fbpx
الأوضاع السياسية تعرقل الحلول الفنية لأزمة سد النهضة الإثيوبي
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

أخذت تطورات أزمة سد النهضة أبعاداً سياسية دون التركيز على الأسباب الفنية التي تمنع الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، من الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم. وبدت تصريحات وزراء الخارجية والري في الدول الثلاث معبرة عن حجم تباعد المواقف، وذاهبة في اتجاه التصعيد السياسي، وليس الحل كما كان الأمر طيلة السنوات الماضية.

 

لدى وزير الري السوداني السابق عثمان التوم قناعة بأن الحلول الفنية هي السبيل الوحيد لإنهاء التصعيد القائم، وأن تجارب أزمات المياه الماضية أثبتت أنه لا بديل عن الوصول إلى تفاهمات بين الدول التي يربطها شريان المياه، لكن الأوضاع السياسية في الدول الثلاث غير مهيأة للوصول إلى اتفاق فني نهائي، والجميع يتحمل فداحة فشل مفاوضات كينشاسا التي اختتمت الثلاثاء بلا طائل.

 

تحدثت “العرب” مع الوزير السوداني السابق عبر الهاتف من الخرطوم للتعرف أكثر على التفاصيل الفنية التي يمكن أن تكون مدخلاً للحل، وأسباب عرقلة هذه الجهود، بالرغم من أنه كانت هناك اتفاقات سابقة بين الدول الثلاث رأت أن الملء الأول والثاني لا يشكلان تهديداً خطيرا على حجم تدفقات المياه إلى كل من مصر والسودان.

 

عثمان التوم: إثيوبيا بحاجة إلى تكامل المصالح مع دولتي المصب، وتحديدا السودان

 

قال التوم إن جميع الاحتمالات أضحت مفتوحة على التعامل مع أزمة السد عقب فشل مفاوضات كينشاسا، غير أن الحل الأسلم يتمثل في إمكانية تقسيم التفاوض مع أديس أبابا ليكون على أساس مرحلي رجوعاً إلى مقولة شهيرة مفادها “ما لا يُدرك كله لا يترك كله”، وبالتالي التوافق أولاً على آليات الملء الثاني بما يضمن عدم تضرر دولتي المصب، وعدم تكرار ما حدث في الملء الأول بعد أن تضرر السودان كثيراً من الملء دون مده بالمعلومات والوثائق المطلوبة لتفادي مياه الفيضان.

 

وأوضح لـ”العرب” أن ما يدعم أهمية اللجوء إلى هذا الحل أن هناك أمورا فنية، مثل دراسة أبعاد تأثر دولتي المصب في فترات الجفاف والجفاف الممتد إلى جانب الأبعاد القانونية التي تتمثل في الوصول إلى آليات فض النزاعات بين الدول الثلاث، سوف تكون بحاجة إلى دراسات مطولة ولن يتمكن القانونيون من حلها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة قبل الملء الثاني.

 

تأثيرات محدودة

تسعى إثيوبيا جاهدة إلى تنفيذ الملء الثاني للسد بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، سواء جرى التوصل إلى اتفاق أو لم يتم التوصل، على أن يكون الملء في المراحل الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة بـ 10.5 مليار متر مكعب في كل مرة.

 

وبحسب التوم فإن السودان سيتأثر سلباً حال نفذت إثيوبيا المرحلة الثانية من الملء، ويطال ذلك قدرته على توليد الكهرباء، لافتا إلى أن هناك حلولا فنية يمكن أن تجعله يتفادى هذه الخسائر، على أن يتم توفير مساعدات فنية من قبل الولايات المتحدة التي عبرت بالفعل عن رغبتها في التدخل، شريطة أن يكون ذلك مطلبا متفقا عليه بين الدول الثلاث.

 

وفي وقت سابق وضع السودان بعض المعالجات التي تجعله قادراً على تجاوز الملء الثاني، تمثلت في تخزين المياه في سد الروصيرص في بداية يوليو، فضلاً عن تغيير نظام التخزين بخزان جبل أولياء الذي كانت تملأ بحيرته في يوليو، وهو الشهر المتوقع أن تخزن فيه إثيوبيا المياه في الملء الثاني، ما يتطلب تغيير نظام تفريغ خزان جبل أولياء ويتم ملؤه في وقت مبكر عن موعده وهو 15 يونيو بدلاً من 1 يوليو، وتتم عملية الملء بشكل تدريجي في مدة 45 يوماً بدلاً من 30 يوماً حتى يستمر جريان المياه شمالاً لسد الحاجة إلى مياه الشرب والري.

 

يتوقف هذا الحل بحسب الوزير السوداني السابق، الذي تولى منصبه قبل شهر واحد من إزاحة الرئيس السابق عمر البشير من منصبه في أبريل من عام 2019، على موافقة أديس أبابا على تبادل المعلومات الآنية والبرنامج التفصيلي حول الملء الثاني لأنه في تلك الحالة سيكون الإيراد الطبيعي من المياه الذي يصل إلى السودان سنوياً متحكماً فيه من قبل الجانب الإثيوبي، ما تكون له تأثيرات سلبية على السدود السودانية.

 

وأكد عباس التوم أن مصر في وضع أكثر راحة من السودان ولن تتأثر بالملء الثاني للسد؛ لأن الفيضان في المواسم الأخيرة، وعلى وجه التحديد خلال العام الماضي، سمح بأن يكون لدى السد العالي فائض مياه يقدر بـ24 مليار متر مكعب، ما يشكل ضمانة لعدم تعرض مصر لأزمات شح مائية خلال فترة الملء وسوف تكون هناك استفادة من المياه المحجوزة خلف السد العالي.

 

عباس التوم

◘ عمل وزيراً للموارد المائية والري والكهرباء في مارس 2019، قبل نحو شهر من تنحي الرئيس السابق عمر البشير.

 

◘ تخرج في جامعة الخرطوم كلية الهندسة بمرتبة الشرف في عام 1971، ونال درجة الماجستير في ميكانيكا التربة وهندسة الأساسات عام 1975 من جامعة “نيو كاسل بإنجلترا”، وتحصل على درجة الدكتوراه في إدارة الموارد المائية من الجامعة ذاتها عام 1994.

 

◘ عمل مهندساً مقيماً لخزان الروصيرص ثم سنار وبعدها رئيساً لوحدة المياه بمركز البحوث الهيدرولكية بود مدني.

 

◘ شغل منصب وكيل الموارد المائية والسكرتير التنفيذي للجهاز الفني للموارد المائية، ثم صار نائباً لرئيس الجهاز الفني للموارد المائية.

 

◘ ترأس الجانب السوداني للهيئة المشتركة لمياه النيل مع مصر ليمثل بلاده بعدها في فريق الخبراء للإطار التعاوني بين دول حوض النيل واللجنة الاستشارية الفنية ولجنة النيل الشرقي لمبادرة حوض النيل.

 

◘ خبير متخصص في السياسات المائية لدول حوض النيل، وعمل مستشاراً للتخطيط وإدارة المشاريع المشتركة بين دول حوض النيل بأديس أبابا.

 

◘ عضو اللجنة القومية لدراسة آثار سد النهضة وله قرابة الثلاثين ورقة عملية منشورة في مجالات مختلفة.

 

◘ لعب التوم دوراً مهما خلال تمثيله في اللجنة القومية لدراسة آثار السد الإثيوبي وصولاً إلى مرحلة توقيع الاتفاق الإطاري بالخرطوم الذي وقعه رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015.

 

وذهب إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن مصر لديها وفرة في توليد الكهرباء تقدر بـ25 في المئة إضافية، ولن تتأثر سلباً على مستوى توليد الطاقة، وقد يكون التأثر في مراحل الملء اللاحقة، وسوف تكون محدودة، لكن الأمور ستعود إلى طبيعتها مع انتهاء مراحل ملء السد، مشيراً إلى أن توليد الكهرباء من السد العالي يقدر بنسبة 6 في المئة، وفي حال تعرضه لنقص المياه ستكون نسبة التوليد 3 في المئة وهي لن تؤثر طالما أن هناك وفرة تقدر بـ 25 في المئة.

 

ويقول خبراء مصريون إن القاهرة لم تخف أن لديها فائضا في الكهرباء، ولم تنكر حاجة إثيوبيا إليها، لكنها تخشى أن يؤدي تنفيذ سد النهضة دون اتفاق قانوني وملزم إلى أن يتحول لسابقة في إثيوبيا وغيرها، ما يؤثر على كمية المياه المتدفقة لمصر مستقبلا، في ظل الشح المتوقع للمياه، وتطالب بالمزيد من الشفافية لضمان مصالح جميع الأطراف.

 

ويضيف الخبراء أن ما يقلق مصر الغطرسة التي يمارسها المفاوض الإثيوبي في التعامل مع المياه كأنها عطية من السماء، عليه أن يحرم منها ما يشاء، وقد ألمح البعض إلى عدم استبعاد بيعها لمن يريد من الدول التي لا يمر بها نهر النيل.

 

ولفت التوم في حديثه مع “العرب” إلى أن خبراته في مجال ملء الخزانات، وهو تخصصه الذي عمل به لسنوات طويلة، تقول إن نقص المياه المتوقع في مراحل الملء المقبلة سوف يكون على حساب التوليد الكهربائي وليس الزراعة، وبمجرد ملء السد لن يكون هناك خطر، بل يمكن الحديث عن فوائد، وأشار إلى أن السد الإثيوبي بعد أن يأخذ الاكتفاء اللازم من الماء ويصل إلى منسوبه الأقصى 74 مليار متر مكعب سوف يمرر أي مياه شمالاً (للسودان ومصر) حتى يعظم من قدراته في توليد الكهرباء.

 

وأضاف أن السد سوف يكون مُلزماً بتلبية احتياجات الكهرباء المتولدة، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي أو مع الدول المجاورة، وهناك التزام سنوي بتوليد قدر معين من الكهرباء حتى لو كان منسوب المياه أقل من المتوسط السنوي، وسوف يضطر السد إلى الاستعانة بالتخزين للإيفاء بتلك الالتزامات.

 

وأوضح أن ذلك يعني أنه في حال تدفق المياه في إحدى السنوات بمقدار 38 مليار متر مكعب بدلاً من 48 مليار متر مكعب فإن سد النهضة سيلجأ إلى تعويض الفاقد من تخزينه، وبالتالي فإن المياه المتدفقة في تلك الحالة إلى دولتي المصب ستكون بمقدار 48 مليار متر مكعب، ما يجعل التخوف من الجفاف والجفاف الممتد مبالغا فيه لكنه مشروع، ويجب أن تكون هناك آليات لحل النزاعات في حال حدوث أي طارئ.

 

لكن هذه الرؤية تقابلها أخرى فنية أيضاً يدعمها المفاوض المصري والسوداني حالياً وتتوقع أن يكون حجم المياه خصما من حصتي مصر والسودان المائية بسبب سد النهضة وهو بنحو 75 مليار متر مكعب خلال الخمس سنوات المقبلة، وهذه المياه خسارة للبلدين من الرصيد المائي، وكان يمكن تخزينها في السدود السودانية مثل الرصيرص وسنار ومروي، أو في السد العالي بمصر، وتترجم نتائج هذا الخصم إلى انخفاض من رصيد مخزون مصر في بحيرة ناصر بنحو 40 مليار متر مكعب خلال السنوات المقبلة.

 

وترى هذه الرؤية أيضاً أن الخسارة ربما يمكن تعويضها في سنوات الفيضان الغزير، لكن لا يمكن إغفال أن سعة بحيرة السد الإثيوبي البالغة 75 مليار متر مكعب قد تلتهم كل مياه الفيضانات، وعلى مصر والسودان أن يتحملا سنوات الجفاف، فلن يصل إليهما سوى 32 مليار متر مكعب من متوسط 49 مليار متر مكعب، دون الاستفادة في المقابل من سنوات الغزارة.

 

ثقة معدومة

يشاطر التوم، الذي عمل من قبل في لجان عمل مشتركة بشأن المياه بين السودان ومصر من جانب وإثيوبيا من جانب آخر، الرأي القائل بأهمية أن يكون هناك اتفاق ملزم، ولا يمكن الاعتماد على حسن النوايا في تحديد مصائر الشعوب.

 

وذكر أن التخوفات الحالية، وخاصة أن لدى السودان دراسات قديمة حول تأثيرات السدود الإثيوبية على مستقبل المياه، انتهت إلى أهمية أن يكون هناك نوع من التكامل الثلاثي لإدارة السدود والاستفادة منها.

 

وأشار إلى أن الدول الثلاث بإمكانها تحويل النيل الأزرق إلى قناة متحكم فيها، وهذا يتطلب تنسيقا عالي المستوى من الصعب التوصل إليه حالياً بسبب انعدام الثقة، وأن إقامة السدود الإثيوبية التي تعد هدفاً أساسياً لأديس أبابا إلى جانب السدود السودانية وكذلك السد العالي تدفع إلى الإقرار بأهمية تحقيق التكامل الاقتصادي والغذائي والصناعي بين الدول الثلاث ودعم الاستفادة من المياه بشكل كبير.

 

تطورات أزمة سد النهضة أخذت أبعادا سياسية دون التركيز على الأسباب الفنية التي تمنع الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، من الوصول إلى اتفاق قانوني مُلزم

 

وقال في حديثه مع “العرب” إن التعنت الإثيوبي الحالي والتهرب من الوصول إلى اتفاق ملزم يرجعان إلى أن أديس أبابا ترى أن القاهرة لن تسمح لها بإقامة مشاريع السدود المستقبلية، والتي تقوم على ما تقدم به في ستينات القرن الماضي مكتب الإصلاح الأميركي، ويعد سد النهضة أحد مشروعاته، وإن كانت أديس أبابا شيدته على سعة أكبر كثيراً مما جاء في المشروع الأميركي السابق.

 

وشدد على أن أي اتفاق في الوقت الحالي سوف يؤثر سلباً على مستقبل توليد الكهرباء لدى إثيوبيا، باعتبار أن ذلك السبيل الوحيد للاستفادة من السدود التي تشيدها، وأن ذلك الأمر في المقابل يعد مكسباً لمصر والسودان لأن هذه المياه سوف تصل إلى دولتي المصب، فالسدود سوف تستخدم المياه المحتجزة فيها ثم تمررها مجدداً ويترتب على ذلك نقص في إيراد المياه خلال فترات الملء، لكن هذا التأثير يتلاشى بعد ذلك.

 

وأكد التوم على أهمية أن يقدم السودان ومصر حوافز إضافية لأديس أبابا من أجل طمأنتها والتأكيد على أنها مستفيدة مستقبلاً، وأن ذلك يمكن أن يصبح أمراً واقعاً حال كان هناك تكامل اقتصادي إقليمي بين الدول الثلاث وربط للمصالح المشتركة مع بعضها البعض، بحيث تستفيد إثيوبيا من توليد الكهرباء، ويحافظ السودان على أراضيه الزراعية، وتحقق مصر التنمية التي تبحث عنها.

 

ورأى أن إثيوبيا بحاجة إلى تكامل المصالح مع دولتي المصب، وتحديداً السودان، وفي جميع الأزمات التي تتعرض لها أديس أبابا ليس أمامها سوى أن تطرق باب الخرطوم، ولعل ما حدث في أزمة إقليم تيغراي مؤخراً أكبر دليل على ذلك.

 

وإذا لم يكن هناك تعاون بينها وبين السودان فسوف تخسر الكثير اقتصادياً وسياسياً، وأن السودان قادر على إمداد أديس أبابا بالغذاء في مقابل إمداده بالطاقة وهي صيغة مناسبة يمكن أن تمهد للوصول إلى حل.

 

المجتمع الدولي المستفيد الأول من الأزمة سياسيّا وعليه تقديم المزيد من المبادرات لتتجاوز الدول الثلاث مرحلة عنق الزجاجة

واستدرك قائلاً “يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية من الدول الثلاث تبدو غائبة في الوقت الحالي بسبب الأوضاع السياسية في كل دولة، وهناك حكومة انتقالية في السودان تجد نفسها غير قادرة على اتخاذ قرارات تترتب عليها آثار طويلة المدى، إضافة إلى المشاكل الإثيوبية الداخلية التي لا حصر لها وتحمل تعقيدات سياسية وقبلية مختلفة، إلى جانب مشكلات أخرى داخلية في مصر أيضاً”.

 

وأكد التوم أن المجتمع الدولي عليه أن ينظر إلى الأمر بجدية أكثر لأن المشكلة الأساسية تتعلق بالجوع والمعاناة، وإذا تحقق الأمن المائي والغذائي في تلك المنطقة الجغرافية المهمة من العالم لن تكون هناك نسب مرتفعة من الهجرة غير الشرعية إلى بلدان العالم المتقدم وسوف تكون مستفيدة من استقرار الأوضاع، وأن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عليهما أن تساعدا الدول الثلاث على تجاوز مرحلة عنق الزجاجة ومحاربة الفقر.

أخبار ذات صله