fbpx
مصر تطور مواقفها استعدادا للترتيبات الجديدة في ليبيا
شارك الخبر

 

يافع نيوز – متابعات

  • تحتاج مصر لبلورة رؤية سياسية جديدة للتعامل مع المعطيات الجديدة في الأزمة الليبية، حيث خرجت من الترتيبات التي تمت برعاية الولايات المتحدة وأدت إلى وصول حكومة مؤقتة، الجمعة، وظهر عمق التأثير التركي – الروسي على الأرض.

 

وأصبح على القاهرة أن تقوم باستدارة واسعة للاستثمار في العلاقات مع السياسيين الليبيين الذين سيتصدرون المشهد، وعليها التعامل بمرونة مع الواقع وقبوله وعدم الصدام معه، ثم تطوير موقفها استعدادا لمرحلة ثانية من ترتيبات الحكم في ليبيا، بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الجديدة بإجراء انتخابات في 24 ديسمبر المقبل.

 

وفي أول رد فعل رسمي، رحبت مصر بتشكيل السلطة التنفيذية من جانب ملتقى الحوار السياسي في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وأعربت عن تطلعها للعمل معها خلال الفترة القادمة، وحتى تسليم السلطة إلى حكومة مُنتخبة.

 

وانتخب عبدالحميد دبيبة رئيساً للوزراء، وفاز محمد يونس المنفي برئاسة المجلس الرئاسي، مع عضوية نائبين هما موسى الكوني وعبدالله حسين، من قبل المشاركين في حوار جنيف، وحصدت قائمتهم 39 صوتاً من أصل 73.

 

وسقطت القائمة المقابلة التي كانت القاهرة تميل إليها، وضمت عقيلة صالح رئيس مجلس النواب (طبرق) لرئاسة المجلس الرئاسي، وفتحي باشاغا وزير الداخلية المكلف لرئاسة الحكومة.

 

ولم تمنع التحفظات، التي أبدتها مصادر مصرية لـ”العرب”، على الطريقة التي تدير بها الأمم المتحدة آلية الملتقى السياسي منذ انطلاقه في تونس أوائل نوفمبر الماضي، من انخراط القاهرة في تطوراته على الصعيد العسكري والاقتصادي والدستوري، حيث استضافت جلسات متعددة للجان الليبية المعنية بهذه القضايا.

 

القاهرة أدركت أن دعمها لعقيلة صالح لم يعد مفيدا لها، وبعثت بإشارات تفيد بتخفيف مساندتها له بعد تغليبه مصالحه الشخصية

 

وحاولت القاهرة تعطيل مسيرة الملتقى لتخوفها من وجود أكثر من نصف الأعضاء من المحسوبين والقريبين من جماعة الإخوان، واستشعرت أن نتائج هذه الآلية تصب في صالح التيار الإسلامي. وعندما أخفقت في توصيل رؤيتها إلى البعثة الأممية التي تدير الحوار، والولايات المتحدة التي لعبت دورا مهما فيه، تعاملت مع الواقع، فليس أمامها الآن من خيار سوى قبول نتائجه وتحسين موقفها تدريجيا.

 

وأدركت القاهرة أن وقوفها بجانب عقيلة صالح لم يعد مفيدا لها، وبعثت بإشارات تفيد بتخفيف مساندتها له، بعد أن ذهب الرجل بعيدا في تعظيم مصالحه الشخصية، وقام بإجراء حوارات ولقاءات علنية وخفية مع شخصيات تنتمي للتيار الإسلامي في المجلس الأعلى للدولة الليبي، ويرأسه الإخواني خالد المشري، ولم يمانع عقيلة صالح في الحوار مع تركيا التي تعتبرها مصر خصما حقيقيا لها في ليبيا.

 

وأجرت اللجنة الأمنية المسؤولة عن إدارة الملف الليبي، والمكونة من أعضاء يمثلون جميع الأجهزة الأمنية بمصر، تعديلا ملحوظا في سياستها خلال الأشهر الستة الماضية، قادها إلى توسيع قاعدة حواراتها وانفتاحها رسميا على قوى وشخصيات في الغرب الليبي للتأكيد على عدم حصر العلاقة مع الشرق الليبي الذي تتمتع فيه مصر بنفوذ تاريخي كبير، ويمثل أهمية إستراتيجية كبيرة للأمن القومي المصري.

 

وجاءت زيارة وفد أمني ودبلوماسي لطرابلس في 27 ديسمبر الماضي كعلامة على تخفيض مستوى الرهان على عقيلة صالح، وتصويب خطأ صاحب طويلا التصورات المصرية منذ بداية الأزمة الليبية في رهانها على رئيس البرلمان.

 

فهمت شخصيات سياسية في غرب ليبيا من ذلك أن الرؤية المصرية بدأت تتسع وتتطور، وتتعامل بإيجابية مع تحفظات دوائر غربية على انحياز القاهرة للشرق، والذي مكن في النهاية أنقرة من تثبيت وجودها في الغرب.

 

وقالت مصادر مصرية مطلعة لـ”العرب”، إن القاهرة لم تخرج خاسرة من نتائج انتخابات جنيف لأن علاقاتها بجميع القوى الليبية، في الغرب والشرق، شهدت تحسنا في الآونة الأخيرة، وشملت القيادات الجديدة، وأدركت أن السيولة التي تتسم بها الأزمة في ليبيا تفرض عليها التخلي عن رهن مصالحها بطبقة سياسية أو عسكرية واحدة.

 

وأضافت المصادر ذاتها أن اتصالات مصر لم تنقطع مع البعثة الأممية، على الرغم من التحفظ على طريقة تشكيل أعضاء ملتقى الحوار، وإدارة الأزمة برمتها، لأنها تيقنت أن المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز تعمل من منطلق ضوء أخضر أميركي وبدعم أوروبي، وكان عليها التجاوب مع التحركات التي تقوم بها.

 

جمع الفرقاء وكنس الأعداء

وقللت المصادر من هيمنة تركيا وروسيا على مفاصل السلطة الجديدة، مؤكدة أن واشنطن باتت معنية كثيرا بليبيا، ولن تسمح بوصول التنسيق بين أنقرة وموسكو إلى درجة تخل بتوازناتها التي تقوم بالتنسيق في كثير من مقاطعها مع القاهرة، الأمر الذي يشير إلى حدوث تغير في مقاطع كبيرة من المعادلة الراهنة.

 

ويؤيد متابعون حاجة الأوضاع في ليبيا إلى طبقة سياسية غير مستهلكة وغير متورطة في تعقيدات المرحلة الحالية كي تكون بعيدة عن تحمل دفع ضرائب سياسية باهظة لأي جهة داخلية أو خارجية، حتى تكون السلطة الجديدة قادرة على العمل.

 

ولدى الإدارة المصرية اعتقاد بأن عددا كبيرا من السياسيين الليبيين يفكرون بطريقة براغماتية، ولا توجد لدى هؤلاء ممانعة في التعامل مع قوى مختلفة ومتنافرة، والانفتاح عليها، بما فيها جماعة الإخوان، وهو ما أدى إلى قدر من الخلط في مواقف البعض، فالتصنيف على أساس اللون السياسي يمكن أن يتغير في أي لحظة.

 

وترى القاهرة أن تصنيف دبيبة والمنفي على أنهما محسوبان تماما على جبهة تركيا وروسيا ليس دقيقا، حتى ولو كانت لهما علاقات جيدة بأنقرة في السابق، فالأوضاع الليبية المعقدة والمتحركة والتي تمتلك خيوطها جهات عديدة تحول دون التصنيف الجامد، هذا شرق وذاك غرب، أو إخوان ونظام قديم.

 

ما يهم مصر حاليا ألا تعيد السلطة الجديدة تكرار أخطاء سابقتها، وهو ما تعمل عليه الآن، حيث تمخض النأي عن رئيس المجلس الرئاسي، رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، عقب التوقيع على اتفاق الصخيرات عام 2015 عن استمالته من قبل تركيا، بعد أن وجد صدّا سياسيا من القاهرة، وانحيازا سافرا للتيار المناهض له ممثلا في قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح.

 

ليس هناك مفر أمام القاهرة سوى البناء على نتائج انتخابات جنيف والتعامل مع السلطة الجديدة التي هي بداية لمرحلة يمكن أن تكون إيجابية، أو تعيد معاناة مراحل سلبية سابقة إذا لم تتمكن القاهرة من ضبط بوصلتها، ووقتها سوف تكون الخسارة جسيمة.

 

فلا تزال هناك العديد من الملفات العالقة التي تهم القاهرة، وفي مقدمتها حل الميليشيات وترحيل المرتزقة والاستفادة من وقف إطلاق النار. فلدى مصر العديد من الأوراق التي تستطيع استثمارها لتحسين موقفها، أهمها وجود توافق دولي على وقف التدخلات الخارجية، وتوحيد المؤسسات الليبية، واستمرار المشير حفتر كورقة مهمة.

أخبار ذات صله