fbpx
الربيع العربي وأهمية تجاوز القشرة إلى اللب

الربيع العربي وأهمية تجاوز القشرة إلى اللب

باسم الشعبي

تبقى المشكلة كامنة، في حال ظل العقل الذي كان يتعامل قبل الثورة ، ينتج نفس التصرفات العصبوية أو الخاطئة بعدها، أو بعد مرور مدة طويلة من انطلاقها،إذا ما لمسنا ذلك فهذا معناه أن الثورة ما تزال عند القشور وأنها بحاجة إلى وقت طويل لتتخطى هذه المرحلة.

إن رحيل الحاكم أو رأس النظام أو حتى النظام كله، لا يعني أن عقله قد رحل،إذ أن البيئة التي تنتج الاستبداد والعصبية، تظل عصية على التغيير ما لم تتجه الثورة إليها،والمعروف عن العرب أنهم لا يهتمون كثيرا بالتغيير الذي يتجه صوب المضامين، أو الذي ينتج الحرية، بقدر اهتمامهم بالقشرة أو الشكل الخارجي, وإذا ما تحقق لهم ذلك تناسوا اللب، وإذ بهم يعودون مرة أخرى إلى الواقع الذي ثاروا عليه.

استطاعت الأنظمة العربية، طوال الفترات المنقضية، إعادة إنتاج نفسها من داخل مشروعات كبيرة أو مقدسات، كلما شعرت بالحاجة لذلك، في مواجهة حملات النقد أو مطالب التغير، فتمكنت من مغالطة الناس وتضليلهم، عوضا عن إسباغ الشرعية على حروبها ضد المعارضين أو المطالبين بالتغيير.

في سبيل تبرير حروبها، وظفت أدوات أخلاقية وغير أخلاقية،فالأنظمة التي تصنع دوائر أو مربعات للناس وتحرم عليهم تخطيها،لن تجد بدا في اختلاق أسباب إلحاق الأذى أو التنكيل بهم،حتى وإن كان ما تملكه لا يعدو أن يكون مجرد خواطر …وسيكون من الصعب التفريق بين ما كان يحدث قبل الثورة وما يحدث فيها أو بعدها ، في حال انتهجت القوى الجديدة نفس الأسلوب، إذ من غير اللائق أن يعمد من خرج لطلب الحرية منعها عن الآخرين، والكارثة إذا ما كانوا يتحركون تحت سقف واحد.

إن مثل هذه الأنظمة تبني نفسها على أساس أحادي وعصبوي، في صورة لا تتيح مجالا لتطلعات الناس وأحلامهم أن تتحقق إلا بالصورة التي تتوافق مع نظرتها القاصرة ، ولا تسمح بالمرور إلا للذي يدور في فلكها ويسبح بحمدها. في هذه الحالة تصبح المشاريع الكبيرة صغيرة، قياسا لحجم القوى التي تديرها، والألوان التي تتشكل منها،إن مهمة الثورة منع تكرار هذا الشكل من الأنظمة بتجاوز قشور المشكلة إلى لبها, وإلا أعدنا إنتاج نفس العقل أو الشكل الذي ثرنا عليه.

إننا بحاجة لأنظمة تنتج نفسها وفقا لحاجات الناس، وليس من أجل تابوهات أو مقدسات لا شأن لهم بها،إن المشكلة في غياب الدولة ستظل باقية، إذا لم تستطع الثورة التعبير عن تطلعات الجماهير، وقصر حضورها على تلبية حاجات النخب الطامعة في السلطة.

أعتقد أنه لا توجد أسباب وجيهة لإقصاء الآخر المختلف، أو استخدام القوة، ما دمنا نقبل بالحوار للوقوف على ما يطرح من مشروعات بعيدا عن التعصب والتخندق، في تقديري أنه لدى الشباب الاستعداد الكامل للانخراط في بناء دولة المستقبل، وليس بناء النظام فحسب،الدولة تحتاج لفلسفة جديدة وابتكاريه لإنتاجها، كما إلى قوى وأحزاب مدنية ،فعدم وجود حامل مدني سوف يعوق بناء الدولة المدنية المنشودة.

سيكون على القوى الجديدة التسلح بالمستقبل، والمضي قدما نحو تشكيله بالصورة التي توحي بان الثورة التي هي أساسا ثورة قيم ومبادئ توتي أكلها، ناهيك أن من بين هذه القوى تبرز القوى الإسلامية الأكثر حضورا في المشهد العربي،إنها الآن أمام مسؤولية كبيرة، لمواصلة مسيرة البناء والانتقال بالثورة من حالة إسقاط القشور إلى عملية معالجة اللب أوالنواة مستعينة بالحلم والصبر.