fbpx
نيجيريا قبلة داعش الجديدة لبناء دولة الخلافة
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب

نقل تنظيم داعش جزءا كبيرا من مركز ثقله إلى نيجيريا بعد ما يقرب من العام ونصف العام على هزيمته في سوريا، مُكثفا من حضوره وعملياته، ليصبح دور فرعه في غرب أفريقيا في المرتبة الأولى ضمن أفرع التنظيم الأخرى بدول العالم.

 

وشن التنظيم مؤخرا، هجوما على مركز إغاثي للأمم المتحدة في مدينة ديكوا شمال شرقي نيجيريا، وحاصر عناصره ملجأ احتمى فيه خمسة وعشرون موظفا إغاثيا، في إطار موجة من الهجمات المستوحاة من أسلوبه القديم المبني على تفريغ المناطق المستهدفة من الوجود الأمني والعسكري المحلي والدولي لإحكام السيطرة عليها.

 

ويُعد فرع داعش في غرب أفريقيا هو الولاية الأولى من حيث القوة ومستوى القدرات والإمكانات خارج النطاق المركزي التقليدي للتنظيم، وتشير مستويات وطبيعة ما ينفذه عناصره من عمليات كمّا وكيفا داخل الحيز الجغرافي لحوض بحيرة تشاد، إلى تخطيط مسبق يهدف إلى عزل مناطق إستراتيجية بشمال شرق نيجيريا، لتصبح بديلا مكانيا لولايتي التنظيم بالعراق وسوريا.

 

بحلول يونيو 2019 أصبحت ولاية غرب أفريقيا أقوى ولاية لداعش خارج هاتين الدولتين، بعد أن أحكم التنظيم سيطرته على القاعدة العسكرية متعددة الجنسيات على الجانب الآخر من بحيرة تشاد.

 

يدخل التوسع في مساحات خارج سيطرة التنظيم وتنويع الأهداف وفتح جبهات جديدة وتصعيد الهجمات النوعية بشكل غير مسبوق ضد قوات الجيش والشرطة التي تتعاون مع القوات الفرنسية في المنطقة، ضمن سياق إستراتيجية داعش المتعلقة بمساعيه في دمج الفروع المتجاورة جغرافيا في القارة السمراء.

 

هجمات التنظيم التي زادت وتيرتها خلال المرحلة الأخيرة ضد القواعد العسكرية الإستراتيجية خاصة بولاية بورنو بشمال شرق نيجيريا وجوارها الجغرافي واستهداف تمركزات الجيش والمراكز الإغاثية الأممية، تؤكد مُضِي قادة التنظيم في تنفيذ خطة دمج فرعيه بغرب أفريقيا والصحراء الكبرى ضمن هيكل قيادي مركزي تحت قيادة موحدة تبسط سيطرتها على نطاق يمتد من مالي إلى جميع دول حوض بحيرة تشاد.

 

الجائزة الكبرى لداعش

تغوّل الفقر يفرخ الإرهابيين

ما تحويه البلاد من ثروات جعل نيجيريا بمثابة الجائزة الكبرى لداعش، فهي أكبر اقتصاد في القارة وتملك عاشر أكبر احتياطي نفطي في العالم، علاوة على عثور التنظيم هناك على عنوان طائفي عريض يغطي به ممارساته وأنشطته، عبر زعم تبني خطط مؤداها تحويل نيجيريا إلى دولة إسلامية خالصة، وإجبار المسيحيين الذين يشكلون نحو نصف سكان نيجيريا على مغادرة البلاد أو اعتناق الإسلام.

 

وحرصت حركة بوكو حرام منذ البداية على خلق صراع ديني شامل بالتخطيط لهجمات موسعة ضد المسيحيين وممتلكاتهم، بعد أن أعلنت عن إمهالهم ثلاثة أيام لمغادرة شمال نيجيريا الذي تسكنه أغلبية مسلمة أو مواجهة القتل، فضلا عن إعلان الجهاد لتخليص المنطقة من الأنظمة والحكومات العلمانية واستبدالها بحكومات إسلامية.

 

نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها مئة وستين مليون نسمة ينقسمون بالتساوي تقريبا بين المسلمين والمسيحيين، بجانب نسبة ضئيلة بلا ديانات، ويعيش معظم المسيحيين في الجنوب ومعظم المسلمين في الشمال، فضلا عن مناطق كثيرة يعيش بها خليط من أتباع الديانتين جنبا إلى جنب، وجد فيها تنظيم داعش بيئة خصيبة وموردا مهما لتجنيد عناصر جديدة، من منطلق إبدال الرواية الطائفية السنية الشيعية كما كان الحال في سوريا بأخرى مسيحية إسلامية.

 

التنظيم شن مؤخرا، هجوما على مركز إغاثي للأمم المتحدة في مدينة ديكوا شمال شرقي نيجيريا، وحاصر عناصره ملجأ احتمى فيه خمسة وعشرون موظفا إغاثيا

 

وخطط قادة فرع داعش في غرب أفريقيا للسيطرة على شمال نيجيريا، معتقدين أنهم إذا بسطوا هيمنتهم على تلك المناطق المهمة الغنية بالنفط، سيصبح بإمكانهم توسيع نفوذهم الإقليمي لباقي ولايات نيجيريا والهيمنة لاحقا على جنوب البلاد، وهو ما دفع قادة تنظيم الدولة إلى التركيز على نشاطه بنيجيريا ما نتج عنه عدد قتلى ونازحين أكبر بكثير بالمقارنة بمستوى العنف والإرهاب وعدد ضحاياه في الشرق الأوسط والشمال الأفريقي.

 

خلال صراع ممتد منذ إثني عشر عاما سقط عشرات الآلاف من القتلى وجرى تشريد الملايين من السكان، ومورست ضغوط عسكرية على التنظيم في مراحل مختلفة، إلا أنه سرعان ما يثبت مقدرته على الصمود والتعويض ما جعل نتائج مجمل العمليات العسكرية التي نُفذت ضده قصيرة المدى.

 

الحاضنة الاجتماعية التي أسستها الحركة في المناطق الفقيرة ومقدرتها المستمرة على تأمين مصادر دخل لتمويل أنشطتها الإرهابية والإنفاق على عناصرها ومؤيديها، من خلال عمليات الخطف واحتجاز الرهائن سواء المحليين أو الأجانب ثم الإفراج عنهم مقابل الفدى، مكنتها من تلافي خطط ومساعي القضاء عليها وتقليص نفوذها.

 

وصارت نيجيريا بمرور الوقت بالنسبة لداعش بديلا عن سوريا، بعدما تمكن فرعه في غرب أفريقيا بالتزامن مع سقوط ولاية سوريا وإخراج التنظيم من آخر جيب هناك عام 2019، من تجاوز هزائمه وإعلان ولايته الأقوى في أفريقيا المرشحة للتمدد من غرب أفريقيا إلى أغلب دول منطقة الساحل والصحراء.

 

وبعد عقد فقط من إعلانه عن تلك الخطة في العام 2009، تحقق ما أفصح عنه قادة ولاية داعش في غرب أفريقيا من تفاصيل متعلقة بمخطط السيطرة على نطاق منطقة بحيرة تشاد، والتوغل في دول مثل الكاميرون والنيجر وتشاد ومنها التمدد إلى دول الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو، ضمن سياق إستراتيجية لا تخلو من نزعة ثأرية من التحالف الدولي الذي أسقط التنظيم بالمنطقة العربية.

 

وكرس داعش الآن نفوذه وإمكاناته في غرب ووسط أفريقيا مُهددا المصالح الغربية ومُقلصا النفوذ الغربي، ومتحديا تشكيل تحالف دولي على غرار التحالف الذي أسقطه في سوريا والعراق، والذي يبدو أنه السبيل الوحيد لهزيمته عسكريا وميدانيا.

 

تمركز ونمو

فايروس داعش ينتشر في نيجيريا

توغل تنظيم داعش خلال السنوات الماضية في الكثير من المناطق بنيجيريا وهددت قوته تماسك الدولة، ولم يف الرئيس محمد بخاري بتعهده عندما جرى انتخابه عام 2015 بسحق تمرد المتطرفين بشمال شرقي البلاد، فضلا عن عجزه رغم خلفيته العسكرية في تطوير أداء الجيش ليصبح هو صاحب المبادرة في الحرب ضد الإرهابيين.

 

وسيطرة داعش على مناطق ريفية شاسعة، فضلا عن التحكم في طرق وممرات إستراتيجية ونجاحه في تنفيذ عمليات نوعية ضد قواعد عسكرية وتمكنه من نصب كمائن لاختطاف عسكريين ومدنيين وموظفي منظمات إغاثة فضلا عن عمليات اختطاف الفتيات وطلبة المدارس، أفقدت الدولة ومؤسساتها هيبتها وأضعفت ثقة الكثيرين من النيجيريين فيها.

 

صاحب العجز العسكري عن حسم المعركة ضد داعش فساد حكومي واسع وسوء توزيع للثروة وعوائد النفط ما ضاعف من التذمر الشعبي، مُهيئا شرائح مهمشة تشعر بالظلم الاجتماعي لأن يتحول غضبها من مجرد الاستعداد للانخراط في معارضة الدولة إلى الانضمام لإحدى خلايا داعش والتورط في عمل إرهابي.

 

ووجد داعش في نيجيريا مكانا ملائما للتمركز والنمو بعد تدهوره في سوريا، مستندا إلى ضعف الأداء الحكومي وانهيار معنويات الجيش وتراجع قدراته العسكرية والقتالية، جاعلا النيجيريين في وجه المدفع ما كرس من تذمرهم وحنقهم على الدولة؛ فهم من يجري اقتحام بلداتهم وقراهم بغرض تشتيت قوات الأمن واستنزاف طاقاتها.

 

ووصل فرع داعش في غرب أفريقيا إلى مستوى من القوة لم يصل إليه من قبل، ما جعل قادته يضعون عليه الآمال لتعويض ولاية التنظيم في سوريا، وهو ما يتضح في رسائلهم الإعلامية، وتدل عليه إستراتيجيته التي ينفذها على الأرض، والتي تشمل بجانب استهداف قوات الأمن والجيش النيجيري والمراكز الأممية والقوات الفرنسية، مهاجمة بلدات وقرى في مناطق متباعدة تشكل خارطة ولايته الموعودة التي يطمح في تشكيلها والهيمنة عليها.

 

وأدى تكتيك تنويع الأهداف تحت عنوان “أسلوب عمل المجاهدين” بين مهاجمة المدنيين واقتحام قراهم ومدنهم وخطفهم كرهائن، فضلا عن مهاجمة القواعد العسكرية وكمائن الجيش من خلال آليات ثلاث هي “الاستفزاز وتثبيت العدو وكبت المنافقين ونصرة المؤمنين” وفق الخطط التي نشرها التنظيم عبر منافذه الإعلامية، إلى تشتيت جهود قوات الجيش والقوى الأمنية الحائرة بين محاولات إنقاذ المدنيين وحماية أفرادها من جهة وتمركزاتها وكمائنها من جهة أخرى.

 

وتسبب الهجوم على القرى والبلدات المستهدفة إلى فرار غالبية سكانها، حيث نزح مئات الآلاف من مناطق هاجمها التنظيم ويعيشون في مخيمات معتمدين على مساعدات تقدمها منظمات إنسانية، وربطت مهاجمة القوات الفرنسية المتمركزة بدول الساحل والصحراء ودول غرب أفريقيا بين النطاقات الجغرافية التي خطط التنظيم للسيطرة عليها ودمج أفرعه الناشطة بها.

أخبار ذات صله