fbpx
تعزيز الخط الأحمر المصري لإثيوبيا باتفاقيات عسكرية مع دول حوض النيل
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

زادت القاهرة من وتيرة ضغوطها المعنوية على الحكومة الإثيوبية وأصبح الجيش المصري وجهاز المخابرات يطوقانها من خلال تفاهمات عسكرية جديدة مع بعض دول حوض النيل التي تبدو متذمرة من سياسات أديس أبابا في ملف المياه.

 

وتؤكد التفاهمات العسكرية التي أعلن عنها بعد تصاعد حدة الخلاف بين القاهرة وأديس أبابا مصداقية الرسائل الخشنة التي وجهتها الأولى بشأن الخيارات المفتوحة ومن بينها الخيار العسكري، وأنها كانت تتوقع منذ فترة استمرار التعنت الإثيوبي في المفاوضات، والإصرار على القيام بالتعبئة الثانية للسد في يوليو المقبل دون اتفاق.

 

يحيى الكدواني: الاتفاقيات رسالة بأن القاهرة لديها أدوات تكفي للدفاع عن حقوقها

وقالت مصادر عسكرية مصرية لـ”العرب” إن الاتفاقيات العسكرية التي وقعتها القاهرة مع كل من بورندي وأوغندا، وقبلهما السودان وجنوب السودان، ليست وليدة اليوم، وتعني أن القاهرة مستعدة لكل الاحتمالات للحفاظ على حصص مصر في ملف المياه.

 

ولفتت إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة الذهاب إلى الحرب فورا أو التجهيز لعمل عسكري قريبا، بسبب التكلفة الباهظة للجميع، لكن سوف يظل هذا الخيار موضوعا على الطاولة طالما أن إثيوبيا مصممة على عدم التوصل إلى اتفاق مُلزم بشأن ملء السد وتشغيله، وتمارس حيلها التفاوضية، وقتها تنتقل مصر من الردع إلى الضرب.

 

ووقّعت مصر وبورندي في القاهرة السبت برتوكولا للتعاون العسكري يتضمن التعاون في مجالات التدريب والتأهيل والتدريبات المشتركة، ما يتيح تبادل الخبرات والتوافق في الرؤى تجاه القضايا التي تمس مصالح القوات المسلحة في البلدين.

 

وجاءت هذه الخطوة بعد أيام قليلة عن إعلان قوات الدفاع الشعبية الأوغندية (وزارة الدفاع) توقيع اتفاقية أمنية مع مصر لتبادل معلومات عسكرية بين البلدين، بعد وقت قصير من مناورات أجرتها قوات جوية وعناصر من الصاعقة المصرية مع نظيرتها في السودان بعنوان “نسور النيل 2” في قاعدة مروي.

 

وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي نهاية مارس الماضي على أن “مياه النيل خط أحمر، ولن نسمح بالمساس بحقوقنا المائية، وأيّ مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل”.

 

وأكد اللواء يحيى الكدواني عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان المصري أن اتفاقيات التعاون العسكري بين مصر وبورندي وأوغندا والسودان “رسالة شديدة اللهجة، توحي بأن القاهرة لديها أدوات تكفي للدفاع عن حقوقها وعلى مقربة من الأراضي الإثيوبية”.

 

وأضاف الكدواني في تصريح لـ “العرب” أن هذه الاتفاقيات تعني في مجملها أن “الجيش المصري على مرمى بصر من أثيوبيا ليس لتهديدها بل لإظهار مدى القوة التي يمتلكها ومتانة العلاقات مع من تعتبرهم أعداء، وتوصيل رسالة بأن الأمن المائي لمصر مسألة حياة أو موت، وبإمكان القاهرة الوصول إلى أبعد مدى في اللحظة المناسبة”.

 

ويغلق توقيع اتفاقيات استخباراتية مع بعض حوض النيل ثغرات كثيرة استثمرتها بعض القوى الإقليمية السنوات الماضية، كدليل على أن القاهرة تجاهلت دول حوض النيل تماما، لكن الآن تعاد هيكلة هذه المنظومة في الدولة التي تجاهد لترميم العلاقة مع الدول الأفريقية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.

 

Thumbnail

ويشير متابعون إلى أن الإعلان عن الاتفاقيات العسكرية مع أوغندا ثم بورندي في هذا التوقيت هو نوع من دبلوماسية الضغط التي تمارسها مصر، وتحمل إشارة أيضا إلى بعض الدول الإقليمية التي تحرّض أديس أبابا على العناد، وأن الحرب هي آخر ورقة تلعب بها مصر عندما تستنفد كل المسارات الدبلوماسية المتاحة.

 

وقال الخبير في الشؤون الأفريقية حمدي عبدالرحمن إن “الاتفاقيات الأمنية المتعددة يمكن النظر إليها من زاوية إعادة الاعتبار للوجود المصري في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل، وتعظيم المصالح المشتركة”.

 

وكانت أوغندا دولة محورية في اتفاقية عنتيبي التي سعت إثيوبيا من خلالها سابقا إلى عزل دولتي المصب مصر والسودان، وإعادة التفاوض بشأن تقاسم حصص مياه النيل التاريخية، واتخاذ قرارات بالإجماع من قبل دول المنبع، لكن هذا المخطط جرى تجميده، وتحاول أديس أبابا إعادة العزف عليه من وقت إلى آخر، والتقارب المصري مع أوغندا يحرمها من هذه الميزة.

 

حمدي عبدالرحمن: الاتفاقيات الأمنية تعيد الاعتبار للوجود المصري في منطقة القرن الأفريقي

ويمثل التوجه الاستراتيجي نحو أوغندا بالتحديد علامة مفيدة لكونه يطرح بديلا تعاونيا أيضا لاحتواء آثار سد النهضة عبر شراكة إقليمية واسعة تتعلق بالاستفادة من مشروع نهر الكونغو الذي يحوي كمية كبيرة من المياه تكفي دول المنطقة عند استثمارها.

 

وأشار عبدالرحمن في تصريح لـ”العرب” إلى أن زيادة اتفاقيات التعاون الأمني مع دول حوض النيل لا تعني الذهاب مباشرة إلى الحل العسكري أو استعدادًا عمليا له على الأرض وفرض القوات ونشرها، فهي في المحصلة “توجيه رسائل قوية للضغط على الجانب الإثيوبي ودعم الموقف التفاوضي لمصر في ملف سد النهضة”.

 

وفي الوقت الذي تبعث التحركات المصرية إشارة إلى الخيار العسكري لم تتخل القاهرة عن الأدوات الناعمة، حيث دشنت حملة دعائية لمخاطبة الرأي العام الدولي وتوضيح رؤيتها الفنية والتنموية في الأزمة مع أديس أبابا، والتلويح بالعودة إلى مجلس الأمن الدولي لطرح القضية.

 

وأعلنت مؤسسة “ماعت” المصرية للسلام والتنمية وحقوق الإنسان عن وثيقة للمجتمع المدني جاءت في ختام مؤتمر عقد بعنوان “النيل من أجل السلام” بدعوة من منظمة “المنبر الأفريقي” الكينية أقيم في العاصمة الأوغندية كمبالا.

 

ووقعت منظمات مدنية من تسع دول أفريقية على وثيقة تطالب بتأجيل الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي، وقدمت مجموعة توصيات موجهة إلى مصر والسودان وإثيوبيا ودول حوض النيل والمجتمع الدولي بالمساهمة في تعويض إثيوبيا عن أيّ ضرر ناتج عن التأجيل، ووضع اتفاقية قانونية تضمن عدم الإضرار.

 

وتزيد الخطوات التي تتخذها مصر على أكثر من مستوى من الضغوط على المفاوض الإثيوبي والذي لم يعد يستطيع تحديد هوية الآلية التي ستتعامل بها مصر الفترة المقبلة، حيث يجد بالفعل كل الخيارات مفتوحة أمامه.

 

ويقول متابعون إن ما تقوم به القاهرة حاليا من خطوات حثيثة تأخر كثيرا، ولو مارست هذا النوع من الدبلوماسية الخشنة لما تمادت إثيوبيا في تفويت الفرص العديدة على المفاوضات التي بدأت منذ حوالي عشر سنوات ولم تحرز تقدما ملموسا حتى الآن.

أخبار ذات صله