول أخرى كالسعودية والسودان وحتى مصر وليست الدهشة في ذلك، بل في مرور السلاح بأنواعه والمخدرات بكافة مسمياتها وأحجامها، وقبل ذلك البشر بكل جنسياتهم وأعراقهم وعبر شبكات منظمة داخلية وخارجية.   شخص يعمل في إحدى البواخر –طلب مني عدم ذكر اسمه – يقول إنه كان ضمن طاقم شبابي من أبناء المديرية كانوا يعملون لحساب أحد التجار وكانوا إلى وقت قصير يقومون بتهريب السلاح إلى مناطق دارفور في جنوب السودان وجزر سودانية أخرى أهمها: جزر السابعات، شعب الوكا، تلا تلا، راس اسيس، برسواكن.   ويتم في تلك الجزر تهريب الأسلحة من قبل المهربين اليمنيين وعبر شبكة ومافيا عالمية، كما يتم من خلالها أخذ الركاب منها كمحطة ترانزيت لوصول البشر والأشياء المحرمة دوليا من والى الجزر اليمنية والسواحل بميدي وكذا منطقة اللحية التابعة لمحافظة الحديدة ولا يزال التهريب في هذا المحيط قائم إلى الآن. وتؤكد مصادر عسكرية – تحفظت على ذكر اسمها – أن السلاح يمر من بعض الدول المجاورة لشواطئ ميدي ويتم تمريرها من السواحل اليمنية للسودان ولزعماء القبائل هناك، وهم من يسمون «الرشايدة». وهم من أصول سعودية تم طردهم كما يشير المصدر من قبل مؤسس المملكة الملك عبد العزيز ونزحوا إلى صحارى السودان واستوطنوها ولا يزالون يمتازون بتقاليد البدو في تلك الصحاري.   ويشير المصدر العسكري ذاته إلى أن السلاح أيضا يهرب من خلال جزر ميدي إلى صحراء سيناء بتنسيق مع رجالات أمن وقيادات في نظام مصر السابق، بل ويكاد يجزم أن من كبار المتورطين في تهريب الأسلحة جمال نجل الرئيس المصري السابق حسني مبارك.   محمد جعيدي، أحد وجهاء المنطقة، تحدث لـ «المصدر أونلاين» عن المخاطر التي يتعرضون لها وخاصة في ممر المجرى الدولي الذي غالبا ما يتم استهداف أي جسم غريب يتم رصده فيه من قبل قوات التحالف الدولية التي مهمتها حماية المجرى الدولي.   يذكر لنا بعض المآسي التي أصيب بها شباب في عمر الزهور انخرطوا في أعمال التهريب، وكثير من الضحايا متزوجون ويعولون أسرا في ميدي وأطفال أيتام خلفوهم من بعدهم.   فالقوات الدولية عند رصد أي «هوري» أو «يخت» تمر من الممر الدولي يصبح لديهم الضوء الأخضر في التعامل معه بالطريقة التي يرونها مناسبة، ومن ذلك استهداف القارب وحرقه، وغالبا ما يتم قصف الجسم أو القارب مباشرة مما تسبب في إزهاق أرواح كثير من شباب المديرية، ويقومون في الغالب بتفتيشها بعد استهدافها وعمل أجهزة أمامه وخلفه للتفتيش بطرق وتقنيات غاية في الدقة.   من الأسر التي فقدت عائلها في ذلك الممر الدولي أسرة محمد معقي (28 عاما) لديه 5 أطفال وزوجته، مات هو وزميله عبده مرواني أثناء ما كانوا على أحد القوارب بالقرب من الجزر السودانية العام 2007، وأوضحت مصادر من الأسرة أن شهودا أكدوا لهم أن من استهدفهم هي قوات بحرية اسرائيلية وليس قوى التحالف، إلا أنهم لا يمتلكون الأدلة الكافية لإثبات ذلك.   أربعة آخرون من عزلة الجعادة – إحدى عزل ميدي – لاقوا المصير نفسه، فقد قتلوا بالقرب من الجزر السعودية بقذيفة أحرقت قاربهم وكان فيه كميات من البترول، ما أدى إلى الاشتعال السريع واحتراق الجثث وقد نجا أحد ركاب القارب بأعجوبة وهو ويدعى محمد طاهر العصيمي. وقد ظل يسبح على لوح خشبي لمدة يومين إلى أن وجده أحد الصيادين وقد تأثر جسده وجلده الخارجي، وقد أصيب من حينها بنوبات مرض نفسي لا يزال يعاني منها إلى الآن، كان ذلك الحادث المؤلم عام 2009.   أما من قتل في هذه الحادثة من أبناء ميدي فهم إبراهيم طاهر العصيمي لديه 4 أطفال، سليمان علي شوعي (15 عاما)، عيسى بن عيسى يماني أب لـ 3 أطفال، وعبد السلام محمد عبده الجعيدي.  عام 2010 خرج  قارب من رأس عيسى متجها للجزر السودانية وعلى متنه 3 من شباب المديرية وآخر من مديرية المخا يسمى بالعسل يبلغ من العمر 32 سنه.   من ضمن الضحايا الثلاثة الذين قتلوا في تلك الحادثة فهم يحيى فشفش 27 عاما – لديه 3 أيتام وآخر يدعى رمضان شيخين من ميدي عمره 18 عاما.   ومن المصابين حسن محمد ناصر حرضي الذي أصيب في كتفه بجرح بليغ وتم علاجه في السودان، وآخر يدعى عيسى بقشي وقد تم ترحيلهما عبر سفارة اليمن بالسودان بعد أن قضوا في السجن أكثر من سنة وثمانية أشهر.   ويمارس التهريب والى الآن بصورة كبيرة من مديرية اللحيَّة مرورا بميدي، ولديهم أحواش كثيرة يتم خلالها تخزين المواد المهربة وتسكين من يتم تهريبه من الأفارقة بأعداد مهولة، حيث يتعرضون لأصناف العذاب تحت حماية نافذين وشخصيات كبيرة وعلى مرأى ومسمع من السلطات في المديرية.   مواقع التهريب كثيرة في ميدي وعلى امتداد الشريط الساحلي التابعة للمديرية وتبدأ أولا بمنطقة تسمى التبة البيضاء الواقعة غرب مدينة ميدي، وأثناء محاولتي المرور منها “غرزت” سيارتي في رمالها الكثيفة، وظللت لأكثر من 4 ساعات معطلا لا ألوي على شيء، حتى تم شد أزري بشباب طيبين توافدوا بعد اتصال زميل رافقني في الاستطلاع. وقد ظللنا نحاول إخراج السيارة من الخامسة عصرا حتى الثامنة مساءً.   ومنطقة التهريب الأخرى الرئيسية تسمى “الشورى” وتمتاز لدى المهربين بأشجار “المانجروف” التي تغطي أجزاء كبيرة من البحر فيختفي فيها المهربون وقواربهم لأيام دون أن يتم اكتشافهم.   ورابعة المناطق التي يتم التهريب منها “خور سعيد”ويعد ميناء طبيعيا ومرسى قديما يمتاز بعمقه.   وتوجد مراسٍ عديدة يمر خلالها المهربون ومن أهمها “مرسى العاتي” و”مرسى بحيص” و”مرسى مجعش”.   وهناك منطقة أخرى تسمى منطقة الطويل، تم اكتشاف كميات نفط فيها، وقد زارت لجنة من وزارة النفط الموقع قبيل وصولنا بأيام لتحديد مساحة ورقعة تلك المساحة النفطية، وهذا الأمر سيضفي بلا شك أهمية خاصة على المنطقة في حال أعلن عنه رسميا.   وكل تلك الأماكن السابقة نقاط رئيسية لكبار المهربين استطعنا الوصول لبعضها وعجزنا عن الوصول لبعضها الآخر نظرا لوعورتها وخطورة الوصول إليها، فالمهربون يمتلكون الصوالين والشاصات والجيوب آخر موديل ولا يجدون صعوبة مطلقا في عبور تلك الطرق الوعرة والتي أصابنا نصيب من معاناتها أثناء إجراء استطلاعنا هذا.   الى جانب ان تلك المناطق تمر عبرها القوارب والهواري التي تحمل ركابا وأسلحة ومخدرات و”طماش” وقاتا وكل ما يخطر في البال عن أدوات التهريب، وما يثير حفيظتك هو خلو كل تلك المواقع والممرات من أي تواجد عسكري أو حتى نقطة عسكرية، عدا واحدة تقع في منزل الطويل، وقد تحدث الجندي المناوب أنهم يقومون بالقبض على مهربين وأفارقة ومخدرات بشكل يومي رغم ان النقطة لم تتجاوز الأسبوعين منذ إنشائها وجدناها ونحن نمر باتجاه مرسى سُعيد الذي يعد من أقدم المراسي، وكان يباع فيه العبيد، وسمي المكان باسم تاجر كبير يدعى سعيد كان يتاجر بالعبيد وهو من حكام وأقيال إفريقيا وقد تزوج من يمنية.   منطقة برميل علوان هي إحدى مناطق التهريب المشهورة، وللمكان قصة مشهورة في طرق التهريب بميدي حيث يذكر كبار السن أن صاحبه يدعى «علوان» كان في طريقه الى اللحية بمحافظة الحديدة عام 1983 قادم من جيزان مرورا بالموسم فتقطعت به السبل فترك حينها برميل قاطرته تلك وأخذ الرأس منها ونجا بنفسه.   يبرر  انعدام النقاط العسكرية مدى تواطؤ الأجهزة الأمنية بالمديرية مع المهربين. ويعد الانفلات الأمني في الديرية من أهم أسباب ازدياد عمليات التهريب فضلا عن كثير من المسؤولين الأمنيين والمحليين في السلطة المحلية في الحد من عمليات التهريب.   ويزداد الأمر دهشة حين يخبرك الكثير من أبناء المديرية أن كثير من أولئك مشاركون في عملية التهريب، وكثير ممن يعمل في الصيد في البحر ترك تلك المهنة واتجه للعمل مع كبار المهربين لارتفاع أسعار المحروقات التي أرهقتهم كثيرا، ولم يستطع الكثير منهم تشغيل قاربه في البحر نظرا للغلاء وإن استطاع فلا يجد فائدة من العمل في البحر والصيد، نظرا لأن دخله البسيط لا يفي بالتزاماته ومصاريفه اليومية.   وقد زادت نسبة العمل في التهريب لدى الشباب العاطلين بنسبة كبيرة وقد قتل كثير منهم وذهب آخرون ضحايا لعمليات التهريب. ولذا ينظر للظاهرة بأنها بالغة الخطورة،كونها تهدد الجيل القادم، بل وصل الأمر لدى كثير من أولياء الأمور الى تشجيع أبنائهم للعمل في التهريب وترك التعليم كون التهريب يدر لهم المال وبصورة سريعة، وكان قبل ذلك ممقوتا لديهم ومحرما، ولكن عوز كثير من الأسر في هذه المديرية الساحلية التهامية جعل كثيرين منهم يستمرئ هذه المهنة الخطرة ويخوض غمارها، بغض النظر عن خطورتها او كونها مهنة شريفة من عدمها، وفي ظل غياب التوعية بتلك المخاطر.   «م .ح.ج» يقول إن المهربين بميدي هم السلطة بالمديرية، وهم القضاء وهم أعيان المديرية، بل إن السلطة المحلية وغالبية المشائخ بالمديرية حماة للتهريب وسماسرة لكبار المروجين والمهربين. وأضاف: إن دور الأمن غائب تماما نظرا لتواطؤ بعض منتسبيه مع المهربين، ونظرا ايضا لقوة عتاد المهربين وعدتهم، وغياب الردع لأولئك المهربين، فكثير من المسؤولين والمشائخ يصلهم نصيبهم الوافر من قبل كبار المروجين والمهربين مقابل سكوته وغض الطرف وأيضا الحماية إن لزم الأمر. أمر آخر يتحدث عنه المواطنون لـ«لمصدر أونلاين» عند سؤالهم عن حقيقة وجود الحوثيين بميدي كما يقال في الإعلام، فقد أكد جميع من استطلعناهم حقيقة الأمر، فهناك عشرات المزارع يمتلكها حوثيون وعدد منها تقع على الحدود اليمنية السعودية على بعد حوالي10كيلو مترات تقريبا شرقا وغربا. ويؤكد الأهالي أنه لا يسمح لأحد بالدخول إلى تلك المزارع  أو المرور من جوارها. كما يمتلك الحوثيون (بحسب السكان) أراضي شاسعة على امتداد الساحل بمدينة ميدي وضواحيها، ويبدي كثير من هؤلاء المواطنين قلقهم من ذلك، خاصة مع الحديث عن أسلحة تمر عبر ميدي من إيران يتم تمريرها الى الحوثي عبر تلك المزارع في إطار مديريتهم. وما يعزز ذلك الشك لديهم هي السفن التي تم القبض عليها مؤخرا واتهام الدولة رسميا لإيران بإدخال السلاح عبر الشواطئ والجزر اليمنية ومن ذلك شواطئ وجزر ميدي.

أخبار ذات صله