fbpx
في ذكرى الشهيد محمد صالح طماح!!
شارك الخبر

كتب – أ.د.علي صالح الخلاقي.
رحم الله الشهيد طماح الجنوب وكل شهداء الجنوب الذين أحبوه وتفانوا في خدمته واسترخصوا من أجله دمائهم الزكية والممتد من المهرة إلى باب المندب.
طماح جنوبي الهوية والانتماء وينحدر من يافع الشماء(الجنوبية)، مثلما شيخ الشهداء علي ناصر هادي جنوبي الهوية والانتماء وينحدر من أبين الأبية(الجنوبية)..وقس على ذلك شهيد الجنوب جعفر محمد سعد ابن عاصمة الجنوب الأبدية..مرورا بالشهيد القائد أحمد سيف اليافعي وقوافل الشهداء الذين سقطوا في كل بقاع الجنوب  من أجل قضية وطن كبير، حر ومستقل، ولم يستشهدوا على مضارب القبيلة أو المنطقة، فلنقل عنهم وبملء الفهم (شهداء الجنوب) وقد كانوا كذلك فعلا.
وطماح الجنوب أحد أولئك الشهداء الأبطال، فقد ارتبطت حياته ونضاله بأرض الجنوب منذ شبابه المبكر عام 1968م وحتى آخر لحظة من حياته، ويكون قد أفنى خمسين عاماً من عمره في خدمة وطنه من خلال ارتباطه بالقوات المسلحة متدرجاً في المناصب والرُّتب، ومتنقلا بين سهول وجبال وصحاري البلاد التي عرفها وعرفته جندياً ثم ضابطاً وقائداً في سلاح المدرعات لجيش جمهورية الديمقراطية الشعبية.
ومن يعرف طماح يدرك أن له من اسمه نصيب..فقد عُرف عنه أنه طموحٌ، فارسٌ، شجاع، مقدام، يرنو إلى العلاء منذ شبابه المبكر، وحتى آخر لحظات حياته، وتشهد حياته الحافلة بالحركة والنشاط والعطاء على تميزه وحضوره الفاعل في كل المنعطفات والأحداث التي مرت بها البلاد.
ارتبطت شخصيا بالشهيد طماح بعلاقة صداقة حميمة منذ عرفته في العام 1983 بعد عودته من دراسته العسكرية في موسكو، وتعيينه نائبا سياسياً في سلاح المدرعات، وكان رحمه الله كتلة متقدة من الحماس والإخلاص وعلى خلق رفيع في علاقاته مع الآخرين ويمتلك روحاً مرحة ومقدرة على الاقناع والتأثير تنم عن مستواه الثقافي. وأتذكر أيضاً قدرته الخطابية حينما تشاركنا سوية في التعليق المباشر والمرتجل على المناروة العسكرية (درع85) التي اشتركت في تنفيذها صنوف القوات البرية لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مع سلاح المدرعات الذي كان قائده حينها هيثم قاسم طاهر، وما زال صدى صوته الجهوري يرن في ذاكرتي وهو يتداخل ويمتزج مع طلقات نيران القوات المشتركة وهي تصوب باتجاه أهدافها بدقة كثمرة طبيعية للتدريب المستمر، لأن النحاج في المعركة يصنع في ميادين التدريب.
 وبرز اسم طماح خلال الحرب الظالمة لاجتياح الجنوب من قبل قوى النفوذ الشمالية عام 1994م  التي غدرت بالوحدة وبالشركاء الجنوبيين، وكان أحد قادة الجبهات الذين أبلوا بلاءً حسناً في مقاومة الغزاة وسجَّل مآثر بطولية بشهادة رفاقه في خنادق القتال وسوح المواجهات، وظل صامداً حتى آخر لحظة. ثم اضطر بعد احتلال عدن لمغادرة البلاد مع غيره من القادة الجنوبيين متنقلا في أكثر من بلد، حتى استقر به المقام في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك تنقل في أعمال خاصة لسنوات وتمكن من إجادة اللغة الإنجليزية، ورغم  طيب الإقامة ورغد العيش وفرص العمل الجيدة في أمريكا إلا أنه ظل مشدوداً بروابط الحنين والشوق إلى الوطن الجريح الذي أفنى حياته من أجله وظل يطمح للعودة إليه ليسهم بقسطه في تخلصيه من معاناته.
وهكذا عاد طماح إلى الأرض التي أحبها وأعطاها زهرة شبابه، تاركاً حياة الدعة والهدوء ورغد الحياة في أمريكا، ومفضلاً أن يكمل مسيرته ويختتم حياته في خدمة وطنه وشعبه، وبرز إلى واجهة الأحداث، وكانت له بصماته التي لا تُنسى في إشعال جذوة الحراك الجنوبي وسرعان ما أصبح أحد رموزه وقادته الميدانيين الذين يُشار إليهم بالبنان، وأسهم بدوره في إنجاح التصالح والتسامح الجنوبي منذ عام 2006م متنقلا مع زملائه في مختلف مناطق الجنوب سراً وعلانية لتحقيق هذا المبدأ العظيم الذي أزعج نظام عفاش، وأثمر عام 2007م عن إعلان جمعيات المتقاعدين العسكريين التي انتظم فيها عشرات الآف ممن أقصاهم نظام الاحتلال من وظائفهم وسرحهم قسريا من خدمتهم العسكرية، وسرى ذلك على جمعيات المتقاعدين المدنيين، وكانت تلك بداية الثورة السلمية، التي بدأت بمطالب حقوقية، لم يستجب لها نظام الاحتلال، بل واجهها بالقمع والمطاردات واعتقال رموزها، وسرعان ما تحولت بقوة وزخم اندفاعها إلى ثورة شعبية عارمة تطالب بالاستقلال واستعادة الدولة، وكانت بداية النهاية التي أدت إلى سقوط نظام عفاش.
وبعزيمة لا تلين صال وجال الشهيد طماح في كثير من مناطق الجنوب مع العديد من رفاقه الأبطال من مختلف مناطق الجنوب، وحين تضيق عليهم سلطات الاحتلال الخناق وجدوا في يافع، وفي بيت الشيخ النقيب، وبيت طماح وبيت عبدالله الناخبي وفي بيوت يافع وبين أهلها الكرام ملاذاً آمناً حينما بعيداً عن ملاحقات ومطاردات  قوات عفاش، ونتذكر احتضان المناضل حسن باعوم ولقاءات قادة الحراك الجنوبي الآخرين.
لقد شارك طماح في تنظيم وحشد وقيادة تلك المظاهرات السلمية في عدن والضالع ويافع وأبين، وامتلك بتواضعه وروحه المقدامة قدرة على التأثير والحشد والعمل التعبوي الجماهيري، اكتسبها من خلال عمله العسكري والسياسي في صفوف القوات المسلحة، وسخرها لانجاح الثورة السلمية، بل وذهب إلى تُبني الكفاح المسلح ضد معسكرات الاحتلال، وكانت له بصماته في العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة الجنوبية ضد قوات الاحتلال في الحبيلين في ديسمبر 2013م، واستشهد فيها حسين الطيري ومحمد قنداس العياشي وجمال عبيد طالب، وأصيب البطل نبيل الخالدي( استشهد عام 2014م في بيحان) وأحمد يحيى الكبدي(استشهد 2015م في عدن في مواجهة الغزاة الحوثيين)، ثم قاد طماح الملحمة البطولية والشجاعة التي سطرها الأبطال في معركة طرد قوات الحرس الجمهوري من معسكر “العُر” بيافع، بعد أن أمعنت في إذلال المواطنين في أرضهم، واستشهد في هذه المعركة ثلاثة من خيرة الشباب (عبد السلام التركي،  عبد الله ناصر بن هرهرة، عادل الصلاحي)، وكانت أول مواجهة يتحقق فيها النصر الجنوبي المؤزر بطرد تلك القوات منكسرة من (جبل العر)أمام عزائم الأبطال الصناديد، وكان ذلك أول نصر عسكري عجَّل برحيل الغزاة من أرض الجنوب، وأصبح طماح بعد ذلك الانتصار مستهدفا بصورة مباشرة هو وأبنائه وأقربائه من قبل نظام عفاش وقدمت أسرته عدداً من الشهداء والجرحى في خضم الثورة السلمية قرباناً لنصرة حق شعبنا وتحرره من الاحتلال، ونتذكر ثباته حينما أطلق أحد المندسين رصاصات في الهواء بغرض إفشال المهرجان الجنوبي الحاشد بالذكرى الأولى لانتصار معركة (العُر) حيث وقف طماح  يكمل خطابه شامخاً كالطود ويدعو الناس إلى الثبات وعدم الخوف، ويلعن من يخاف من الموت..وتلك لعمري قمة الشجاعة وروح الإقدام التي قل نظيرها.
وبرز أخيرا بمواقفه الشجاعة وروحه المقدامة التي لا تهاب الموت في مواجهة الغزاة الحوثيين-العفاشيين في عام 2015م في جبهة بلة والعند وغيرها..وتلك المآثر البطولية والسيرة الحافلة بروح الإخلاص لوطنه وشعبه تجعله في الخالدين كواحد من أبطال زمننا..
وسلام الله عليك طماح الجنوب وشهيده الطموح..وطب في الخلود مقاماً مع الشهداء والصديقين.
أخبار ذات صله