fbpx
عادات وتقاليد شهر رمضان في يافع
شارك الخبر

يافع نيوز – كتب – د.علي صالح الخلاقي.
 لشهر رمضان المبارك  في يافع، كما في بقية مناطق بلادنا عامة، نكهته الخاصة وروحانيته وتقاليده المميزة التي تتجدد كل عام في مراسيم استقباله وفي مأكولاته المميزة، ووجباته المتنوعة وفي الأمسيات والتماسي الرمضانية.
وبما أن كثيرا من تلك التقاليد والموروثات قد أخذت في التلاشي والاندثار بشكل ملحوظ أمام مظاهر الحياة الجديدة ومباهجها ومفاتنها وزحف تقدم تكنولوجيا المعلومات كالتلفاز والفضائيات وغير ذلك من الوسائل المستجدة، التي أخذت تلقي بظلالها وبقوة على بركات هذا الشهر الكريم، وتفقده الكثير من روحانيته وتجلياته، فأنه من المهم تدوين تلك التقاليد والممارسات التراثية القديمة لتظل ذخراً للأجيال القادمة تستمد منها قوة الهوية والتقاليد الدينية، ومن ذلك تقاليد وعادات شهر رمضان الكريم.
كيفية استقبال رمضان:
————————–
كانت الأسرة اليافعية تستعد لاستقبال رمضان منذ وقت مبكر، وتدخر أفضل ما لديها من مؤن مختلفة لاستهلاكها خلال هذا الشهر. وكانت ميزانية رمضان تثقل كاهل الأسرة، خاصة ذات الدخل المحدود، وأقصد الأسر التي لم تكن تمتلك (تركة) أي أرض زراعية كثيرة، وتزداد أعباء ومعاناة الناس إذا تزامن حلول رمضان مع القحط والجفاف والشتاء ببرده القارس، ولمواجهة مثل هذه الظروف والتعقيدات فأن الناس يستعدون لاستقباله بصورة استثنائية ويستنزف كثيراً من مدخراتهم وميزانياتهم الأسرية. وعلى العكس من ذلك يكون وضعهم أفضل وأيسر إذا توافق حلول رمضان مع موسم العلان، حيث تتوفر المنتوجات المحلية من الخضار والدباء والقاش والجهشة..الخ.
وكانت النساء تتحمل العبء الأكبر في تحضير وتجهيز المؤن الرمضانية، ويساعدها الرجال في ذلك، وأثناء تأديتهن لأعمالهن المنزلية كانت النساء يرددن الأهازيج المرحبة بقدوم شهر رمضان المبارك كقولهن:” شعبان جينا رسول.. للحاطبة والبتول”. والمعنى أنه ينبغي الاستعداد مقدماً ومنذ وقت مبكر من شعبان لمواجهة وتحضير متطلبات رمضان. وهكذا كال الحال في الماضي فقد كانت الأسرة اليافعية في سباق مع الزمن لاستقبال رمضان كما يليق به من قبل جميع أفراد الأسرة. وكانت المرأة تتحمل القسط الأكبر من هذه الاستعدادات، حيث تقوم بطحن الحبوب باصنافها (الذرة ،البر، الدخن) وبكميات كافية، كما توفر السمن البلدي وتجمع الأحطاب اللازمة للطهي خلال شهر رمضان وأيام عيد الفطر التي تليه، وكذا تحميص ودق البُن الذي لا غنى عنه لقهوة رمضان، خاصة وقت الإفطار. ومن جانبه يقوم رب الأسرة بشراء متطلبات الأسرة من التمور والزنجبيل وزيت السمسم (السليط البلدي) والبهارات كالهيل والكمون والقرفة وغيرها، ويتفق مع بعض الأقرباء والأهل على توفير(شِركة رمضان) وهي اللحوم التي يتشارك فيها مع غيره عند ذبح الأغنام أو الرّضْوَع(العجول الضعيرة) ومفردها (رضيع) وتقسيمها حسب حصة كل منهم.
الترحيب برمضان:
———————–
يكون استقبال رمضان، وكذا الحال توديعه، مصحوباَ بترديد الأناشيد والأهازيج التي يصدح بها الصغار والكبار. ويبدأ الترحيب برمضان في شهر شعبان ، حيث تردد النساء:
شعبان وا عسكري
خادم لشهر النبي
شهر الصلاه والصيام
والدِّين وا عابدين
ومن الأهازيج التي تصدح بها حناجرهم عند استقبال رمضان قولهم:
رحبوا يا صائمينا
شهر رب العالمينا
عاده الله علينا
وعليكم أجمعينا
أو قولهم:
مرحب مرحب يا رمضان
شهر العبادة وشهر الصيام
ومن الأناشيد الترحيبية التي ترددها النساء قولهن:
حيَّا بشهر النبي
شهر الصلاه والصيام
***
حيَّا بذي له سنه
واليوم جِيْ(جاء) سَعْدَنَهْ (أي جاء مسرعاً)..
ومن أهازيج الأطفال:
مرحب مرحب يا رمضان
شهر (المُجَفَّأ) وشهر (الكُبَان)
والمجفأ والكٌبان من وجبات رمضان المفضلة.
تحري رمضان
——————–
كان يتم تحري شهر رمضان في يافع، قبل انعدام وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، بترصد ومراقبة الهلال في القرى الجبلية الأكثر ارتفاعاً، وقد يتم صعود القمم المرتفعة من قبل ذوي ثقة ممن لهم دراية بهذا الأمر، وعند التحقق من ثبوت رؤيتهم لهلال رمضان يتم الإعلان عن ذلك وابلاغ القرى المجاورة. وهكذا يكون الحال في تحري ورصد هلال عيد الفطر المبارك والإعلان عنه. وارتباطاً بذلك يقول المثل اليافعي (صُم نظر وافطرُ نظر) والمعنى أن تصوم رمضان لرؤية هلاله وتفطر لرؤية هلال العيد. ويضرب المثل لبيان ووضوح الشيء أمام مرأى العين
هُشَّلة رمضان
————–
كانت (القارة) حاضرة السلطنة العفيفية هي الوحيدة التي تطلق المدفعية التي يُسمع دويها بوضوح في القرى المحيطة بها بعد ثبوت رؤية هلال رمضان، وهذه المدفعية هي الوحيدة التي أهداها الانجليز للسلطان عيدروس مطلع الخمسينات من القرن الماضي تقريباً ووصلت إلى (القارة) مفككة ومحمولة على ظهور الجمال. أما الوسيلة الأكثر اتباعاً التي عرفتها يافع، منذ زمن قديم، فكانت تتمثل بإضرام شعلة اللهب على قمم المرتفعات الجبلية وفوق أسطح المنازل المرتفعة، وتُسمى(الهُشَّلة) أو( الشعملة) ويعهد الكبار مهمة إيقادها للأطفال والفتيان الذين يفرحون ويستمتعون بها، ومن جانبهم كان الأطفال يستعدون لذلك مبكرا بجمع كميات من بعض الأعشاب الجافة من الأودية القريبة مثل(الخُوع) وغيرها بغية اشعالها ليلة دخول رمضان أو يحضرون كميات من الرماد في علب معدنية ويضيفون إليها جاز الكيروسين فيوقدونها على شكل شعلة (هُشله/شعملة) تكون ظاهرة ومرئية للقرى المجاورة التي تتجاوب وتوقد مشاعل مماثلة، وخلال ساعات تنتشر المشاعل(الهُشَّل) في عموم مرتفعات وقرى يافع، وقد أوقدت بنفسي مراراً مثل هذه الشعلة فوق (جُبا) بيتنا. وفي الوقت الراهن يصاحب ذلك إطلاق الألعاب النارية (الطماش) وهي لم تكن معهودة في السابق، وبهذه الطريقة يكون الإعلان عن حلول أول أيام رمضان، وبنفس الأسلوب يستقبل الأطفال الأعياد الدينية، خاصة عيدي الفطر والأضحى. ويروى أنه في سرو حِمْيَر- يافع حين كان يغير عليها الأعداء في الماضي كانت توقد اللهب(الهُشَّل) في أعلى جبالها وكانت كل القرى توقد (هَشَّلها) متجاوبة لرؤية هذ النار، فتتأهب يافع بكامل رجالها لصد الغزاة.
ومن العادات الرمضانية ذات الصلة بالأطفال في بعض مناطق يافع، أن الليلة التي تسبق أول أيام رمضان كانت تُسمى(ليلة الفضيلة) وكانت تُقدم فيها وجبة عصيد خاصة ومميزة بمذاقها وبمحتوياتها وكانوا يضعون في بعض المناطق (حبة بُن) داخل العصيدة ومن يحصل عليها يطلقون عليه (بَرِك) ولذلك كان الأطفال يبحثون عنها للفوز بهذا اللقب المشرف، وقد يفسدون العصيدة جراء البحث باصابعهم عن حبة البُن إذا لم يردعهم الكبار عن ذلك.
كرامة رمضان:
——————
من ضمن الاستعدادات اللازمة لرمضان تجهيز خروف أو كبش خاص يتم نحره في اليوم الأول من رمضان، ويسمى (كَرامَة) أو (مَدْخل) رمضان، وكان ينظر ذا التقليد كواجب ديني مُلزم حتى وقت قريب، رغم أنه .ليس كذلك، وفي بعض قرى يافع كان يتم توزيع اللحم على ذوي القربى مع ابقاء شيئ منه للأسرة.
تماسي رمضان:
——————–
كان الأطفال هم أكثر من كان يفرح لقدوم رمضان ولذلك يستعدون من أواخر أيام شعبان لاستقباله بطريقتهم الخاصة وكانت فرحتهم تتجلى في تعاونهم وتكاتفهم في بناء الـ(كِرْس) الخاص بهم، وهو مبنى صغير ينصبونه من الحجارة العشوائية التي يجمعونها من جانب البيوت ويشيدونه قبيل دخول رمضان بأيام، ويُسمى في بعض المناطق(المِحْلالة) وفي أخرى (المئذانة). ويكون المبنى مربع الشكل أو دائري ومساحتة تتسع لعدد من الأطفال وارتفاعه يتعدى المتر بقليل ويسقفونه ببعض عيدان الحطب والصفيح أو نحو ذلك، ويتخذونه مكاناً لجلوسهم واجتماعهم قبيل وقت الإفطار، حيث تجهز لهم الأمهات أقراصاً صغيرة من الخبز المنوع ويعطى لهم عدد من حبات التمر ويحمل كل طفل ما لديه ويضعونه في مائدة تتوسط تجمعهم ولا يتناولون شيئاً وكأنهم صياماً حتى يسمعون صوت الأذان، ويمكثون في(الكِرس) ريثما ينتهي الصائمون من تناول افطارهم في هدوء وسكينة بعيداً عن ضجيجهم وجلبتهم وشغبهم الذي يثيرونه. ومن جانبهم كان الأطفال يسعدون بذلك ويفرحون لاجتماعهم معاً، وكانوا يخرجون من الكرس بعد صلاة المغرب ويدورون على البيوت، مرددين تلك الأناشيد التي تعرف في كل مناطق اليمن بتماسي رمضان، والتمسية عبارة عن مقاطع يرددها الأطفال بصورة جماعية، وتتكرر على ألسنتهم كل مساء، منها قولهم:
يا مساء الليله مساء
واسعد الله المساء
ومَسُّونا من عشاكم
ربي نشاكم
أو قولهم:
يا مسا الليله مساء
عند ذا الدار الجديد
ذي رواشينه حديد
والخشب صندل وعود
واذلحوا لنا من عشاء فلان( ويذكرون أصغر واحد بالأسرة)
إن في هذا طلب للحصول على جزء من فطور الصائم أو عشائه، ومن جانبه يطل صاحب البيت أو أحد أفراد الأسرة ويعطي التمسية للأطفال وهي عبارة عن شيء من المأدبة الرمضانية للأسرة، يرميها للأطفال من النافذة (اللهج) فيتلقفونها بأيديهم أو بأطراف ثيابهم أو ينزل أحدهم فيسلمهم إياها، وبهذه الطريقة تتجمع لدى الأطفال أصناف متعددة، وفي الكرس يستعرضون غنائمهم التي حصلوا عليها ويضيفونها إلى مائدتهم الخاصة التي تضم صنوف متنوعة بتعدد مصادرها ثم يأكلون مقلدين الصائمين بتناول هذه المأكولات وهم في غاية البهجة والسرور، وينفض مجلسهم هذا بمجرد أن يرتفع صوت المؤذن لصلاة العشاء فيذهب الأطفال مع الكبار إلى المسجد القريب لأداء صلاتي العشاء والتراويح أو العودة إلى بيوتهم.
أيام وليالي رمضان:
———————–
ومن الجلسات الرمضانية المميزة هي تلك التي كانت تتم بين صلاتي العصر والمغرب، في باحة المساجد(الضَّاحية) في معظم القرى حيث يجتمع الرجال وفي مقدمتهم كبار السن، وقد يستمعون إلى قراءات من القرآن الكريم أو الترانيم الدينية، أو يتبادلون الأحاديث العامة والخاصة، وقد لا تخلو أحياناً من النزاعات والمشادات الكلامية خاصة حينما تُثار مشاكل خلافية حول قضية أرض أو خلاف أسري ونحو ذلك،وتكثر مثل هذه المشادات في سنين الجفاف والقحط، وقد تصل أحياناً إلى حد الاشتباك بين الطرفين، ولكن سرعان ما يتدخل العقلاء فيحلون المشكلة ويسامحون بين أطرافها قبيل الأفطار والدخول للصلاة حتى لا يفسدون صيام يومهم.
ومع اقتراب لحظات المغرب كان المتجمعون في باحة المسجد يحصلون على تمور الإفطار ويقوم بتوزيعها عليهم القائم في المسجد من “القاصورة” وهي كيس من سعف النخيل (العزف) كانت التمور تُحفظ به، ويتبرع بها بعض الميسورين ممن يرجون الثواب في هذا الشهر الفضيل. أما في الوقت الراهن فيأتي الصائمون معهم بكميات متنوعة من التمر ومما لذ وطاب من الطعام والشراب ويتناولون الفطار بصورة جماعية في باحة المسجد (الضاحي) في جو من الود والألفة ويتبادلون مختلف اصناف ما جاؤا به من مأكل ومشرب.
ويؤدي الرجال، صغاراً وكباراً، صلاة التراويح في المساجد المنتشرة في القرى، وكانوا يؤدون بعد اتمامها التواشيح الدينية، أو يرددون المواويل وادعية الدينية بصورة منفردة أو بصوت جماعي يضفي مهابة تشمل بروحانيتها كل أجواء القرية.
ولأن السَهَر في السابق كان محدوداً، قبل أن تدخل الكهرباء، وليس كما هو الحال الآن، فقد كانت تقام في بعض القرى الحلقات الدينية التي كانت تُعرف بـ(المولد) حيث يجتمع الناس في مجلس معين بعد صلاة التراويح ويأتي “الفقيه” ليقلي على مسامع الحاضرين شذرات من سيرة النبي المختار والتذكير بمناقبه وخصاله الحميدة، وتستمر حلقات المولد هذه حتى منتصف الليل، ويصاحبها ترديد بعض الأناشيد والتراتيل الدينية التي يقوم بتأليفها أشخاص يُطلق عليهم “المؤلفين” على منهج الطرق الصوفية التي كانت رائجة.
كان الغالبية ينامون بعد صلاة الترواويح مباشرة. وكانت مهمة إيقاظهم للسحور تتم عبر طرق تقليدية، ففي بعض القرى كان يوجد (النفير) الذي يوقظ بصوته النائمين للسحور، وترديد نداء الإيقاظ المعروف (سحورك ياصائم). وفي بعض القرى، كما في مسقط رأسي(خلاقة) كان يقوم بهذه المهمة شخص يُطلق عليه (الشاحذ) الذي يصعد في أعلى موقع يتوسط القرية ويقوم بضرب (الطاسة) بإيقاعات مصحوبة بصوته القوي وهو يدعو الصائمين للاستيقاظ. وفي كثير من القرى كان الناس يستيقظون على صوت الديكة، التي تصدح بأصواتها في وقت السحور.
وكانت وجبة السحور في الماضي تتكون بشكل رئيسي من وجبة العصيد الغنية بمكوناتها الغذائية مضافاً إليها العسل أو السمن أو السليط(زيت السمسم) أو (الصَّعة) أو (الشُّحرة)، ولا تدخل العصيد في مائدة الإفطار مطلقاً مع أنها في غير رمضان كانت وجبة العشاء الرئيسية. كما يتناول البعض في السحور الخبز الجاف(الفدرة) بأنواعها ومسماتيها المختلفة مع القهوة. أما في الوقت الراهن فتتعدد أصناف السحور، وأخذ الرز يزاحم العصيد إلى جانب تنوع مائدة السحور ولكل ذوق ما اشتهى.
وفي رمضان تكون الأعمال محدودة، وحتى إذا صادف مواسم زراعية تتطلب القيام بالأعمال الضرورية فأن الناس يتجهون إلى أراضيهم بعد صلاة الفجر ويستمرون للعمل لساعات محدودة لعدم قدرتهم على الاستمار وهم صائمين، ويؤجلون الأعمال غير الضرورية إلى ما بعد رمضان. ومع ذلك تعتمر المساجد بالتهاليل الدينية وتلاوة القرآن وتنظم فيها حلقات تحفيظ القران للأطفال.
ومع وقت العصر في كل أيام رمضان تشاهد أعمدة الدخان تتصاعد من كل بيت، لأن الحطب كان هو مادة الوقود الرئيسية والوحيدة، وكانت روائح المأكولات تفوح وتُشم على مسافات بعيدة بحيث يميز الشخص وجبة الطعام المعدة من رائحتها خاصة حين يكون قريباً من البيوت. وأهم وجبات الإفطار الرمضانية التي كانت تقدم على مائدة الصائمين تتكون أساساً من التمور والقهوة اليافعية والخبز اللين بأنواعه( اللحوح) و(العُشر) و(المُعَطَّف) و(الكُبان) و(المُشتأ) و(المُجَفأ) وغير ذلك من أقراص الخبز الجاف(الفدرة) بأنواعها. كما تحتوي مائدة الإفطار على البقوليات التي تُزرع محليا كالكراث والبصل والفجل، وقد تشتمل على اللحم والمرق، خاصة لدى الميسورين، وكان مالكو النحل يشربون القهوة (مُعَسَّلة) أي بإضافة كمية من العسل إليها، ولم يكن السكر أو الشاي أو الرز تعرفه المنطقة إلاّ منذ النصف الثاني من القرن العشرين.
عادات وتقاليد
——————
ومن العادات المستحنة في رمضان صلة الأرحام حيث كانت كل أسرة ملزمة بتحضر وجبة عشاء وتوصلها إلى ابنتهم المتزوجة أو (العَذَل) كمال يقال، أي النساء من الأقارب كالأخت، البنت، العمة..الخ. ويكون ذلك في ليلة يُتفق عليها وكان يُسمى ذلك (عشاء رمضان) أو(قُرص رمضان). وكانت وجبة العشاء تلك تتألف في الأساس من مجموعة من أقراص الخبز، وقد تتنوع محتوياتها وفق قدرات وحالة كل أسرة، وهي في العادة تكفي لجميع أفراد أسرة ابنتهم بكاملها وتزيد، وهذه العادة تأتي في إطار ما يُسمى بـ(الهَديِّة والقديِّة) التي تلتزم بها الأسرة كواجب تجاه عذلها المتزوجات في مختلف المناسبات، بما في ذلك المتزوجات خارج القرية، سواء في قرية مجاورة أو في قرية بعيدة .
وحين كان الأطفال الصغار يصرون على تقليد الكبار في الصوم، مع عدم قدرتهم على ذلك لصغر سهنم، وخوفاً عليهم وعلى صحتهم من تبعات الجوع والظمأ لأنهم في مثل هذا السن لا يكفون عن اللعب والجري كما هي عادتهم في غير رمضان. فكان يُقال لهم حين يشتد بهم الجوع والظمأ في منتصف النهار:” افطروا واربطوا صيام اليوم بصيام بكره إلى الظهر وسيحتسب لكم صيام يوم كامل”. وبالمثل كان يقال للأطفال أن على الصائم منهم أن يمتنع عن الكلام أو حسب قولهم(يربُط خُشمه من الكلام) أي يغلق فمه ولا يتكلم. وكان هذا الأسلوب بغرض تعويد الاطفال على الصيام تدريجياً ليس فقط بالامتناع عن المأكل والمشرب، وإنما أيضاُ عن لغو الكلام، ومن جانبهم كان الأطفال يصدقون ذلك ببرائتهم المعهودة. كما كانوا يقولون للأطفال الصغار أن عليهم صيام الجمعة الأخيرة من رمضان التي يطلقون عليها (جُمعة القضاء) وأنها تعادل بالنسبة لهم صيام رمضان بكامله.
أما ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، وهي الليلة التي قال عنها الله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) فأن الناس كانوا يترقبونها في السابع والعشرين من رمضان بفارغ الصبر وبالكثير من الأماني والتماني التي يرجو كل شخص، صغير وكبير، امرأة ورجل، أن تتحقق له في هذه الليلة المباركة. ومن القصص الشهيرة المرتبطة بهذه الليلة حكاية مرتبطة بمثل شائع يقول (يا الله برأسي يكبر، قال: يا الله يرجع ذي كان) وأصل المثل كما يروى، أن أحدهم ترقب ليلة القدر من نافذة بيته وتمنى أن يكبر رأسه فكبر في الحال ولم يستطع إخراجه من النافذة، فطلب على الفور بأن يعود رأسه كما كان، ويضرب المثل في خيبة الآمال وذم الطمع.
وفي الأيام الأخيرة من رمضان أيضا وحتى قبيل صلاة عيد الفطر كانوا يقومون بتوزيع صدقة الفطر أو (فطرة رمضان) ويخرجها رب الأسرة عن جميع أفراد أسرته صغيرهم وكبيرهم، وتوزع على الفقراء والمحتاجين في القرية، كواجب ديني ملزم يكملون به صيامهم.
وكان (الشاحذ) ممن تشلمهم فطرة رمضان لكونه من المحتاجين ولأنه يقوم بمهمة المسحراتي طوال ليالي رمضان، وقد كان يمر عند كل بيت ومعه (المَرْوَس) أو (الطَّاسة) وعلى أنغام إيقاعاتها يردد الموال التالي طالباً من خلاله حصته من الفطره، يقول:
يا مساء الليله مساء
عند ذا الدار الجديد
ذي رواشينه حديد
وافسحونا بالمساء
ومن التقاليد الحميدة التي كانت تقام في أواخر رمضان فعاليات (ختم القرآن) وتأتي احتفاء وتتويجا لحلقات تحفيظ القرآن التي استمرت خلال هذا الشهر المبارك في بعض مساجد القرى اليافعية، وكان يطلق عليها البعض (ليلة الختيمة) وكان الأهالي يشاركون في هذه الفعالية تشجعياً لأبنائهم ويحضرون معهم بعض المأكولات الرمضانية المتنوعة مثل (اللحوح) و(الختوم) و(العشر) و(الكُبان) والتمور والقهوة وغير ذلك، مما يتم تناوله بعد صلاتي العشاء والتروايح، أو يتصدق به على الفقراء والمحتاجين. ويعقب ذلك ترديد المواويل والموشحات الدينية وأهازيج توديع رمضان، الذي يتقن البعض أدائها باصواتهم المميزة والمؤثرة .
وداع رمضان:
————-
وبمثل ما يُستقبل به رمضان بالأهازيج والأناشيد المرحبة، فأن توديعه يتم أيضاً بذات الأسلوب، وربما بذات الكلمات مع استبدال كلة الترحيب بكلمة التوديع، ومما يرددونه في توديعه قولهم في اليوم الأخير:
ودعوا يا صائمينا
شهر رب العالمينا
عاده الله علينا
وعليكم سالمينا
أو قولهم:
مودع مودع يا رمضان
شهر العبادة وشهر الصيام
أما الأطفال فيرددون على سبيل التسلية أهازيجهم الخاصة، كقولهم:
مودع مودع يا رمضان
باقي حسابك على النسوان
وذلك في إشارة منهم إلى الأيام التي ينبغي على النساء صيامها دون الرجال، عوضاً عن أيام الحيض. أو قولهم أيضاً:
مودع مودع يا رمضان
شهر المجفا وشهر الكُبان
والمجفأ والكبان من أنواع المأكولات المفضلة في رمضان. ولا بد أيضاً أن تقترن فرحة توديع رمضان بفرحة استقبال عيد الفطر السعيد ويتكرر هنا دور الأطفال في إيقاد مشاعل اللهب (الهُشَّل) على أسطح المنازل وفوق قمم المرتفعات الجبلية، ويرافق ذلك في الوقت الراهن إطلاقهم أعيرة متنوعة من الألعاب النارية في الهواء معبرين عن سعادتهم الغامرة بقدوم العيد، ويرددون بصوت جماعي والفرحة تغمرهم ( والهُشَّلة والعيد غدوة).. وفي صباح اليوم التالي يصحون مبكراً على أصوات تهاني وأفراح عيد الفطر السعيد.. وقبيل صلاة عيد الفطر يتم توزيع الفطرة على المحتاجين، ويخرجها رب الاسرة عن جميع افراد اسرته ابتداء من أصغر فرد حتى أكبر فرد، وهو ايماناً منهم بفرضية الزكاه…
وكل عام والجميع بخير.
أخبار ذات صله